يقلق تراجع سعر اليورو العرب في أوروبا كونه يزيد تكلفة سفرهم إلى الوطن الأم. غير أن لهذا التراجع فوائد أخرى لا تقتصر على تخفيض سعر السيارة الألمانية في الأسواق العربية، تحليل يلقي الضوء على مسار اليورو وأبرز تبعاته. تشهد العملة الأوروبية المشتركة/ اليورو منذ أكثر من عامين عدم استقرار وتراجعا مقابل الدولار الأمريكي والعملات العربية والأخرى. وقد أوصل هذا التراجع في سعر اليورو إلى ما دون 1.10 دولار أمريكي أواخر يونيو الجاري 2015، ويعد هذا السعر الأدنى للعملة الأوروبية خلال السنوات التسع الماضية. وفقد اليورو نحو 20 بالمائة من قيمته تجاه العملة الأمريكية والعربية بين أبريل الفائت 2015 ونفس الشهر من العام الماضي 2014. الكثيرون في العالم العربي والمهاجرون من دوله إلى أوروبا ينتابهم القلق من هذا التراجع ويخشون من استمراره كونه يفقدهم جزءا من قوتهم الشرائية. فالدول العربية والكثير من المستثمرين فيها يحتاطون باليورو كعملة ثانية بعد الدولار الأمريكي. كما أن ملايين العرب المهاجرين يعملون في أوروبا ويتلقون أجرهم باليورو الذي يستخدمونه خلال عطلتهم في الوطن الأم أو عندما يحولوان الأموال إلى العملات المحلية لمساعدة عائلاتهم أو الاستثمار هناك. ومع استمرار الأزمة اليونانية بتكاليفها الباهظة على دول منطقة اليورو بشكل خاص والاتحاد الأوروبي بشكل عام تستمر أزمة الثقة باقتصاديات هذه الدول. ويزداد القلق على ضوء استمرار الركود وبطء النمو الاقتصادي في دول الاتحاد الأوروبي باستثناء ألمانيا وهولندا والنمسا والدول الاسكندينافية التي تشهد نسب نمو ضعيفة تتراوح بين 0.8 و 1.5 بالمائة. هذا الوضع يؤدي إلى تراجع الطلب على اليورو والاستثمار فيه لصالح زيادة الإقبال على الدولار المعزز بانتعاش اقتصادي أمريكي بمعدل نمو زاد على 2.5 بالمائة منذ صيف 2014. وقد لخص كريستيان نوير محافظ بنك فرنسا الوضع بقوله: "إن ضعف اليورو يعكس بشكل طبيعي ضعف النمو في منطقة اليورو". ولم تفلح سياسة "التيسير الكمي" التي يتبعها البنك المركزي الأوروبي لمواجهة الركود بمنطقة العملة الأوروبية حتى الآن. وتقضي هذه السياسة بتوفير 60 مليار يورو شهريا للأسواق بفوائد متدنية لمحاربة الانكماش وتحفيز الاقتصاد. ويتم توفير المبالغ التي يصل حجمها إلى 1000 مليار يورو عن طريق شراء سندات حكومية من قبل البنك وضخ السيولة الناتجة عنها في السوق خلال الفترة من مارس 2015 ولغاية سبتمبر 2016. اليورو الضعيف يحفّز على التصدير من منطقته تراجع اليورو يشجع على الاستيراد من دول منطقته التي تحتفظ بعلاقات قوية مع الدول العربية تراجع اليورو يشجع على الاستيراد من دول منطقته التي تحتفظ بعلاقات قوية مع الدول العربية، غير أن الركود وبطء النمو الاقتصادي لا يشمل منطقة اليوور وحسب، بل أيضا الصين وبلدان جنوب شرق آسيا التي تعد من أهم الشركاء التجاريين لألمانيا ودول منطقة اليورو الأخرى. وعلى ضوء ذلك يرجح الكثير من المراقبين استمرار ضعف اليورو إزاء العملة الأمريكية