ما هي خريطة التيارالجهادي قبل أحداث 16 ماي؟ وهل للمغاربة أدبيات جهادية؟ تحدثت في الحلقة الماضية عن وجه الاختلاف الأول بين التجربة المغربية ونظيراتها في الدول الأخرى، وهو عدم وجود تنظيمات جهادية بالمعني الحقيقي للتنظيم،ثم تعرضت أثناء ذلك للخلافات المنهجية بين أبناء هذا التيار نفسه، في مختلف الأبواب والتصورات. وقد وجدت هذه الخلافات تمثلا لها وسط أبناء التيار الجهادي بالمغرب، فكان ذلك عائقا عن تأسيس تنظيم جهادي يلم شمل أبناء التيار، فضلا عن عدم وجود قيادات متبنية للمشروع بكل تفاصيله إيمانا وتأصيلا ورغبة في التنزيل، -وهي نقطة سأعود لها بالتفصيل-،فبقي التيار فوضويا مشتتا لا رأس له ولا ذنب. والراصد للتيار قبل أحداث 16 ماي 2003 يقف أمام مجموعات هنا وهناك تتقاسم فكرة مشتركة لكنها تختلف في التفاصيل، ويمكن حصرها فيما يلي: بعض بقايا الشبيبة الإسلامية ممن لا يتبنون الخلفية الفكرية للسلفية الجهادية بكل مفرداتها لكن يؤمنون بوجوب تغيير الحاكم بالقوة، ويمكن أن نلحق بهذا الصنف بعض بقايا (الاختيار الإسلامي) و ( جند الله ) ممن لم يتخلوا عن الخيار الثوري ، وقد ظهرت بعض هذه الخلايا في الاعتقالات التي كانت بعد أحداث 16 ماي. تيار واسع من الشباب السلفي الذي يحمل مبادئ السلفية الجهادية، متعاطفا مع التنظيمات الجهادية كالقاعدة وغيرها، مؤمنا بردة كل الحكام العرب، ووجوب الخروج عليهم بالسلاح، متأثرا بكتابات أبي قتادة والمقدسي وأبي مصعب، لكن كل هذا التصور لا يتجاوز الحماس والتعاطف والانتصار ولم يتحول لأي عمل تنظيمي على الأرض، إما لخوف أو عدم قدرة أو تعثر في المحاولة.وغالب جهاديي ذلك الوقت كان من هذا الصنفالصنف. خلايا متفرقة وقليلة من شباب السلفية الجهادية ممن سعوا لتحويل أفكارهم إلى عمليات على الأرض، لكنهم لم يصلوا لدرجة التنظيم، ولكن أعمال فوضوية هنا وهناك، بلغت حد القتل العشوائي لبعض المتلبسين ببعض المعاصي كما في خلية فكري ومن معه، وما دون القتل من عمليات ما سموه ب (الفيء) ، أي اغتصاب أموال الناس بحجة أنهم كفار أو فساق يستعينون بأموالهم على فعل المعاصي. خلايا عشوائية وصغيرة حاولت التحول لتنظيم، واستقطبت عددا من نشطاء التيار في محاولة لاستنساخ تجربة الجماعات الجهادية محليا أحيانا،كما هو الحال مع تنظيم (بن الطاوس)، ومحاولة استلهام تجربة القاعدة أحيانا أخرى كما هو الحال مع خلية الفرنسي (روبير). إلا أن الحملات الأمنية بعد أحداث 16 ماي كشفت هذه الخلايا قبل أن تتحول لتنظيمات جهادية مكتملة الأركان. مشايخ منسوبون إلى التيار الجهادي ، لم يكونوا منظرين أصليين، ولا زعماء جهاديين بما تحمل هذه الكلمة من مواصفات، ولا كلهم في نفس السن ولا المسار ولا التكوين، أعلنوا تعاطفهم مع القاعدة وكل المشاريع العسكرية التي كانت في مقابل ذلك الكافر، شرقيا كان أو غربيا، بفلسطين أو أفغانستان أو الفلبين أو إيرتريا، دون أن يكون لهم موقف واضح من النظام المغربي، وإن كانوا يبدون رفضهم ولو بصوت غير مسموع للعمليات التفجيرية بحجة عشوائيتها وغلبة مفاسدها على مصالحها. وجه الاختلاف الثاني بين التجربة المغربية في المراجعات وباقي التجارب العربية،هو عدم وجود أي أدبيات جهادية تنظر للتيار وتحدد له أهدافه وخططه ومساراته، حتى يتم التراجع عنها ونقدها بكتابات معارضة. فالجماعات الجهادية بمصر لها أدبياتها المعروفة قبل المراجعة: الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلام فرج، وميثاق العمل الإسلامي لعدد من قادة الجماعة، والطائفة الممتنعة لعصام الدين دربالة، والجامع في طلب العلم الشريف لسيد إمام، وغيرها من المراجع المعتمدة عند القوم، ثم كانت المراجعة من خلال : (مبادرة انهاء العنف رؤية ونظرة واقعية) و(حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين) و(تسليط الاضواء على ما وقع في الجهاد من اخطاء) و(الفصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين)و ( وثيقة ترشيد العمل الجهادي)وغيرها. والجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا خطت منهجها وسطرته من خلال كتاب منظر الجماعة سامي الساعدي : (خطوط عريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة) لأبي المنذر الساعدي، ومن خلال المقالات التنظيرية بمجلة (الفجر) التي كانت تصدرها الجماعة، ثم كانت المراجعة من خلال : (دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس). أما في الحالة المغربية فليس هناك شيئ يذكر، سوى ما كتبه الشيخان محمد الفزازي وعمر الحدوشي في جزئيات معينة كالموقف من الديمقراطية أو الإرجاء، مما لا يرقى لدرجة التنظير والتأصيل لمنهج أو تيار. ولهذا كان التيار الجهادي المغربي يقتات من نظيره المشرقي من خلال كتب الجماعات الجهادية، ومن خلال كتابات المنظرين المشهورين للتيار، كأبي قتادة وأبي محمد المقدسي وسيد إمام وأبي مصعب السوري وغيرهم، بل حتى من حاول الكتابة لم يزد على نقل ما كتبه اولائك وإصداره باسم جديد، بل حتى الأفكار المروجة في اللقاءات والدروس والأشرطة المرئية والمناظرات مع من كانوا يسمون (المرجئة)، لم تكن تعبر عن أي خصوصية وإنما كانت اجترارا لأفكار المشارقة لا أقل ولا أكثر.