خلال السنوات الأخيرة تشكل شبه إجماع على أن المغرب أصبح بلدا مصدرا ومستقبلا لتجارة الجنس.. المغرب وجهة سياحية مفضلة للباحثين عن المتعة، ومصدر حقيقي لعاملات الجنس اللواتي وصلت شهرتهن إلى جميع أنحاء العالم. هناك، إذن، نشاط متشعب وممتد للدعارة يشكل المغرب إحدى حلقاته المهمة، وهو ما يدفع الى التساؤل: مادام المغرب بلدا فاعلا في تجارة الجنس فما هي مداخيل هذا النشاط المحظور؟ ومن خلال أي قنوات تتدفق هذه الأموال؟ ومن يتحكم في هذه السيرورة الاقتصادية العصية على الفهم أو الاختراق؟ حسب إحصائيات أممية، وطبقا لأبحاث أجرتها منظمات غير حكومية محايدة، فإن مداخيل الأموال التي مصدرها الاتجار في الجسد أو البغاء أو الوساطة في البغاء عبر العالم، تصل إلى مئات ملايير الدولارات، وتحديدا ما بين 200 و1000 مليار دولار، وهو ما يجعل الدعارة التجارة الثالثة في العالم (بعد السلاح والمخدرات) من حيث المداخيل ورؤوس الأموال العابرة للقارات التي يتحكم فيها قوادون ومسيرو شبكات الجنس. وفي المغرب حيث يجرم القانون والدين الدعارة، ويحرم كل الأنشطة القريبة منها أو التي تدور في فلكها، والأموال المتحصل عليها من الاتجار في المتعة، ليس بمقدور أحد أن ينكر النصيب الوافر الذي تساهم به الدعارة في الدورة المالية والاقتصادية للمملكة.. تجار وسماسرة ووكلاء مصرفيون التقتهم «أخبار اليوم» أقروا بأن جانبا مهما من عجلة الاقتصاد تديره أموال قادمة من الخليج أو أموال أودعتها ممتهنات دعارة في حسابات أو شقق أو معاملات مادية، بل إن عددا من الشهادات التي تعرضها «أخبار اليوم» في هذا الملف أكدت أن ممتهنات الدعارة يشكلن عميلات محترمات وذوات حسابات ثقيلة قد تصبح عماد الكثير من المؤسسات المالية. ومنذ انقضاء سنة 2013، ظهر توجه جديد في بلدان الاتحاد الأوروبي الذي لايزال يعاني تداعيات الأزمة الاقتصادية، ففي إسبانيا وبريطانيا وإيطاليا تم الوقوف، بشكل صريح وعلني، على مدى مساهمة اقتصاد البغاء في إنقاذ هذه البلدان من عواقب الانهيار الاقتصادي، بل والمساهمة في الرفع من معدل النمو، بل إن هذه الدول قررت، بشكل رسمي، احتساب مساهمة كل التجارات غير المشروعة في ناتجها الوطني الخام لتحديد قدر مساهمتها في عجلة الاقتصاد المحلي. في المغرب، حيث تقف أسباب عديدة دون إنجاز دراسات وإحصائيات حقيقية لمداخيل الدعارة، لا توجد أية دراسة تكشف للمغاربة حجم مساهمة الدعارة في اقتصادهم الوطني. كلنا نعلم أن أموال البغاء تتدفق في الدورة المالية، غير أن قدرها يبقى غير محدد، وبالتالي يصبح التعامل مع هذا الموضوع واحدا من أكبر المواضيع المسكوت عنها في مغرب حكومته يقودها حزب ذو مرجعية إسلامية. ومن جهة ثانية، فإن الإقرار بمساهمة البغاء أو اقتصاد الجنس في الناتج الوطني الخام سيشكل صدمة للرأي العام الوطني، قد لا تصمد أمامه دولة المؤسسات. منذ شهور فجرت البرلمانية الاستقلالية، خديجة زومي، أمام نواب الأمة قنبلة مدوية، حين قالت إن الدعارة تساهم في اقتصاد هذه البلاد.. هذا الملف من أجل التحقيق في مساهمة أموال الدعارة في الناتج الوطني الإجمالي.. هذا الملف من أجل الحقيقة مهما كانت مرارتها. منذ شهور اصطدم الرأي العام البريطاني بخلاصات البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطني في بريطانيا، حيث أظهرت هذه الدراسات أن تجارة الجنس والمخدرات غير القانونية لعبت دوراً مهما في إنعاش الاقتصاد المحلي الإنجليزي خلال سنة ونصف، وفي إخراج الاقتصاد البريطاني من الركود الذي كان يعانيه خلال الفترة التي سبقت العام 2013، حيث كان متأثراً بالأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت في 2008، ومن ثم كان متأثراً بأزمة الديون السيادية الأوروبية التي بدأت في العام 2010. يبلغ حجم تجارة الدعارة في بريطانيا نحو 5.3 ملايير جنيه استرليني سنوياً، بينما يبلغ في إسبانيا، الجار الأقرب إلى المغرب، حوالي 18 مليار دولار، حسب إحصائيات رسمية، إذن، هناك مليارات من الدولارات مصدرها البغاء وتجارة الجنس، تدخل وتخرج من حسابات عدد من البلدان. وفي بلد مثل المغرب، حيث يجرم القانون البغاء وكافة الأنشطة المرتبطة به، هناك اتفاق غير معلن عنه حول وجود مبالغ كبيرة تضخها الدعارة في الدورة الاقتصادية المغربية، وسواء كانت تجارة الدعارة تتم وتؤطر داخل المغرب أو خارجه، فإن هذه المبالغ الطائلة تجري في دورة الناتج الوطني الإجمالي. عندما أعلنت خديجة زومي، المستشارة البرلمانية عن حزب الاستقلال، داخل قبة البرلمان أن «الدعارة تساهم في اقتصاد البلاد، ويجب أن تكون لدينا الجرأة للإقرار بذلك»، كان الأمر صادما ومثيرا للانتقاد، لكن بتأمل بسيط وسطحي للظاهرة فإنه لا يمكن إلا الإقرار بأن تجارة الجنس واحدة من واجهات الاقتصاد غير المهيكل الذي تدبره شبكات كبرى، وتحصل من ورائه على مداخيل هائلة. (خ.م) مدير وكالة بنكية يقر بأن حوالي 5 في المائة من زبناء الوكالة هن فتيات (ممتهنات دعارة) منهن من انتقلت إلى الخليج أو أوروبا، ومنهن من تصل إليها تحويلات مهمة بشكل دوري، وقد بلغ حجم المبالغ المودعة أو المحولة إلى 200 مليون سنتيم خلال سنة واحدة، في وكالته الصغيرة والهامشية بإحدى مدن شمال المغرب، وهكذا يمكن أن نصل إلى عدد تقريبي يصل إلى الملايير، «قد لا نصل إلى ما بلغته إسبانيا لكن أرباح تجارة الجنس موجودة، وأصحاب القرار المالي يعرفونها»، يعلق (خ). سلسلة إنتاج معقدة من الجنس الرخيص الذي تقدمه مومسات محترفات في ما يعرف ب«دعارة الناصية» أو (الطروطوار) إلى أفخم حفلات الجنس وسهراته، تتراوح المبالغ المؤداة ما بين 30 درهما وعشرات آلاف الدراهم. ما بين الشارع العام والحدائق العمومية، حيث يمارس الجنس مجانا أو بأسعار منخفضة، والفنادق