أعلن فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي، من طنجة، مساء أمس الأحد، في ختام ثاني زيارة له للمغرب منذ دخوله قصر الإليزي، والتي دامت يومين، عن "نجاح" زيارته، وأنه تم إنجاز المصالحة السياسية بين البلدين بعد عام من فتور العلاقات على خلفية استدعاء عبد اللطيف الحموشي، مدير مديرية مراقبة التراب الوطني (DST)، للتحقيق معه في مزاعم تعذيب. توشيح الحموشي بعد أن كان استدعاؤه سببا مباشرا في تفجر الخلاف بين البلدين ودخولهما نفقا مظلما على امتداد سنة كاملة، وبعد أن أعلن وزير الداخلية الفرنسي، برنار كازنوف، من الرباط، قرار فرنسا منحه وساما رفيعا اعترافا بمجهوداته في محاربة الإرهاب، كثر الجدل عن توقيت توشيح عبد اللطيف الحموشي، مدير المخابرات المدنية (الديستي)، إذ سبق لمصادر دبلوماسية أن سربت خبر التوقيت ل"جون أفريك: بداية، متوقعة أن يتم في منتصف يوليوز بالتزامن مع العيد الوطني لفرنسا، لكن ذلك لم يحدث، ليجري الحديث عن توقيت آخر هو مناسبة زيارة هولاند للمملكة، لكن التوشيح لم يتم كذلك. وحسم هولاند التوقعات، أمس، من طنجة حيث ذكر أن التوشيح لم يكن ضمن أجندة زيارته إلى المغرب، مشيرا إلى أن العملية لا تزال قائمة، وأنها ستجري "عندما تكون الأمور جاهزة"، دون إعطاء توضيحات أكثر.
ابتزاز الملك وتأتي زيارة هولاند بعد أسابيع من تفجر "فضيحة" كبرى هزت المشهد الصحفي والسياسي في فرنسا، وتخص ابتزاز الصحافيين الفرنسيين إيريك لوارن، وكاترين غارسييه للملك محمد السادس، من خلال مطالبتهما بميلوني أورو نظير عدم نشرهما لكتاب قالا إنه سيتسبب في حرج كبير للمملكة، حسبما قال محامي المغرب في باريس، إيريك دوبون موريتي. هولاند حاول النأي بنفسه بعيدا عن الخوض في تفاصيل هذه القضية، لكنه أكد أن الموضوع جرى تناوله خلال محادثاته مع الملك محمد السادس، مشددا على أن قضاء بلده "مستقل"، والصحافة الفرنسية تتمتع ب"الحرية" التي تخولها مناقشة جميع القضايا، غير أنه عاد وربط هذه الحرية بوجود معلومات مضبوطة ومعطيات دقيقة، مؤكدا أن العدالة وحدها المخول لها بالحسم في الملف. وذكر الرئيس الفرنسي أن اعتقال الصحافيين يؤكد أن القضاء الفرنسي يقوم بمهامه، من خلال تحقيقه في القضية، وبأنه يتخذ قراراته باستقلالية، وفق ما يتوفر بين يديه من معطيات. وكشف الرئيس الفرنسي أنه جرى الاتفاق بينه والملك على مشاركته في القمة العالمية للمناخ، التي ستستضيفها فرنسا دجنبر المقبل، وأنه في ختامها سيسلم العاهل المغربي رئاسة القمة العالمية للمناخ للسنة المقبلة، التي ستحتضنها مدينة مراكش.
