كل العيون متوجهة إلى بويا عمر. في قرية العطاوية التي تبعد ب 11 كيلومترا عن بويا عمر، تحدث إلينا واحد من أبناء المنطقة بصوت منخفض قائلا: «في سنة 2010، استدعت عائلة رجل يملك أراضي بقيمة 4 ملايين درهم (372.000 أورو) أشخاصا مستأجرين من بويا عمر بغية أخذ الرجل الغني إلى «الضريح»، هكذا تمكنوا من اقتسام ثروته فيما بينهم. وصل إلى هناك في كامل قواه العقلية، لكنهم عذبوه وقيدوه كما لو أنه مجنون. عندما تمكن من الهروب، كان يعاني من إعاقة في الظهر بسبب كثرة الضرب الذي تعرض له في بويا عمر… لازال على قيد الحياة، لكن، هذه المرة، كفقير معدم يبيع لوحاته الخاصة في المقاهي». هي قصص تتكرر مع مجموعة من الأشخاص الذين انتهى بهم المطاف في ظلمات بويا عمر. «من يدخل إليه في كامل قواه العقلية يخرج منه مجنونا، ومن يدخل إليه مجنونا يخرج منه أكثر جنونا». اعتقال بأمر العائلة يعيش المختلون عقليا ومدمنو المخدرات الذين تأخذهم عائلاتهم في المغرب إلى بويا عمر لتلقي العلاج وطرد الجن الذي يسكنهم في جحيم حقيقي. توجد بين أسوار بويا عمر- الذي يقع وسط المغرب على بعد 85 كيلومترا من المدينة السياحية مراكش عبر طريق مليئة بأشجار الزيتون ومعاصر الزيت – آلاف الحيوات (الأرواح) المحطمة. بين أزقة بويا عمر، تتجول النظرات الزائغة، والتي تبحث عن أخرى تتقاطع معها، وتسمع صرخات، لا حول لها ولا قوة، من النوافذ الموصدة في البيوت المجاورة (زنازين سرية)، أزقة يشعر فيها الغريب الراغب في اكتشاف ذلك الواقع بالخوف عند الاقتراب من مشاريع تجارية مشبوهة أغنت القرية، ولا تسمح باقتراب غريب قد يهدد أرباحها. يوجد حولي 1400 شخص سجين بين جدران تلك المنازل ذات الطلاء الأحمر التي تمتاز بها تلك المنطقة، يعانون من اضطرابات عقلية وإدمان على تناول المخدرات، أو مشاكل الإرث مع أفراد عائلاتهم الذين يتركونهم هناك تحت ذريعة أنهم مجانين من أجل الاستيلاء على أموالهم ظلما وبهتانا. «هي ظاهرة شائعة لأن حراس بويا عمر لا يطلبون وثيقة أو رخصة مُسَلَمَة من قبل الطبيب تثبت مرض المحتجز»، يقول ذلك القروي المجاور ل»لسيد»، والذي لا يرغب في الكشف عن اسمه. في يوم خميس، زارت الجريدة هذا الركن النائي من الجغرافية المغربية. التقت بأحمد البالغ من العمر 64 عاما وابنه عثمان صاحب ال32 ربيعا، وهما يرتشفان كأس شاي في إحدى المقاهي الصغيرة قبالة ضريح بويا عمر. من تلك الزاوية يراقب سدنة «السيد» كل من يبدو لهم غريبا. ذهب الأب أحمد لزيارة ابنه عثمان القابع والمسلسل في بويا عمر. وهي الزيارة التي يقوم بها كلما سنحت له الفرصة ذلك، والتي لا تتجاوز الأربعة أيام، قاطعا، بذلك، نصف التراب المغربي في سيارته الخاصة، بغية التأكد من أن ابنه في حالة جيدة. يحكي أحمد للجريدة بلغة إسبانية جيدة قريبة إلى لكنةِ طنجاوية قائلا: «جلبه إلى هنا صديق من العائلة. عندما تحدث لنا عن بويا عمر، في البداية، لم نكن نتوقع أن يكون بهذه الشاكلة. إذ كلما زرته أشعر بإحساس غريب. هذا الجو يجعلك تشعر بأنك مختلف». وأردف قائلا: «لم