الفاخرة والشقق والمركبات السياحية التي تنضاف إليها أجرة المكان والخدمات، حيث تنفق ملايين الدراهم سنويا، هناك تجارة تدر المال الوفير. ومن الزبون العادي العابر الذي يحدد سقفا لإنفاقه على المتعة الجنسية، إلى الزبون «5 نجوم» الذي ينفق في كل اتجاه من أجل سهرة جنسية باذخة، محاطا بعدد من المومسات والوسطاء والخدم، توجد أرباح خيالية تجعل اقتصاد البغاء معطى واقعيا وحقيقة لا يمكن تجاهلها. في مدن مثل الدارالبيضاءوأكاديروطنجةومراكش هناك أزيد من مائة محل يقدم الجنس المؤدى عنه، أو على الأقل يسهل الحصول عليه، أو يكون جزءا من الخدمة، وبينما تتوفر إحصائية تقريبية لفضاءات تقدم الجنس بالدارالبيضاء، والتي قدمها طلبة في شعبة السوسيولوجيا بجامعة الدارالبيضاء، حيث أبانت أبحاثهم الميدانية أن هناك أزيد من مائتي مكان يقدم خدمات جنسية تتراوح بين العادي والفاخر.. فإن الشهادات التي جمعتها « اليوم24»، من ملاحظين قريبين من عالم البغاء، تؤكد أن عدد هذه الأماكن في أكاديروطنجة لا تقل عن ما هو موجود في الدارالبيضاء، فيما كان الإجماع على أن الملاهي الليلية بدون استثناء تشكل فضاء حاضنا لهذا النشاط، وعاملا مساعدا على انطلاق هذه التجارة المخيفة. في الملهى يبدأ الإنفاق، ومنه إلى الفندق أو الفيلا أو الشقق المفروشة، حيث تكتمل حلقات بيع اللحم البشري، تقول (سناء) وهي ممتهنة دعارة من الصنف الراقي: «إذا انتقلنا رفقة زبون ووسيط، فإن المبلغ الذي يجب على الزبون إنفاقه لن يقل عن عشرة آلاف درهم في الليلة الواحدة، وهو مبلغ يتغير حسب نوعية الزبون والخدمات التي يطلبها.». تسال « اليوم24»: هل هناك سهرات كثيرة من هذا النوع في طنجة؟ تجيب سناء: «طبعا هناك الكثير منها، وهو العمل المفضل لأغلب الفتيات». عشرة آلاف درهم في الليلة الواحدة كحد أدنى يعني 30 مليون سنتيم في الشهر على الأقل، وتزداد التسعيرة في نهاية الأسبوع وباقي المستلزمات. وإذا كان مجموع المبالغ المحصلة من الدعارة الراقية يصل إلى 30 مليون سنتيم في المتوسط، فإن المفاجأة أن الدعارة الرخيصة والأدنى تقدر مداخيلها بأضعاف ذلك لأن الإقبال عليها أكثر وعدد زبنائها كبير جدا. في مدينة مثل أكادير يمكن الحصول على فتاة بمبلغ يتراوح ما بين 800 و2000 درهم، ثم غرفة في فندق أو نزل بمبلغ يتراوح ما بين 500 و1500 درهم، مع مصاريف أخرى، حيث يجد الشخص أنه أنفق ما يصل إلى 5000 درهم أو 500 أورو. إذا ما ضربنا هذا المبلغ في مئات اللقاءات الجنسية المنظمة كل ليلة فإن مجموع المبالغ يتحول إلى رقم مهول. مدن يقوم اقتصادها على الدعارة منذ سنة تقريبا كتبت جريدة «لوفيف إكسبريس» البلجيكية، اعتمادا على دراسات سوسيو-اقتصادية، أنه في الدارالبيضاء وحدها 10.000 فتاة يشتغلن في الدعارة، وهو ما يعني رقم معاملات ضخما في العاصمة الاقتصادية، أما في طنجة، فإن الكورنيش وحده، حسب مصدر أمني، يستقبل كل ليلة أزيد من ألف فتاة بقليل، ويتضاعف المبلغ مع نهاية الأسبوع والعطل وموسم الصيف والمهرجانات الشاطئية. كل ذلك يعني مساهمة في الدورة المالية، «لكن، كيف تتوصلون إلى الرقم؟»