بعدما «ضاقت بهم أرض الجزائر بما رحبت»، بقرار ترحليهم إلى بلدانهم، يستعد عدد كبير من المهاجرين الأفارقة لدخول المغرب هربا من تنفيذ قرار يرون أنه سيقتل حلمهم في الوصول إلى «الفردوس». بعد هدنة ليست بالقصيرة، استفاق الجميع الأسبوع المنصرم على وقع قرار لم يكن في الحسبان. الجزائر تقرر دون سابق إنذار ترحيل الآلاف من المهاجرين المتحدرين من دولة النيجر إلى بلدهم الأصلي، وقالت بعدما بدأت الأضواء تُسلط على العملية، إن حملتها تتم باتفاق مع حكومة النيجر، وأنها تمر في ظروف إنسانية مواتية. العملية وفق المتابعين لملف الهجرة، ستكون لها آثار وخيمة على المغرب نتيجة تدفق الأعداد الهائلة من المهاجرين، هربا من الترحيل. فالمهاجرون الذين قطعوا الآلاف من الكيلومترات في سبيل تحقيق حلمهم المنشود نحو أوروبا، من الصعب عليهم الاستسلام بسهولة لمطاردات الدرك الجزائري في مغنية أو حي كوكا بوهران، في حين أنهم على بعد بضعة كيلومترات فقط، من الحلم الأوروبي! من مغنية إلى وجدة! لم تعد الجزائر مضطرة إلى حمل العشرات من المهاجرين في الشاحنات العسكرية وإطلاق سراحهم على مشارف الشريط الحدودي مع المغرب حتى يتسللوا إلى التراب الوطني، فالقرار الأخير الذي اتخذته السلطات، دفع بالمهاجرين إلى التفكير بجدية في ترك بلد المليون شهيد، ودخول التراب المغربي. «لا أعرف بالضبط ما إذا كانت عملية الدخول إلى التراب الوطني ستكون سلسلة مع وجود السياج، كما أنني لست متأكدا فيما إذا كانت للعملية الجزائرية تأثيرات بالكيفية المتوقعة. لكن هناك العديد من المهاجرين، أمام التحولات التي يعرفها المغرب، يفكرون بجدية في ترك الجزائر»، يقول هشام بركة، رئيس جمعية بني يزناسن للتنمية والثقافة. إذا كان بركة يضع احتمالا كبيرا بزيادة توافد المهاجرين غير النظاميين مع الخطوة التي اتخذتها الجارة الشرقية، فإن مصدرا مطلعا رفض الكشف عن هويته، يعتقد جازما أن التوافد سيكون كبيرا في الأيام المقبلة «لعدة معطيات واقعية، من بينها الظروف المعيشية الصعبة والبحث عن الاستقرار والأمان. لذلك، ففي نظري سيضطر المهاجرون إلى اللجوء صوب المغرب بوتيرة أكبر من السابق»، يقول المصدر نفسه، قبل أن يضيف «لقد التقيت عددا كبيرا منهم يقدرون بالمئات، على مدى الثلاثة أيام الماضية، أنهم يرغبون في الدخول إلى المغرب». شبكات الهجرة تتأهب! رغم أن السلطات المغربية تمكنت في الأشهر القليلة الماضية من توقيف أهم بارون للتهريب، والذي يعمل أيضا في تهريب المهاجرين من الحدود الجزائرية المغربية، ورغم السياج الذي أقامته السلطات المغربية على طول الشريط الحدودي، فإن عددا من سكان الشريط الحدودي أكدوا ل» اليوم24» أن حركة التدفق على المغرب لم تتوقف أبدا، وأن هناك عدة شبكات تنشط على الحدود، مهمتها تهريب المهاجرين بين البلدين. أكثر من ذلك، أكد مصدر مطلع أن نشاط هذه الشبكات سيتضاعف أمام هذا الظرف الاستثنائي، «إذ سترتفع المستحقات المالية المقدمة لهذه الشبكات، فإذا كانت في الأوقات العادية تتراوح ما بين 1000 و2000 دينار أي ما مقداره 200 درهم مغربية للشخص الواحد، فهذا الوضع الاستثنائي سيرفع ثمن العبور إلى أكثر من 6000 دينار أي 600 درهم مغربية». المصدر نفسه، كشف بأن الوضع الاستثنائي دائما يكون سببا في تعرض المهاجرين لاعتداءات متكررة من قُطّاع الطرق والعصابات، وحتى للنصب والاحتيال، والوضع الحالي سيزيد من معاناتهم على هذا المستوى، خاصة بالنسبة إلى المهاجرين الذين ليست لهم دراية بجغرافية المنطقة الحدودية. في الإطار نفسه، ورغم أن عددا كبيرا من المهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء، أخلوا مخيماتهم بغابة «سيدي معافة»، ومحيط كلية الحقوق بوجدة، بعد إطلاق المغرب للعملية الاستثنائية لتسوية أوضاعهم، خاصة الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة، فإن نظام ولوج هذه المخيمات من قبل المهاجرين الجدد ظل قائما. ذلك أن المهاجرين الفارين من الجزائر سيكون من اللازم عليهم دفع إتاوات لقائد المجموعة التي يريدون الالتحاق بها. وأمام هذا الوضع الذي يعيشونه حاليا في الجارة الشرقية، من الصعب عليهم تأمين المزيد من الأموال. معاناة أخرى العملية التي شرعت فيها الجزائر تزامنت مع فصل الشتاء، وهو الفصل الذي يضطر فيه المئات من المهاجرين إلى العمل في الضيعات الفلاحية وقطاع البناء، خاصة بمدن مغنية ووهران وتلمسان، إذ بواسطة المال الذي يحصلون عليه طوال الأشهر الثلاثة (دجنبر، يناير وفبراير) يضمنون التحرك بين الحدود، وكذا توفير مبلغ يساعدهم على قضاء بعض الأيام بمخيم وجدة قبل التوجه إلى الناظور. وهو ما يكشف عنه أيضا، التقرير الأخير الذي أصدرته الشبكة الأورو متوسطية لحقوق الإنسان حول المهاجرين بمغنية. غير أن العملية الأخيرة دفعت، وستدفع العديد منهم إلى ترك «الجمل بما حمل» مفضلين عملية التسلل. لكن السؤال الذي يطرح هو كيف سيتدبر هؤلاء أحوالهم في مدينة وجدة أمام غياب فرص عمل حقيقية. إذ أن الغالب من المهاجرين سيختارون التسول بشوارع المدينة، والاحتماء بمحيط الحدود بمنطقة «كالا» التي عُرفت على الدوام أنها ملجأ لمن لا يتوفر على المال الكافي لدخول مخيم «سيدي معاقة»، القريب من جامعة محمد الأول!