والعملات الأخرى. ويذهب تقرير لمصرف "غولدمان ساكس" الأمريكي إلى حد القول أن سعر اليورو سيتراجع إلى مستوى دولار واحد أو أقل خلال العامين الجاري والقادم. هنا لا بد من القول إن تراجع اليورو لا يحمل في طياته فقط تبعات سلبية، بل إيجابية كذلك، فاليورو الضعيف يشجع على الاستيراد من دول منطقته. وهو أمر يساعد على تعزيز الصادرات وانتعاش القطاعات الموجهة للتصدير، وخاصة في ألمانيا التي تعد أحد أهم أبطال العالم في التصدير. ومن شأن ذلك أن يزيد من فرص النمو والعمل بشكل يساعد من جديد على زيادة معدلات النمو وارتفاع سعر اليورو. لكن السؤال المطروح هنا، ما هي تأثيرات اليورو الضعيف إزاء العملة الأمريكية على المستثمرين العرب والاقتصاديات العربية التي تعتمد بشكل أساسي على الدولار الأمريكي في احتياطاتها النقدية وتعاملاتها التجارية؟ إيجابيات اليورو الضعيف للعالم العربي بالنسبة للمستثمرين ورجال الأعمال والمؤسسات في الدول العربية التي تسدد قيمة مستورداتها من منطقة اليورو بالدولار سيكون بإمكانها الاستيراد من الأخيرة بتكلفة أقل بنسبة 20 بالمائة مقارنة مع عام خلا. ومما يعنيه ذلك تمتعها بوفر في قيمة فاتورة مستورداتها من ألمانياوفرنسا وإيطاليا وأسبانيا ودول اليورو الأخرى. ويأتي على رأس الدول المستفيدة من ذلك الإمارات والسعودية ومصر والجزائر والمغرب وتونس كون قسم كبير من مستورداتها يأتي من دول اليوور. وكمثال على الاستفادة يمكن لفاتورة المستوردات العربية من ألمانيا أن تكون أقل بقيمة 2.7 مليار يورو خلال العام الجاري 2015 إذا حافظ اليورو على ضعفه الحالي إزاء العملة الأمريكية. وهو الأمر الذي يعني توفير السلع الألمانية والأوروبية من السيارات والآلات والأدوية والأجهزة الطبية والمواد الغذائية في الأسواق العربية بأسعار أدنى. الجدير ذكره أن الدول العربية استوردت من ألمانيا بضائع وخدمات بقيمة 37 مليار يورو خلال العام المنصرم 2014. كما أن تراجع اليورو باتجاه التعادل مع الدولار يشكل فرصة لزيادة الطلب في العالم العربي على السلع الرأسمالية والتجهيزت التقنية والخدمات المرتبطة بها من دول اليورو كالآلات والمكائن والأجهزة وخطوط الإنتاج بمختلف أنواعها لاسيما وأن سمعتها جيدة في الأسواق العربية. ولكن ماذا بالنسبة للاستثمارات العربية في منطقة اليورو؟ بالنسبة للإيداعات باليورو فإن قيمتها أضحت أقل إزاء الدولار. أما الاستثمارات العربية في الأسهم وهي عالية نسبيا فإن ارتفاع أسعار أسهم معظم الشركات مؤخرا عوض عن تراجع قيمتها بسبب تراجع اليورو. وقد يدفع استمرار تراجع اليورو الكثير من المستثمرين العرب لأجل طويل والذين لديهم احتياطات بالدولار أو بالجنيه الإسترليني أو بالفرنك السويسري إلى شراء أسهم إضافية في منطقة اليورو كون أسعارها تتجه إلى مزيد من الارتفاع. وهكذا فإن لتراجع اليورو إيجابيات عديدة يمكن استثمارها في الأسواق العربية المتعطشة للتكنولوجيا الألمانية والأوروبية في الصناعات والبنى التحتية والاتصالات والتعليم والصحة.