، يجيب المصدر: «هناك حملات تطهيرية تجعلنا نحرر محاضر لكل مومس ألقي القبض عليها، سواء بالتلبس أو أثناء التحريض على الفساد، وهو ما يقودنا إلى عدد تقريبي من ممتهنات الدعارة». سناء، ممتهنة الدعارة التي التقتها « اليوم24» في أحد ملاهي طنجة، تعود للحكي: «لا يمكن لفتاة أن تستمر في العمل (البغاء) إذا لم تكن تحصل على 10.000 درهم في الشهر على الأقل، مصاريفها والإعانة العائلية التي ترسلها غالبا، تلزمها بالحصول على المال الكافي». في دول غير المغرب أدخلت تعديلات على كيفية حساب الناتج المحلي الإجمالي في البلاد من أجل الوصول إلى نسب أكثر دقة وتعبيراً عن الواقع، ومن بين هذه التغييرات احتساب أعمال التجارة غير المشروعة أو غير القانونية، وفي المغرب، حيث يقف القانون والدين حائلا دون التصريح بذلك، فإن تعديلات مثل هذه لو أدخلت على حساب الناتج الوطني المغربي ستكون النتائج واضحة وصادمة. في مدينة طنجة حيث تزدهر السياحة، تتبادل فتاة مومس الشتائم مع نادل مقهى لتفجر في وجهه قنبلة، قائلة: «لولانا لما أكلت أنت وأمثالك، نحن من يخلق الرواج». في طنجة، ومنذ نهاية الثمانينات، سارع المقاولون إلى تشييد الفنادق والمطاعم والكباريهات على طول الكورنيش المؤدي إلى «مالاباطا». كان هناك ما يشبه الفورة الاقتصادية في المغرب غير النافع، وفي المقابل كان هناك نزوح كبير لممتهنات الدعارة إلى المدينة التي ينفق فيها تجار المخدرات وقوارب الموت ملايين السنتيمات على المتعة والجنس، ووصلت تسعيرة بعض الفتيات إلى آلاف الدراهم. يتذكر عبدو (موسيقي بكورنيش طنجة) هذه المرحلة قائلا: «منهن فتيات ذكيات استطعن الاستثمار وغسل أموالهن بالاتجار في العقار والسيارات. ليست الفتيات فقط، بل هناك وسطاء وصلوا إلى ثروات طائلة. منهم اليوم من يملك وكالات كبرى للسياحة والعقار وتأجير السيارات الفاخرة، بل هناك وسيط معروف أصبح يملك ملهى ليليا». ورغم حملة التسعينات على بارونات المخدرات، فإن تجارة الجسد لم تتأثر كثيرا. حل الكساد، لكن أقدم مهنة في التاريخ استمرت في جني الأموال. منذ سنة ونصف تقريبا نشرت صحيفة «إندبندنت أون صنداي» تقريراً حول إسبانيا، مصنفة الجارة الشمالية على أنها عاصمة «البغاء» في العالم. التقرير الذي أشار إلى افتتاح أكبر بيوت الدعارة في أوروبا، أضاف: «إذا كان اقتصاد إسبانيا يوشك على الانهيار بشكل خطير، فإن مجالا واحدا هو الذي لم يتأثر بل ربما يتقدم، وهو عالم البغاء والدعارة». من الشهادات التي استطاعت « اليوم24» أن تستقيها من فتيات ممتهنات للدعارة، اتضح أن هناك ظاهرة جديدة بدأت تطفو على السطح خصوصا في مدن مثل