«بزنيس» الدعارة: عاهرات تحولن إلى سيدات أعمال للدعارة عمر قصير، ربما هو الخوف الذي يطارد كل المشتغلات في هذا المجال الذي تحيط به الكثير من الأسرار، ماذا بعد أن يشيخ الجسد؟ وماذا بعد أن تفنى المبالغ الخيالية التي تتقاضاها عاملة الجنس كل ليلة؟ أسئلة تؤرقهن كلما رأين مصير من سبقنهن في الحرفة. في مغرب تتغير فيه القيم يوما بعد يوم، ومعها يتغير وعي الناس بشأن دور المال في تأمين الحياة واكتساب الموقع الاجتماعي، تتجه الفئات التي اغتنت من الدعارة إلى تأمين المستقبل، تستثمر رؤوس الأموال المتحصلة من الدعارة في البحث عن منافذ «قانونية» للكسب والتربح، وتبدأ عملية تبييض أموال الدعارة. وحسب باحثين في علم الاجتماع، فإنه مثلما يبدأ العمل الجنسي بالجسد، فإنه يتابع العمل في الجسد الآخر، فالعاملة تتحول بالتدريج أو بالتوازي من عاملة جنسية إلى قوادة أي سمسارة، ومن هذا المستوى إلى الاستثمار في كل الأشياء التي لها علاقة بالجسد الشهواني.. محلات للحلاقة، محلات للملابس، مطاعم، مقاه، عقود عمل في البلدان المستضيفة للعمالة الجنسية. حسب المعطيات التي جمعتها « اليوم24» من خلال الشهادات الميدانية الحية، ومن خلال تقارير أمنية وإعلامية، وأيضا من خلال الأبحاث الاجتماعية التي درست الظاهرة من زوايا متعددة، هناك اقتصاد خفي أصله من أموال الدعارة، لكن أهم ما يميز هذا الاقتصاد أنه لم يستطع التخلص من شبهة الدعارة، ليتحول من دعارة مباشرة إلى دعارة غير مباشرة، يمكن تسميتها دعارة مقنعة.. وكالات عقارية تورطت في توفير الفضاءات الملائمة لنشاط شبكات للدعارة.. وكالات أسفار مستعدة لتوفير كل شيء للزبون القادم من الشرق والغرب.. حمامات ومراكز تدليك تسافر بك إلى عوالم المتعة (كما جاء في أحد الإعلانات المسجلة). جسور من الجنس والتجارة في الجسد ممتدة بين المغرب والخليج. عاملات مساج ونظافة يطرقن بابك في إطار إيصال الخدمة إلى المنزل... كلها استثمارات اختارتها عاملات جنس سابقات أو سماسرة الجنس لتغليف مصدر الأموال القذرة من جهة، ولاستثمار حالة الكبت الجماعي من جهة أخرى، فأصبحن سيدات أعمال ونساء نافذات في المجتمع المخملي، وأصبحت عاهرة الأمس سيدة صالونات اليوم، التي تصل سلطتها إلى بعض مراكز القرار.. ملايين الدراهم تتجول في هذه السوق، وشبكات معقدة يختلط فيها المال بالسلطة والفساد. في المقابل، هناك اللواتي سرقهن العمر والإدمان والفقر والجهل، فوجدن أنفسهن وحيدات، فقيرات، متسولات، لا يعبأ بهن أحد بعد أن كانت ترمى عند أقدامهن الأوراق المالية في شبابهن. أصبحن يبعن السجائر والمناديل، يتسولن، يتحسرن على الماضي الذي كن فيه نجمات الملاهي والشقق المفروشة، ويلعن الحاضر الذي قذف بهن إلى الشوارع يبحثن عن سقف بيت. « اليوم24» تبحث في التجارة التي لا تبور، وفي تحولات أقدم مهنة في التاريخ، كيف تغسل الدعارة أموالها؟ وكيف يتم الانتقال من العمل المباشر إلى العمل الوسيط؟ الكثير من الأموال والعلاقات تدور في هذا الفلك، وما تعتقده مؤسسة سياحية أو عقارية أو تجميلية قد يكون وكرا حقيقيا للدعارة الراقية، ومن تنظم موائد الخير والإحسان وترسل الناس إلى الحج، قد تكون «باطرونة» عالمية. من عاهرات إلى سيدات أعمال في المقهى الشاطئي بطنجة يأتي «علال» حسب الموعد، يجالسنا وعينه تراقب المكان، بعد دقائق تصل السيدة، تنزل «ثريا» (اسم حقيقي) من سيارتها «الكات كات»، يهرول نحوها «علال» ليتلقف المفاتيح منها، ويعود إلى مجالستنا، ويهمس: «لديها موعد مع محام حول قضية أرض كبيرة في منطقة سياحية، وبعد ذلك تزور المطعم لتتفقده». هل هو مطعم أم شيء آخر؟ «إنه مطعم راقٍ يرتاده علية القوم، وهو في ملكيتها، إضافة إلى مشاريع أخرى، لقد فتحت الكثير من البيوت، جازاها الله خيرا». عندما بدأنا في سؤال علال عن مصدر أموال «المعلمة»، كما يسمونها، أجاب بحدة: «عن ماذا تبحث؟ الله يقبل التوبة، ولقد فعلت من الخير ما لا يفعله الفقهاء والأئمة». ثريا واحدة من عشرات النساء اللواتي جمعن ثروات وكون علاقات قوية من خلال العمل في الدعارة، ثم عندما كبرن في السن وشاخ الجسد، أخذن العبرة من سابقاتهن في الميدان اللواتي أصبحن عرضة للتشرد والضياع، واستفدن من التجربة والزبناء النافذين، لينتقلن إلى وضع آخر، من عاملات جنس إلى سيدات أعمال، حيث أصبحن مستثمرات يملكن مشاريع راقية تدور في فلك الملاهي والتجميل والدعارة الراقية. المجدوبي، إطار بنكي سابق، يقول: «هناك العديد من الحسابات البنكية المسجلة بأسماء نساء يتلقين إلى اليوم تحويلات بنكية منذ الثمانينات، من الخليج ومن سويسرا ومن بلدان أوربية. أغلب هؤلاء النساء كن يشتغلن في الدعارة، واليوم أصبحن كبيرات في السن، ومازال زبناؤهن الأوفياء يعينونهن على الزمن». أغلب هؤلاء النسوة يعشن بيننا ويملكن مشاريع واستثمارات، ولا تعرف الأجيال الصاعدة عن مصدر أموالهن شيئا، سوى أنهن «حاجات» يفتحن بيوتا ويقمن بفعل الخير.. في كتابها «البغاء أو الجسد المستباح»، تورد فاطمة الزهراء أزريول هذه الشهادة لإحدى عاملات الجنس. تقول «س»، 36 سنة: «لقد كبرت ولم أجمع ريالا واحدا، كل ما أحصل عليه أصرفه على الكراء والأكل والثياب والحلاق والماكياج.. ربحت كثيرا عندما كنت صغيرة، أكثر مما تتصورين. كنت في ليلة واحدة أحصل على أكثر من 5000 درهم.. عندما كان عرب النفط يأتون إلى بلادنا بكثرة. قد لا تصدقين أنني مرة قضيت مع أحدهم ثلاثة أيام، كان يعطيني خلالها 10.000 درهم عن الليلة الواحدة. عندما عدت إلى البيت وفتحت حقيبتي خافت أختي وسألتني إن كنت سرقت كل ذلك المال.. ولكنني كنت حمقاء، إنما في الحقيقة أنا لا أقرأ ولا أكتب ولم أعرف كيف أستثمر تلك الأموال، غيري كن يجمعن الأموال، وقد عفا الله عنهن، بنين البيوت وأقمن المشاريع، وهن الآن يحظين باحترام الجميع». تقدر تقارير إعلامية وأمنية مغربية أن المداخيل المادية للدعارة المقنعة أو الاستثمارات التي أصلها أموال التجارة في الجسد بملايير السنتيمات، فمنذ أكثر من عشر سنوات نشر تقرير في الصحافة المغربية يقدر الأموال الدائرة في حلقة الدعارة وملحقاتها بسبعين مليون درهم، حسب ما توصلت إليه الشرطة القضائية بمختلف مناطق المغرب. ومن الطبيعي أن يتضاعف المبلغ خلال عشر سنوات، ما يعني اتساع حلقة الأموال المستثمرة في الدعارة والأرباح التي يتم جنيها منها، إضافة إلى الأموال التي تدخل إلى المغرب عن طريق التحويلات القادمة من الخليج، ومؤسسات أخرى تقدم خدمات الدعارة المقنعة، فالأمر يتعدى