نكن نعرف ما يجب القيام به. كان يتعاطى لجميع أنواع المخدرات منذ سن السادسة عشر. عانيت كثيرا حتى لم أعد أعرف ماذا تعني كلمة معاناة، لكن من أجل الأبناء يجب التصرف بهذه الطريقة»، يحكي أحمد، وهو ينظر بحذر إلى رواد المقهى الذين قاموا في الأخير بطرده ومنعه من متابعة الحديث. انفصل أحمد عن زوجته، لكن رغم كل شيء، لازالت هي التي تدفع مبالغ «معالجة» وجود عثمان في بويا عمر، لكنه يقول، في المقابل، بأنها «لا تريد أن تخبره بالمبلغ الذي تدفعه مقابل مكوث أحمد في بويا عمر». يؤكد أحمد أن حجز مكان في جحيم بويا عمر يقدر ب 100 إلى 500 أورو (مابين 1000 و5000 درهما) في الشهر. تدفع العائلات هذا المبلغ مقابل العناية بذويهم المرضى، على الرغم من صعوبة الحديث عن العناية بمفهومها المتعارف عليه، بحيث أن سدنة «السيد» لا يصرفون تقريبا أي شيء في العناية بالمرضى. لا وجود للأطباء والدواء في «السيد»، إذ يُعالج مدمنو المخدرات بطرق بدائية وتقليدية. معاناة في الأغلال والصمت عثمان غير قادر على الحديث. يريد الكلام، لكن يبوح بخليط من الكلمات فقط، بدون معنى بسبب مرض الفصام الذي يعيشه. «حالة عثمان مختلفة جدا»، يقول والده أحمد. «ليس بالشخص العنيف، لهذا يسمحون له بالخروج لارتشاف الشاي معي. عندما أنصرف يرجعونه إلى وضعه الأصلي رفقة جميع المرضى المكبلين بالسلاسل. دخلت مرة واحدة إلى تلك الزنازين السرية، ولا أرغب في تكرارها مرة أخرى»، يقول الأب أحمد بحيطة لأنه يعرف أن كل الأعين تراقبه وتحسب خطواته. في الواقع، المختلف في حالة عثمان، هو أن فردا من أفراد عائلته يزوره مرتين في الشهر. أغلبية مرضى بويا عمر يعانون في صمت، لأنه تم التخلي عنهم من قبل الأهل والأحبة ليعيشوا جحيم بويا عمر. «أول ما يجب محاربته هو جهل الناس»، يؤكد محمد أبو والي، ممثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في العطاوية، مشيرا إلى أن 60 في المائة من الساكنة المغربية أمية – حسب الأرقام الرسمية – وأن 86 في المائة من المغاربة يؤمنون بوجود الجن والأرواح، أو ما يسمى باللسان الدارج «لارياح». لهذا لازالت أبواب بويا عمر مشرعة، وقصصه المليئة بالرعب تلوكها الألسن في انتظار قرار المنع الذي قد يأتي أو لا يأتي. « يُكَبلون بالسلاسل ويُعَذبون ولا يُقَدم لهم الطعام الكامل، فقط، كسرة خبز وكأس شاي. يحتفظون بالثياب نفسها التي دخلوا بها أول مرة، كما أنهم يتبولون بشكل لا إرادي على أنفسهم. هناك حمامات، لكنها في حالة سيئة»، يقول فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في العطاوية، بناء على عدة شاهدات من استطاعوا الفرار من جحيم بويا عمر، لأنه من الصعب ولوج الزنازين السرية التي تأوي المرضى العقليين والنفسيين. عندما يرى حراس «السيد» أي كاميرا تقترب من بويا عمر ينقضون عليها بشكل جماعي بلهفة وغضب مخافة أن يخرج أي شيء إلى العلن. «لقد تم الاعتداء على العديد من الصحافيين في بويا عمر. إذ منذ سنوات حاولوا دهس صحافيين بالسيارة لولا مغادرتهم للمكان بسرعة»، يحكي أبناء