أكاديروطنجة، حيث تعود فتيات خبيرات في الوساطة من الخليج لتأسيس شبكات جديدة. هؤلاء الفتيات جلبن خبرتهن معهن، وأصبحن يشغلن العديد من الفتيات الجميلات في مجال الدعارة الراقية. ثريا إحدى هؤلاء الفتيات اللواتي يعرضن خدماتهن على مواقع الأنترنت بطريقة جد متطورة تعلمنها من شبكات البغاء خارج المغرب، وتعلمن أيضا أن يرفعن الثمن وينتقين الزبناء. ويمكن قضاء ليلة في بيت من بيوت ثريا بمبلغ 2 مليون سنتيم. وتحكي سناء أن ثريا ومثيلاتها يقمن بهذا العمل لفائدة شبكة معقدة من الرجال النافذين، وأنهن يقمن بهذا العمل افتداء لأنفسهن، كيف ذلك؟ تجيب سناء: «يقوم خليجيون باحتجاز فتيات مغربيات، ومن أجل حصولهن على الحرية يقمن بإنشاء شبكات في المغرب، دورها إرسال الفتيات أو توفيرهن للخليجي الذي يربطه اتفاق بها. إن مدير الشبكة خارج المغرب يفتح فرعا له هنا تديره واحدة من مومساته السابقات ببساطة». تعود « اليوم24» للسؤال: «لكن أين تذهب المداخيل؟». تجيب سناء: «المداخيل تأخذ منها الفتاة جزءا ثم تأخذ الوسيطة نصيبها، وينفق جزء آخر على توسيع الشبكة، فيما يزور المسير الأصلي المغرب بين الفينة والأخرى ليستخلص أمواله». الدعارة الراقية منجم العملة الصعبة في نهاية سنة 2012 نشر موقع Expansion.com أرقاما مخيفة عن اقتصاد الدعارة حول العالم. ووفقا لتقرير من مؤسسة Scelles، يقدر حجم معاملات تجارة الجنس في عدد من الدول (في 54 بلدا) بمليارات الدولارات بفضل العولمة واقتصاد السوق. مليارات الدولارات هذه تسيطر عليها شبكات الدعارة الراقية التي يسيرها وسطاء متخصصون باستعمال واسع للتكنولوجيات الحديثة وبآليات جد متطورة، حيث يشير الباحث السنغالي «توماس فوكي»، الذي قام بدراسة حول تطور تجارة الجنس بداكار، إلى أن الهاتف والحاسوب أصبحا مكونا رئيسا في عمليات تجارة الجنس. الوضع نفسه في المغرب، فالوسطاء الذين احترفوا في مجال اقتصاد البغاء يستعملون أيضا وسائل التواصل الحديثة جدا، وقد يشتغلون لحسابهم الخاص أو لحساب شركاء أكبر وأكثر نفوذا، حيث يضطلعون بتنظيم الرحلات الجنسية أو السهرات الجنسية الراقية التي يصطلح عليها بالبونغا بونغا. « اليوم24» استطاعت أن تتوصل إلى عبد الإله أو عبدو، وهو اسم تعرفه حتما كل فتيات الليل اللواتي حضرن سهرة من هذه السهرات، يضحك عبد الإله ويشير بحركات أنثوية بيديه، وهو يتحدث قائلا: «تحقيق صحفي؟ هل تعلم مع من نشتغل وكم فتاة نشغل؟ الموضوع أكبر منكم بكثير، يلتقي لدينا كبار الأثرياء وبعض المسؤولين، ونحن نوفر خدمات لن تجد مثيلا لها حتى في بانكوك لكن الأسعار تحدد نوعية الزبون». منذ أقل من سنتين ألقت الشرطة بالدارالبيضاء القبض على شبكة للدعارة من بين زبنائها خليجيون. كان الأمر يتعلق بمداهمة عادية لكن خيوطا جديدة بدأت تظهر في القصة. يقول مصدر أمني تابع الملف: «أثناء الاستنطاق اكتشفنا أن الأمر يتعلق بمنظم حفلات للجنس الجماعي، وبالتدقيق والتحقيق أسر أحد الشباب المغاربة المتورطين بأن حفلة واحدة يمكن أن تكلف 60 مليون سنتيم، شاملة تأجير المكان وأجور الفتيات وباقي المشروبات والمخدرات والمأكولات الفاخرة». 