تلك الأرقام بكثير، ليصبح ظاهرة يجب الوقوف عندها. لكن هذا الاقتصاد الذي يتراوح بين الاستثمار المباشر في الدعارة والاستثمار في مشاريع أخرى رأسمالها أصله من الدعارة، مازال يخفي الكثير من الحقائق، ووفقا لشهادات استقيناها من محيط هذه التجارة الطابو، فإن أغلب المستثمرات والمستثمرين الذين تحولوا من الدعارة المباشرة إلى أنشطة اقتصادية أخرى، بقوا قريبين من مجال «تخصصهم».. إنها عملية غسيل أموال وتبييضها لكن في محيط الدعارة. حكايات أخرى ترددت على مسامعنا، تتعلق بأعمال الخير التي قامت بها عاهرات سابقات، كبناء المساجد أو ترميمها وتنظيم حملات الإفطار الرمضاني، لكن القاسم المشترك بين كل هؤلاء النساء هو إرسال ذويهن إلى الحج. الكاتبة المغربية فاطمة أزريول، التي كانت أنجزت بحثا ميدانيا قدمت فيه مئات الشهادات التي أدلت بها عاملات جنس ممارسات أو سابقات، تعتبر، في المدخل النظري للكتاب، أن «تراتبية البغاء تجعل منه عالما يضم فئات اجتماعية متفاوتة ذات مداخيل تتراوح بين المبالغ الضخمة والدراهم المعدودة. وهذه التراتبية تخضع بدورها لمقاييس معينة، من أهمها جمال الفتاة وصغر سنها، وشخصيتها، وقدرتها على التلاؤم مع الجو السائد في ذلك العالم». لكن هل أصبحت الدعارة والأنشطة التي تحيط بها من مرفقات ودعارة مقننة وتوفير للفضاءات والأجواء المناسبة تشكل اقتصادا قائما بذاته يؤثر في عوالم الأموال الخفية، وشكلا من الاستثمار غير المشروع؟ وهل يمكن الحديث عن اقتصاد الدعارة؟ تعتبر الناشطة النسائية سعاد الطاوسي أنه لا يمكن الجزم بأن الدعارة قد تحولت إلى نشاط اقتصادي، لكنها بالتأكيد ظاهرة موجودة في المجتمع المغربي، وهي في تزايد دائم، وهي تنقسم إلى أنواع عدة، وتضم فئات مختلفة، حيث تنقسم إلى دعارة راقية ودعارة رخيصة. وتضيف الطاوسي: «لكن بالرغم من ذلك لا يمكن اعتبارها نشاطا اقتصاديا، لأن النشاط الاقتصادي يحتاج إلى تأطير وهيكلة قانونية». الشقة العامرة في المدن السياحية، مثل أكادير، طنجةومراكش، هناك سلسلة من الوكالات العقارية المتخصصة في تأجير الشقق المفروشة، والتي أصبح لها صيت عالمي لما توفره من خدمات، ويدير هذه الوكالات مجموعة من السماسرة الذين يجتهدون في عرض شققهم، والتركيز على ما تتمتع به من خصوصية وبعدها عن الأعين المتلصصة، ما يجعلها في كثير من المرات تتحول إلى شبكة شقق وفيلات مخصصة للدعارة الراقية، أو توفير فضاءات المتعة للسياح الأجانب، «علي. ع»، المحامي بهيئة مراكش، يؤكد ذلك اعتمادا على عدد قضايا الفساد التي تعرض سنويا على محكمة أكادير، والتي تنشأ غالبا من مداهمات الأمن لتلك الشقق، كما أن شهادات عاملات جنس وبعض السماسرة تؤكد أن تلك الشقق تستعمل في الخدمات الجنسية، بل إن أرقام بعض السماسرة أصبحت متداولة في بلدان أخرى، ويتلقى السمسار الذي يتحكم في كراء الشقق والفيلات مكالمات من خارج المغرب للحجز. يقول «ح»، وهو سمسار، إن هناك فيلات فاخرة موجودة خارج أكادير وبمناطق قريبة، مثل أولاد تايمة واشتوكة، وهي غالية الثمن، حيث قد يصل سعر استئجارها إلى ما بين 5000 درهم و20.000 لليلة الواحدة، وزبناؤها غالبا من الدول العربية الشقيقة، وهي فيلات مجهزة بكل وسائل الترفيه والسهر، بما فيها الخدم