اليوسفي في الواجهة ومن المشاهد التي جرى الحديث في شأنها على نطاق واسع، خصوصا في شبكات التواصل الاجتماعي، ظهور عبد الرحمن اليوسفي، الوزير الأول في حكومة التناوب التوافقي، والكاتب الأول الأسبق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رفقة الملك والرئيس الفرنسي، خلال حفل الغداء الذي نظمه الملك على شرف ضيفه ومرافقيه، حيث تعتبر هذه من المرات النادرة التي يظهر فيه اليوسفي في حفل رسمي، إلى جانب الملك، بعد اعتزاله الحياة السياسية عام 2002. وأثارت الصورة إعجاب رواد موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، الذين تذكروا دور عبد الرحمن اليوسفي في حكومة التناوب، ونضاله من أجل الديمقراطية في المغرب. وفي المقابل، تساءل كثيرون عن غياب رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، عن الطاولة الرئيسية لحفل الغداء، في مقابل حضور اليوسفي ومستشار الملك، فؤاد عالي الهمة، وشخصيات أخرى. وكان عبد الرحمن اليوسفي قد كشف في حوار له مع صحيفة "العربي الجديد" أنه يلتقي محمد السادس أحيانا، كما يتواصل معه عبر الهاتف، مبرزا أن الملك سبق أن كلفه بمهمات خارجية عدة في إطار ملف الصحراء، مؤكدا أن آخر مرة استشاره فيها كانت حول تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران، وأن الملك احترم رغبته بعد قراره اعتزال السياسة. ونظر الكثير من الاتحاديين، الذين يعيشون هذه الأيام، غليانا داخليا بعد التراجع الكبير للحزب في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، إلى الصورة بكثير من "الحسرة" على واقع الحزب بعد مغادرة قامات كبيرة من قبيل عبد الرحمن اليوسفي. وتوالت التعليقات التي وصفت اليوسفي ب"الهرم" و"الكبير"، مستحضرة ماضي الحزب تحت قيادته. وصول وتصريحات مشجعة مباشرة بعد وصوله إلى مطار طنجة، حرص الرئيس الفرنسي على التحدث إلى الصحافة، وخلالها أكد أنه تحدوه رغبة كبيرة في أن يدخل البلدان "مرحلة جديدة من الشراكة"، مضيفا: "قدمت إلى طنجة في إطار زيارة عمل وصداقة تم الإعداد لها منذ عدة أشهر، وتحدوني الرغبة في أن يدخل البلدان مرحلة جديدة من الشراكة"، موضحا أن "المغرب وفرنسا تجمعهما العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، الاقتصادية منها، والثقافية، واللغوية، كما يجمع البلدان ليس فقط تاريخ طويل مشترك، بل أيضا المستقبل المثمر جدا". ووصف هولاند العام، الذي شهد توترا بين البلدين ب"المرحلة الصعبة"، لكنه عاد وأكد أنه منذ زيارته للمغرب قبل سنتين "حقق البلدان معا تقدما كبيرا، ونسعى معا إلى أن نعطي لهذه الزيارة بعدا دوليا، لأن المغرب وفرنسا يمتلكان إرادة للعمل سويا في إفريقيا ومكافحة الإرهاب"، منوها بأن حلوله في المغرب يأتي "لملامسة التحديات الكبرى للمرحلة الراهنة، والمتمثلة في قضايا الأمن والاقتصاد والشغل والمناخ". وبعد اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي عصر أول أمس السبت، جرى التوقيع على اتفاقية ثنائية تتعلق بتكوين الأئمة الفرنسيين في المغرب، كما أشرفا، في حي امغوغة، على تدشين ورشة صيانة القطارات فائقة السرعة. وبعد النشاط الملكي والرئاسي، استقبل هولاند، بقصر الضيافة في طنجة، رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، ورئيسي مجلسي النواب، رشيد الطالبي العالمي، والمستشارين، محمد الشيخ بيد الله. وأقام الملك، بالقصر الملكي في طنجة، حفل استقبال على شرف رئيس الجمهورية الفرنسية والوفد المرافق له. وخلال يوم أمس الأحد، أشرف محمد السادس وهولاند، بالجماعة الحضرية "اجزناية" (عمالة طنجة – أصيلة)، على إعطاء انطلاقة أشغال إنجاز معهد التكوين في مهن الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، وترأسا حفل إطلاق "نداء طنجة، من أجل مبادرة تضامنية قوية لفائدة المناخ"، تلتها مأدبة غداء، كما قاما بزيارة للمركب المينائي طنجة- المتوسط. وبعد أن انتهى البرنامج الرئاسي الخاص بالزيارة، غادر فرانسوا هولاند ومرافقوه من كبار المسؤولين الفرنسيين مدينة طنجة، مساء أمس، وكان في وداعه، قبل مغادرته مطار ابن بطوطة الدولي، عبد الإله بنكيران. وقبل أن يغادر هولاند المغرب، حرص على البعث برسالة صحيحة أن المصالحة بين البلدين قد تمت، وأن "الخلافات لم تمح أو تم التغلب عليها فقط، بل أصبحت تماما من الماضي". وكان رئيس الجمهورية الفرنسية قد حل بعد ظهر أول أمس السبت بمدينة طنجة، مرفوقا بلوران فابيوس، وزير الشؤون الخارجية والتنمية الدولية، وسيغولين روايال، وزيرة البيئة والتنمية المستدامة والطاقة، ونجاة فالو بلقاسم، وزيرة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث، ومريم الخمري، وزيرة العمل والتشغيل والتكوين المهني والحوار الاجتماعي، وجون ماري لوغن، كاتب الدولة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، وإليزابيث غيغو، نائبة برلمانية عن منطقة السين- سان دوني رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية، وميشيل فوزيل، نائب برلماني عن منطقة بوش دي رون نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية. وكانت هذه المباحثات مناسبة للإشادة بالمرتكز التاريخي القوي للشراكة المغربية الفرنسية، والتأكيد مجددا على الأفق الطموح والتوجه الريادي والطلائعي لهذه الشراكة على المستوى الأورو متوسطي و الأورو إفريقي.