60 مليون سنتيم في الليلة الواحدة.. يعلق عبدو: «هناك ست حفلات ستقام ابتداء من 24 دجنبر المقبل وحتى ليلة رأس السنة، في كل من الهرهورة، كازابلانكا ومراكش، لن تقل تكلفة الواحدة عن 20 مليون سنتيم، ربما أدعوكم إلى حضور إحدى هذه الحفلات»، يضيف ضاحكا. الوسطاء لا يستفيدون من هذا الباب فحسب، بل يكسبون أموالا أخرى من الاتجار في الرقيق الأبيض وتصديره إلى مختلف الدول الأوروبية والخليجية على وجه الخصوص. وهو ملف أكده أكثر من تقرير أمني وإعلامي، وبعد أن يستفيد الوسيط تبدأ أرباح الوكالات والمؤسسات السياحية التي تضع قناع الرحلات والزيارات السياحية، في حين تشمل خدماتها جلب فتيات بمبالغ باهظة. في ملف نشرته مجلة «جون أفريك» اأسبوع الماضي هناك جدول تسعيرات حول المبالغ المؤداة مقابل الجنس في الدارالبيضاء حسب المكان، ويتراوح الثمن ما بين 14 أورو و245 أورو للممارسة الواحدة، وإذا قمنا بضرب سعر الممارسة في عدد الزبناء سيبدو المبلغ ضخما ومهولا. لكن يبقى أهم قطاع تدور فيه أموال الدعارة الراقية هو ما بات يصطلح عليه بمجال السياحة الجنسية، التي تستهدف زبناء خاصين أغلبهم خليجيون أو سياح أوروبيون مسنون، مستعدون لأداء مبالغ كبيرة من أجل تحقيق أحلامهم الجنسية، فيما يشتغل الوسطاء بهمة ونشاط معتمدين على سخائهم المادي الذي قد يوفر لهم في ليلة أو ليلتين ما لن يستطيعوا جنيه في سنة كاملة، وغالبا ما تكون طلباتهم، حسب ما استقته « اليوم24» من شهادات مومسات ووسطاء، غريبة، وتركز على حفلات الجنس الجماعي، وتصوير ذلك بالفيديو، فهم مستعدون لدفع كل ما يطلب، والذي يمكن أن يصل إلى عشرات آلاف الدولارات. وقد ورد في شهادة عن حفلات الإنفاق الجنوني وبعثرة الأموال في ملف صحفي سابق ما يلي: «تبدأ بتسخين العقول والأجساد لتنتهي فوق السرائر الوثيرة فرادى أو جماعات؛ حالات التسخين تبتدئ بجلسات الشمبانيا، تتخللها رقصات بملابس رقص شفافة يوفرها السمسار القواد، وغالبا ما يتم الاستغناء عنها بطلب من الزبون، الذي يتلذذ وهو يسكب الخمر على الجسد العاري تماما المتمدد أمامه، ويقوم ببعثرة الأوراق المالية فوقه، وكل ورقة مالية تلتصق به فهي حتما لصاحبته. فالخليجيون معروفون بسخائهم المادي وبعثرة الأموال على السهرات الماجنة والليالي الحمراء، أما السياح الأوروبيون فهم في غالبيتهم شواذ، وطقوسهم تختلف عن المشارقة شكلا ومضمونا». وفي الوقت الذي أحصت فيه عدة تقارير إعلامية وأمنية مغربية أن المردود المادي ل«تجارة الرقيق الأبيض»، منذ حوالي عقد من الزمن (2005)، وصل إلى أكثر من 70 مليار سنتيم، ناتجة عن