ومرافقة الوسيطة التي تستدعي الفتيات، اللواتي يقدمن مختلف الخدمات الجنسية. ولإضفاء المزيد من الشرعية على هذه الدعارة المقنعة يتم توظيف خريجات معاهد السياحة والفندقة، للرد على الحجوزات الهاتفية أو عبر شبكة الأنترنت، وذلك لإعطاء الانطباع بأن الأمر يتعلق بشركة حقيقية تشتغل في مجال الوكالة العقارية، ويكفي أن تتصل بإحدى هذه الشركات لترد عليك فتاة باللغة الفرنسية أو الإنجليزية، وتقدم لك كافة التوضيحات. قمنا بالتجربة، وتم الاتصال بإحدى الوكالات، حيث قدمت لنا جميع المعلومات، ويمكن الحجز بواسطة الأنترنت أو الهاتف، كما يمكن الأداء عن طريق البطاقة البنكية. لكن نشاط هذه الوكالات يتسع حسب طلبات الزبون وقدرته المالية، ليشمل كل متطلبات عطلة ساخنة بالمغرب من المطار، حيث تقلك سيارة أجرة صاحبها جزء من هذه الخدمة، إلى شقق مليئة بالفتيات وسهرات الرقص الشرقي. قبل سنتين كشفت مداهمة الشرطة السياحية وفرقة الأخلاق العامة التابعة لولاية أمن البيضاء عمارة بشارع أنفا، تورط وكالة عقارية تخصصت في الاستثمار في الدعارة، وحولت كل شقق العمارة إلى ما يشبه الفندق، له مكتب استقبال في الطابق الأرضي يوجد به موظف استقبال يوجه الزبناء نحو الغرف، ويبيعهم العوازل الطبية. وانتهت المداهمة بإيقاف أزيد من 30 متهما، إناث وذكور، بينهم أجانب ومغاربة، كما أبانت التحريات أن الوكالة العقارية حددت الكراء بسومة محددة يوميا يدفعها الزبون قبل الصعود إلى الشقة أو الغرفة. ومنذ شهور ألقت المصالح الأمنية بالرباط القبض على سيدة تشغل منصبا إداريا مهما في وزارة الفلاحة بالرباط، ووجهت إليها تهمة إدارة شبكة متخصصة في الدعارة الراقية تستقطب زبناء عربا وخليجيين. وكشفت التحريات أن السيدة المتهمة كانت تدير شبكة من الفيلات والشقق المتمركزة بأحياء راقية بالعاصمة، وتقوم بتأجيرها لعرب وخليجيين بمبالغ تتراوح ما بين 2000 و3000 درهم، ويتجاوز نشاط هذه المرأة كراء الأمكنة إلى توفير مستلزمات إحياء الليالي الجنسية، من مشروبات كحولية وفتيات جميلات بمعايير محددة. وأفادت تقارير صحافية بأن الفتيات اللواتي يتم إحضارهن للزبناء و«الأشقاء العرب» كن يتقاضين مبلغ 1000 درهم كإكرامية، ومبلغ 3000 درهم ثمنا لممارسة الجنس مع أحد الزبائن. يبلغ عدد دور الضيافة في مراكش حوالي 650 دار ضيافة تعترف بها السلطات السياحية والأمنية، غير أن سوق دور الضيافة في مراكش، كما يعرفها أغلب زوار المدينة، تضم أكثر بكثير من ذلك، فضلا عن قيام عدد من الأجانب المقيمين بمراكش باقتناء أراض فلاحية بالقرى والمناطق القريبة من مراكش، وتحويلها إلى «فيرمات» مخصصة للسياحة القروية، لكنها تقدم سياحة من نوع آخر، وتضم هذه العملية، حسب الإعلانات التي يحفل بها الأنترنت، برامج علنية من قبيل تنظيم رحلات جبلية على ظهر الخيول والدواب، ونصب خيام في الهواء الطلق، وحفلات كناوة وفنتازيا، وغيرها من الأنشطة بمبالغ باهظة، لكن حضور هذه الحفلات والرحلات يكشف عن أنشطة أخرى، حيث يتم إرسال رسائل قصيرة إلى عدد من الفتيات والنساء من أجل تنشيط الحفل، وبعد ذلك يظهر الهدف الذي ينظم من أجله صاحب «الفيرمة» حفلاته، وهو عبارة عن عملية نخاسة جديدة وسوق لبيع اللحم الرخيص. في طنجة يحكي