يعتبر المخرج الفلسطيني إيليا سليمان البعد الشعري رهانه الجمالي الأساس، وأن الصمت بالنسبة إليه أكثر إغراء في رسمه الصور السينمائية، مؤكدا أن قوة الحبكة الحكائية ليست ضمانة لتقديم فيلم جيد في غياب الخيال والتجريب والمفاجأة. جاء ذلك في لقاءين مختلفين للمخرج ضمن فعاليات المهرجان الدولي لسينما المؤلف المختتم حديثا بالرباط. يؤسس الشعر في سينما إيليا سليمان مكانة خاصة، بل ويعتمد عليه في كثير من الأحيان للبحث عن فضاء أرحب، حيث الحلم والأمل، ذلك ما أكده حديث المخرج الفلسطيني في ندوة على هامش الدورة العشرين لمهرجان سينما المؤلف، المختتمة مؤخرا بالرباط، إذ قال: «انطلاقاتنا يجب أن يكون فيها شعرنا مع السينما التي تتأثر بالشعر لكي نبقي على الأمل ومكان رحب نعيش فيه»، مضيفا أن «السلطة تصر على أن تنظر إلى الساعة وهي تمشي إلى الأمام، لكن إذا أصرت أن تتطلع إلى الزمن الأفقي وتعيش حالة من المتعة والحلم… هذه هي الحالة التي أوصلتني إلى أن اشتغل بالسينما». ويرى إيليا سليمان، الذي جابت أفلامه كبريات المهرجانات الدولية، أن البعد الشعري هو رهانه الجمالي الأساس، إذ لا يهتم كثيرا بوضع ترتيب سببي للأشياء والأحداث في كتابة أفلامه، بقدر ما يهتم بإنتاج توالي الصور وتقاطعها للمعنى. ومن هذا المنطلق يؤكد أن قوة الحبكة الحكائية ليست ضمانة لتقديم فيلم جيد في غياب الخيال والتجريب والمفاجأة. من جهة أخرى، أوضح المخرج، في لقاء آخر له مع طلبة المعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما، أن الصمت يغريه أكثر، لأنه يقربه من أشياء وجودية، ويذكره بأنه لا يملك الزمن ويحفز على التساؤل عن معنى الحياة، معتبرا أنه حتى إن قدم شخصية رئيسية «ناطقة» في فيلم مقبل فإنه سيحرص دائما على ألا يكون حديث الشخصية مصدرا للمعلومة، لأن من شأن ذلك أن يحط من مستوى التعبير السينمائي، الذي يفترض أن يظل مادة مفتوحة للتأويل بالنسبة إلى المشاهد. أما سر السينما، فيراه مخرج «يد إلهية» في الحاجة إلى المشاطرة وتقاسم لحظات المتعة والألم، والذوبان في شخصيات الآخرين، ذلك ما يصنع تلك الرغبة المتجددة في صناعة الأفلام، ويعزز الإيمان بجدوى العملية الإبداعية. يذكر أن سليمان مخرج فلسطيني أثار كثيرا من الجدل في العالم العربي، لكنه استطاع أن يفرض أسلوبه الخاص في السينما، حيث فاز فيلمه «يد إلهية» في عام 2002 بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» وأفضل فيلم أجنبي في جوائز الأفلام الأوروبية في روما. من خلال أفلامه، يبحث سليمان عن الذات، وعبر عن ذلك بالقول: «كل مرة أكون فيها بصدد إنجاز فيلم أطرح أسئلة وجودية من قبيل: لماذا أنا هنا؟ كيف أصبحت هكذا؟ كيف مر الزمن؟» ويقول سليمان: «في البداية عندما أنوي إنجاز فيلم أتحمس وكأني أمضي لإحداث انقلاب… لكن بعد ذلك أصبح لدي أرق من نوع وجودي لم يعد بالنسبة إلي تحديا… أصبحت أطرح أسئلة مثل: ماذا يجب أن أثبت؟ كيف أعطي صورة أقرب إلى المجرد؟ لم يعد لدي طموح.. صرت أكره الطموح». وصرح سليمان، الذي منعت أفلامه من العرض في بعض الدول العربية، بأن «أفلامي لا علاقة لها بأفلام الهوية والحدود. أنا لا أنجز أفلاما عن فلسطين.. هي أفلام تعبر الحدود»، مضيفا أن «السينما هي المكان الذي أشعر فيه بأني أخلق الأمل لتغيير الوضع». وأضاف سليمان أن فلسطين في أفلامه «هي نموذج لما يحدث في كل العالم. أظن اليوم أن فلسطين موجودة في كل العالم». وانتقد السينما في العالم العربي لأنها «تتطلع إلى الأماكن والمحلية». وفي إشارة إلى أنه لم يأخذ تجربته من السينما، يقول سليمان: «لم تكن لدي ثقافة سينمائية، وفي كثير من الأحيان نسجت أفلامي من الصور التي شكلتها من الكتب… تعاملت مع السينما صدفة… التجربة جاءت من شيء داخلي كان يريد أن يخرج». وقال إنه لم يتأثر بالسينما العربية، لكنه عبر عن تأثره ببعض المخرجين الأسيويين مثل المخرج الياباني أوزو، حيث لاحظ أن «الغربة عنده تشبه كثيرا الغربة عند أشخاص في بلدي». وعن السخرية المعروفة في أفلام إيليا سليمان يقول المخرج: «الناس لم يفهموا لماذا أسخر في أفلامي… النكتة.. الفكاهة هي أيضا مقاومة ضد السلطة.. هي محاولات للتأقلم مع الحياة بالنسبة إلي»، مضيفا: «عندما أصور منظرا يسخر أو يشمت في الاحتلال أعيش متعة». وخلص السينمائي الفلسطيني المبدع إلى القول: «أعرف أن صد الاحتلال لا يعني بالضرورة استعمال المعدات ذاتها التي يستعملها المحتل».