تعاملات بين أفراد الشبكة والمتاجرة في فتيات المغرب، بدول الخليج العربي وحدها، فإن الرقم قد تضاعف من دون شك بفضل سهولة التواصل والأزمة الاقتصادية وإغراءات النماذج السابقة. يعود المصدر الأمني للحديث: «اكتشاف الاستثمارات الهائلة في تجارة الدعارة، لم نتوصل إليه من حادثة واحدة فقط.. هناك عدة قرائن على ذلك، أتذكر أنه منذ سنة داهم الدرك الملكي بمراكش مركبا سياحيا، وكشفت التحقيقات، التي باشرتها عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بمراكش، أن مغاربة وأشخاصا يحملون الجنسية الخليجية يديرون شبكة للدعارة الراقية، يقودها شخص يحمل الجنسية الخليجية ويقيم بمراكش، يقود سيارة تبلغ قيمتها 3 ملايين درهم. أثناء التحقيقات ذكرت الفتيات اسمه، فادعى «القواد»، الذي يملك عقارات في مراكش، علاقته بشخصية نافذة في المغرب، لكن تحريات الدرك قادت إلى ما هو أخطر، فقد استطاع هذا الوسيط الكويتي أن يستغل المنتجع كله، الذي يضم عدة فيلات، في مجال الدعارة الراقية، وكان يفكر في اقتناء أرض مجاورة لتوسيع المنتجع مادامت الأرباح تتدفق على حسابه من داخل المغرب وخارجه، فيما عممت مصالح المركز القضائي للدرك الملكي بمراكش مذكرة بحث وطنية في حق مواطن مغربي يعمل كوسيط لدى الخليجي المذكور، والذي لاذ بالفرار فور اعتقال الخليجيين». مجالات الاستثمار «سوق» الدعارة آخذة في التوسع، كما يشير إلى ذلك بحث نشرت نتائجه مجلة «البحر الأبيض المتوسط» الإسبانية. وهو أمر غير مستغرب، حسب عالم الأنثروبولوجيا شكيب جسوس، الذي يقول: «في هذا السوق يوجد العرض السخي والطلب السخي. وتعود كثرة الطلب لعدة أسباب، وذلك بسبب البيئة الاجتماعية التي لا تسمح بالعلاقات خارج إطار الزواج». فيما تقر الشعيبية، وهي ممتهنة دعارة محترفة، بأن ثروات بعض الفتيات العاملات في شبكات تقدم خدمات جنسية للخليجيين غير محصية وكبيرة جدا، خصوصا أن المجوهرات تعتبر القيم الآمنة للاستثمارات. إن «المضمة» أو الحلي الماسية توجد لديهن بكثرة، ويمكن بيعها بسهولة وبسرعة في السوق السوداء. القطاع البنكي يستفيد هو أيضا من مجال الدعارة، إذ على الرغم من أن معظم «الأجور» التي تدفع للمومسات تدفع نقدا، لأنهن يلجأن إلى تحويلات الأموال عن طريق النظام المصرفي، وبالتالي، ووفقا لتقديرات تستند إلى الأرقام التي جمعها مكتب الصرف، فإن حصة المعاملات بالعملات الخليجية تمثل أكثر من ثلث التحويلات المستلمة. يقول مسؤول وكالة مصرفية: «إنهن عميلات متميزات لأنهن يدفعن نقدا، وعموما لا يناقشن السعر أو الفارق. وكثيرا ما يكن مصحوبات بأمهاتهن خلال زياراتهن ليدفعن ثمنا باهظا، وذلك لأكثر من سبب، وكوسيلة لإظهار أنهن ناجحات». العقار أيضا مجال اخترقته أموال الدعارة، وذلك بوصفه استثمارا جذابا للمومس التي تخشى ضياع أموالها، خاصة اللواتي ينشطن في الخليج. وحسب شهادات