لحسن، حارس إحدى العمارات الفاخرة المتاخمة للكورنيش، قصص عدة وكلاء عقاريين انتهى بهم المطاف إلى دخول السجن بسبب تقديمهم خدمات «إكسترا» مع تأجير الشقة، تتمثل في جلب فتيات لمكتري الشقة. يتذكر قصة أحد الأعيان القادمين من الجنوب، والذي أراد تمضية أسبوع عطلة بطنجة، ولما اصطدم بعدم وجود عروض من هذا النوع احتج بشدة لأن أصدقاء له زاروا نفس الإقامة وأمضوا وقتا ممتعا بفضل سمسار وفر لهم كل ما يريدون. انتهت المشادة بشجار بين سمسار جديد «لا يفهم في أصول المهنة»، وتدخلت الوكالة، وأرسلت وكيلا يعرف التعامل مع مثل هذه الحالات، وتم نقل الثري الصحراوي إلى إقامة أخرى، حيث أمضى أسبوعا مرحا بعروس الشمال. مصدر أمني بولاية أمن تطوان قال: «هناك حملات لاقتحام الشقق المفروشة يتم نشر أخبارها في الصحافة، لكن مؤخرا عممت بعض المذكرات المحلية حول ضرورة تكثيف المراقبة على وكالات العقار المتخصصة في الشقق والفيلات الفاخرة، وهناك إفادات من السكان ومن مخبرينا بأن الوكالات بدأت تختار إضافة خدمات ممنوعة إلى أنشطتها». ونظرا إلى كثرة المتابعات التي أخذت تضيق الخناق على هذه الوكالات في الآونة الأخيرة، فقد تم إضفاء طابع التكتم على النشاط الحقيقي، حيث يمكنك الحجز بشكل طبيعي لكن الكشف عما يمكنك الحصول عليه يتم بواسطة سماسرة/قوادين يحدثونك بشكل غير رسمي رغم اشتغالهم في الوكالة، أما الجملة السحرية في قاموس تواصلهم فهي: «هل تريد الشقة عامرة؟». المساج اللذيذ تنتشر في الأنترنت إعلانات عن التدليك أو «المساج»، وعندما تتصل بالهاتف تجيبك المدلكة قائلة إن هناك أنواعا عديدة من المساج، بما فيها المساج الجنسي، وتخبرك بالأثمنة التي تتراوح ما بين 400 و1000 درهم، وتبدأ عروض المدلكة التي يأتي صوتها ناعما في الهاتف، بشكل تدريجي، من تدليك الاسترخاء إلى تدليك إيروتيكي، إلى تدليك Massage Corps a Corps، وهو تدليك تمارسه المدلكة بكامل جسدها العاري إلى حين وصول الزبون إلى تحقيق نشوته، وحين تبدي استغرابك لهذه الخدمة، تقدم لك المدلكة عبر الهاتف الكثير من التعريفات العالمية للتدليك «جسد جسد». تأخذ المدلكة نسبة 30 في المائة بينما يأخذ مالك أو مالكة المركز أو الصالون الباقي. صاحبة المركز سيدة تراهن على قائمة الأرقام الهاتفية التي حصلت عليها من زبائن نافذين، وهي تدير شبكة من عدة فتيات وتوجه مداخيلها إلى توسيع شبكة المركز، وهي تبحث عن محلات صالحة للاستثمار في كل من طنجةوأكادير. تمتلك «مدام ب» محلا للتدليك مجهزا بأحدث التقنيات في أحد أكبر شوارع الدارالبيضاء، تقف أمام الفتيات المدلكات، وهي توجه إليهن النصائح: «الزبون هو سيد قاعة التدليك، وعليكن الامتثال لرغباته، ويمنع منعا كليا مغادرة الغرفة إلا وهو مرتاح كليا».. تحكي مريم، الفتاة التي لم تقبل بإكراهات العمل الذي يتحول غالبا إلى خدمة جنسية، وتضيف: «مدام (ب) انتقلت إلى المجتمع الراقي، وهي تدير هذا المركز لبناء شبكة من العلاقات، وهناك فتيات عاملات يعرفن قصتها جيدا». هاجرت «مدام ب» نحو بلد أوربي في مطلع الثمانينات، وهناك اشتغلت في مرقص شرقي، وامتهنت الدعارة، وكانت تحول ما تجنيه من المال إلى المغرب. بدأت بشراء شقة، ثم اشترت العمارة بأكملها، لتعود نهائيا في