أعلن محمد مبديع، الوزير المكلف بالوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، عن خططه لتحويل الموظفين لدى الدولة إلى «جيش فعال» عبر قوانين تقترب بهم إلى طريقة تدبير العاملين في القطاع الخاص. وفي ندوة صحافية على هامش المنتدى الإفريقي ال11 حول تحديث المرافق العمومية ومؤسسات الدولة، الذي بدأت أشغاله اول امس الاثنين بمراكش، قدم مبديع أولى تصوراته لجعل الولوج إلى الوظيفة العمومية كليا عبر عقود مشابهة لما هو معمول به في القطاع الخاص، وفرض إجراءات جديدة على الموظفين الحاليين كالانتقال من منطقة إلى أخرى حسب الحاجيات، بدون طلب أو رغبة من الموظفين، وتشكيل لجنة عليا لحسم تفاصيلها. وأعرب مبديع عن قلقه من طريقة تفكير الموظفين العموميين، وقال: «إن الكثير من الموظفين ينظرون إلى الإدارة وكأنها ملجأ لتقاسم الثروة بينهم وبين الدولة، ولذلك فهم لا يعملون شيئا في وظائفهم لأنهم يعتقدون أن مناصبهم نوع من أنواع التضامن. ولذلك، فإن الكثير من الناس يفعلون ما بجهدهم لنيل وظيفة عمومية، لأنها في اعتقادهم، رزق مؤمن بغض النظر ما إن عملوا أم لم يعملوا. لكن مبديع توعد بأن «هذه الفكرة سيُقضى عليها، ولا يمكن تحويل الوظيفة العمومية إلى ريع». وأشار إلى أن الموظف العمومي لم يكن مكترثا بالإنتاجية، وقد يكون هذا المفهوم غريبا عنه، و»قد لاحظنا أن العلاقة بين المسيرين للإدارة العمومية والموظفين لا تتسم بأي نوع من أنواع الفعالية وتقييم المردودية، ولم تكن لدى الآمر بالصرف أي آلية لتتبع تقييم الموظفين لأن المسؤولين عن الموظفين في الإدارات العمومية يميلون إلى تقييم أداء موظفيهم بطريقة كاريكاتورية فيمنحون الجميع درجات متساوية، فيصبح الموظف النشيط، مثله مثل ذاك الذي بالكاد يعلق بذلته في مكتبه ثم يغادر تاركا المواطنين في الطابور». ثم إن مبديع يلاحظ أن قطاع الوظيفة العمومية تأكله نسب الأطر /les Cadres/، ويشير إلى أن «65 في المائة من الموظفين من الأطر، وهذه نسب غير صحية، لأن الأمر لا يتعلق بأطر حقيقيين، بل فقط، بموظفين عاديين حصلوا على ترقيات بالأقدمية، ويثقلون ميزانية الدولة بأجورهم، بالرغم من أن العمل الذي يقومون به وهم أطر، هو نفسه الذي كانوا يقومون به حينما ولجوا الوظيفة العمومية». وكشف مبديع عن خطط حكومية لوقف الاختلالات الكبيرة في قطاع الوظيفة العمومية، وقال «سنصدر قانونا يلزم الآمر بالصرف بتجديد لوائح تتبع الموظفين كل 6 شهور أو عام على أقصى تقدير، حتى يكون بمقدوره تحديد استحقاق الأجر، وسندعم هذه الإجراءات بقواعد جديدة لضبط وتقييم الموظفين». لكنه أوضح أن هذه العملية كانت ستكون أخف على وزارته لو كانت مؤسسات الرقابة تراقب تطور كتل الأجور في الإدارات، ويقول: «كان بودي أن أرى تقارير مؤسسات الرقابة وهي تضع تقييماتها عما إن كانت كتل الأجور في بعض الإدارات معقولة، وما إن كان هناك تبديد للأموال العمومية في توظيفات غير ضرورية.. لم أقرأ في تقرير أن مؤسسة رقابية قالت إن موظفيها أجروا تفتيشا في إدارة ووجدوا أن عدد الموظفين الموجودين يطابق عدد الموظفين المصرح بهم. في حربي على الموظفين الأشباح، كان بإمكان مثل هذه التقارير لو صدرت، أن تساعدني على تعزيز موقفي، ودعم تصوراتي، لكن لم يحدث ذلك، وكأنه ليس تبديدا للمال العام». ولا يدعم مبديع في كل الأحوال القول بوجود تضخم في عدد الموظفين بالإدارات العمومية، وما يؤكد عليه هو أن «المشكلة الحقيقية توجد في طريقة تدبير جيش الموظفين عندنا»، وكما يقول، فإن: «عدد الموظفين العموميين غير كاف لتدبير المرفق العام، لكنني لاحظت في هذه الفترة، وجود عيوب كبيرة في تدبير هذه الموارد، وقد تخلصت من 1600 موظف شبح طيلة سنتين، وهذا رقم مهم على كل حال، بيد أني حينما أطلع على توزيع الوظائف في الخريطة، أجد مناطق متخمة بالموظفين، إضافة إلى أنهم زائدون عن الحاجة، فيما مناطق أخرى تعاني من نقص الموظفين.. لقد حدثت توظيفات سياسية فيما مضى، وغيّرت كليا طريقة تدبير الموارد البشرية، غير أني أتيت بمشروع جديد لوقف النزيف». ومن بين الخطوط العريضة لهذا المشروع، بحسب ما يكشف عنه مبديع، تشكيل لجنة عليا على مستوى رئاسة الحكومة لتدبير حركية الموظفين العموميين. كيف ذلك؟ بتطبيق الانتقال القسري، ويشرح: «لم تكن الكثير من الإدارات تفرض على موظفيها الانتقال من مكان إلى آخر. وأصبح الموظفون يؤمنون بأن لا أحد يمكنه زحزحتهم من المكاتب التي عينوا بها أول مرة إلا أن كانوا هم من يطلون ذلك.. لكن هذا سيتغير الآن. سأطبق الانتقال غير الإرادي عليهم، وحتى وإن كنت أعرف أنهم سيعارضون الأمر، إلا أن الإدارة لن ترضخ لهم، وعلى كل حال، سنقدم لهم منحا تشجيعية لتمكينهم من تغيير المناطق بسلاسة». وعلاوة على إجبار الموظفين على الانتقال، فإن مبديع سيعلن، أيضا، عن قرب تنفيذ تصور جديد بشأن الوظيفة العمومية «لا يوظف فيه أحد في الوظيفة العامة إلا بواسطة عقد أو تعاقد.. وستصبح الوظيفة حينها مثلها مثل العمل في القطاع الخاص، أي أن مستقبلها ومسارها مرتبط بمردودية الموظف». ويَستثني مبديع من هذه العملية موظفي الشرطة والدرك وكافة مؤسسات الأمن.