سماسرة ووكلاء عقاريين، فإن أغلب الفتيات العاملات في الدعارة الراقية اشترين لأفراد أسرهن شقة فاخرة مختارة في المثلث الذهبي في الدارالبيضاء، حيث يصل ثمن المتر المربع إلى 25.000 درهم، وغالبا ما يتم الشراء نقدا، ويضيف بعض السماسرة الذين استجوبتهم « اليوم24» أن هناك آلاف العقارات والشقق الفارغة في المدينة، والمغلقة طوال العام، لأن مالكاتها ذهبن للعمل في الخارج. ومن العقار إلى السيارات تتجول أموال البغاء، ويحلو الإنفاق على آخر صيحات السيارات، يقول (محمد.ش)، صاحب وكالة لبيع وتأجير السيارات: «إن أغلب عملنا مع فتيات ليل، حيث يقمن بكراء بل وحتى شراء السيارات. لم يكن هذا الأمر معروفا قبل سنوات، لكن اليوم أغلبية الفتيات يقمن بالكراء، وهن يدفعن كل ما نطلبه منهن، وأخريات يشترين سيارات غالية الثمن، ولا يمر العام حتى يعدن لتغيير الموديل، ولا يهمهن دفع الفارق». في معرض «ميغا مول» يصرح «عمر»، تاجر متخصص في بيع الفساتين الجاهزة، قائلا: «ليس سرا أن فتيات الليل يمثلن الزبون الساخن، فالمنافسة شرسة، وهن يجلبن أرباحا كبيرة للمحلات»، ثم يضيف: «غالبا ما يرافقهن زبناؤهن الأجانب الذين لا يناقشون الثمن، وهم مستعدون لشراء كل شيء، لذلك نحن نميل إلى إقامة علاقات تجارية جيدة معهن لأنهن زبونات جيدات ويتركن لنا هامشا للربح، بل منهن من تقوم بغمزك في إشارة إلى أن الزبون مستعد للدفع». في محيط يمتد من وسط المدينة إلى حي المعاريف وشارع المسيرة بالعاصمة الاقتصادية للمملكة، هناك العديد من محلات التدليك. هذه المحلات تقدم خدماتها بتسعيرة انطلاقا من 400 درهم وصولا إلى 2000 درهم، وهي تخبئ وجها آخر من أوجه الأنشطة الاقتصادية التي تحركها الدعارة. «أخبار اليوم» توصلت إلى خبير يقوم بأعمال المحاسبة لصالح محل تدليك يوجد في حي المعاريف يقدم خدمات «ساخنة»، حيث صرح بأن رقم المعاملات التي يحققها المحل، الذي يعود لسيدة تنتمي إلى المجتمع الراقي، بلغ 160 مليون سنتيم خلال سنة 2013، دون احتساب «البقشيش» الذي يصل أحيانا إلى مئات الدراهم مقابل خدمة خاصة، مؤكدا أن البقشيش ليس من حق المدلكة وحدها بل تخصم منه مالكة المحل مبلغ الثلث، وهو ما يجعل المبلغ الحقيقي يتجاوز 1.6 مليون درهم المصرح بها. وفي الوقت الذي لا توجد أي طريقة لحساب الأموال المتحصلة من الدعارة والدائرة في الاقتصاد الوطني، كما صرح بذلك أكثر من خبير وأكدته أبحاث ميدانية عدة، قررت أغلب بلدان العالم، منذ نهاية السنة الماضية، إعادة حساباتها وحساب ناتجها الوطني الخام، آخذة بعين الاعتبار مجالات التجارة غير المشروعة، وعلى رأسها تجارة الجنس، متجاوزة النقاش الأخلاقي الدائر حول الجنس المأجور، بعدما ثبتت مساهمة هذا النشاط في الرواج الاقتصادي لهذه البلدان، خصوصا أن هناك ما يقارب 200 مليار دولار سنويا تضخها تجارة الدعارة في الاقتصاد العالمي.