المنطقة. أعلن وزير الصحة، الحسين الوردي، مؤخرا رغبته في إخلاء بويا عمر في الأسابيع المقبلة. «إما أنا أو بويا عمر»، صاح الوردي أمام مجلس المستشارين، لكن الأمر ليس سهلا، يقول الوزير. فمن أجل إخلاء المكان من المرضى وترحيلهم إلى مكان آخر يسمح لهم بتلقي العلاج، يجب أولا تشييد مستشفى للأمراض العقلية قادر على استيعاب هذا الكم الهائل من المرضى، لكن المشروع لم يطبق بعد، على أرض الواقع. علاوة على ذلك، عند إخلاء بويا عمر وهدمه ستخرج إلى العلن الكثير من الأرواح التي ترقد هناك، كل هذا لا يناسبهم أي حراس «السيد»، يشرح محمد أبو والي. الشيء الأهم بالنسبة إلى والي هو ضمان حقوق الإنسان التي سُلبت من هؤلاء المرضى وأن يفتح تحقيق حول ما كان يحدث داخل أسوار بويا عمر منذ عقود خلت. «الكثير من العائلات تسأل عن وفاة أبنائها أو إخوانها، غير أن إجابة سدنة «السيد» تقول بأنهم انتحروا. يجب أن تجد كل هذه الفظاعات، التي ارتكبت في حق هؤلاء الضحايا، طريقها إلى التحقيق»، غير أن محمد أبو والي، لا يصدق أن «المافيوزيين» الذين اغتنوا على حساب عذابات المرضى سيسمحون بالنبش في الموضوع، وفتح تحقيق في ما حصل. الاستثمار في الجهل «السيد» هو عبارة عن «مقاولة» صعبة الحل، لأن جذورها تمتد في التقاليد المغربية القديمة، والتي تمجد الأولياء الصوفيين. يوجد بويا عمر هناك منذ القرن ال17، فمنذ ذلك الإبان، والكثير من الناس تحج إليه بغية التحرر من الجن الذي يقولون إنه يسكنهم أو يلبسهم. وحسب التقديرات يحج حوالي 300.000 زائر صوب الضريح سنويا، للتبرك والتمني. كما أنه من أجل التحرر من الأرواح الشريرة التي تسكنهم يتطلب الأمر منهم تقديم الأكباش والدجاج كأضاحي أو قرابين، وهو الشيء الذي يتطلب الكثير من المال، بحيث يفرض عليهم سدنة الضريح أن تكون الأضحية أو القربان من المنطقة التي يوجد بها «السيد». إضافة إلى أن عائلات المرضى تدفع مبالغ مالية كل شهر من أجل سجنهم هناك، وهي التجارة التي تُدر أموالا طائلة على ال400 عائلة التي تسكن بجوار «السيد»، والتي تعتبر نفسها الوريثة الشرعية ل»لسيد». حسب شهادات سكان المنطقة، فالرجل الذي يسير تلك «المقاولة» وصل إلى القرية سنة 1986، وهو الآن من ملاك لأراضي شاسعة من الزيتون ومعاصره. يدفع مقابل تسيير «السيد» 800 ألف درهم كل سنة، بحيث يتم توزيع هذا المبلغ على العائلات التي تقول إنها من ورثة «السيد». كما تفوق العائدات المالية للضريح ال400.000 أورو (4 ملايين درهم) سنويا. «كل القرية لها يد في هذه المقاولة، بحيث لا يسمحون لأية عين رقيبة بولوج «السيد». يدفعون لهم إتاوات مقابل الابتعاد عن المكان»، حسب فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الموجود بالقرية. زارت امرأة رفقة زوجها الضريح. كانت جميلة ورقيقة. كبلوها من قدميها تحت ذريعة أنها إرادة «السيد». فخدروها وتناوبوا على اغتصابها. بعد شهور تمكنت من الفرار من ذلك الجحيم، إذ استقلت سيارة أجرة كبيرة حملتها إلى الدارالبيضاء»، يتذكر أحد أبناء المنطقة. بتصرف عن «إلموندو»