بداية الألفية الثالثة إلى الدارالبيضاء، شرعت في البحث عن مشروع استثماري، وكان صالون الحلاقة النسائية أول مشاريعها، لتتحول فيما بعد إلى الاستثمار في التدليك. وجدت محلا في شارع راقٍ، واستوردت خبرات أجنبية، وأطلقت مشروعها الأول، لتصبح بعد ذلك «مدام ب» التي لا تتحدث إلا الفرنسية، وتنظم موائد الرحمن في شهر رمضان. القوادة العابرة للقارات تستطيع هذه المرأة أن تكلم شيوخا وأمراء من الإمارات والسعودية ودول أخرى بالخليج، كما أنها تشغل شبكة من صالونات الحلاقة ومحلات الهاتف العمومي، فبعدما ذاقت طعم أموال الخليج، عن طريق ابنتها التي سافرت في نهاية التسعينات، فكرت في الاستثمار في تهجير الفتيات الحالمات بالثروة، وهناك وسيط شهير تعرفه كل الراغبات في الهجرة يعرف باسم «كيمو»، ويكفي ذكر هذا الاسم لتعرف أن الأمر يتعلق بقواد دولي، يمكن لشريكته المغربية أن تجني أكثر من مليون درهم سنويا، ويتم تصريف ذلك في مشاريع جديدة، تمتد إلى الفلاحة التي يباشرها أخ لها. منذ سنوات تناقلت بعض الصحف المغربية خبرا لاعتقال وسيطة مغربية في عقدها السادس وهي تتحدر من مدينة بني ملال، وقد تم اعتقالها مرات عديدة، إلا أنه كان يطلق سراحها في كل مرة بسبب نفوذها القوي الذي يمتد إلى بعض المسؤولين الكبار. هذه الوسيطة تمكنت، خلال شهر واحد، من إرسال أكثر من 50 فتاة في اتجاه الإمارات والكويت، وتدفع كل فتاة مبلغ 30.000 درهم على الأقل، وهو ما يوفر عائدا يقدر بمليون ونصف مليون درهم في شهر واحد. في قصة أخرى، داهمت شرطة دبي منذ أربع سنوات فيلا فاخرة تعود ملكيتها لسيدة أعمال مغربية، تعتبر من سفيرات القفطان المغربي، حيث تمتلك هذه المرأة سلسلة محلات للملابس التقليدية المغربية، وتمتلك إقامتين فاخرتين. المداهمة جاءت بناء على تقارير تفيد باشتغال هذه المرأة في الدعارة المقنعة، وقد سبق لسلطات دبي أن أصدرت في حقها قرارا بالترحيل، إلا أنه وبسبب تدخلات قوية تمت إعادتها من المطار، قبل ولوجها إلى الطائرة، ما يؤكد الحظوة التي تمتلكها لدى جهات نافذة في الإمارات، وفي المغرب يعتبر التقرب من هذه المرأة القوية مدخلا للصعود إلى الطبقات المخملية. السفر من أجل الجسد في مداهمة للشرطة السياحية بولاية أمن البيضاء لإحدى الفيلات الفاخرة، تم الكشف عن وجه آخر من أوجه الدعارة المقنعة، حيث كشفت التحقيقات أن أجنبيا من جنسية أردنية يملك عقارين شيدت عليهما فيلتان، يعدهما للدعارة الراقية، لكن يشاركه في ذلك مالك وكالة أسفار مغربي، حيث يتكفل الرجل الأردني باستقطاب الزبناء، الذين يكونون عادة من الأجانب والخليجيين، الذين يتم إغراؤهم بوسائل خاصة، بينما يعهد إلى المغربي صاحب وكالة الأسفار بمهمة استقبالهم في المطار وكافة الخدمات الأخرى إلى وصولهم إلى الفيلا، حيث الليالي الحمراء. ليست بعض وكالات الأسفار، إذن، سوى قناع آخر للدعارة، ونشاط ظاهري لغسل أموال هذا المجال، وبجرد بسيط لوكالات الأسفار المنتشرة على الأنترنت يمكنك مصادفة وكالات لا وجود لها إلا في هواتف أصحابها، حيث تقدم الوكالة خدمات علنية، على أن يتم استدراج الزبون من خلال التواصل معه، ويعتبر عرض الإقامة في «الرياضات» بدل الفنادق، في مدن مثل مراكش والصويرة وفاس، أول خطوة نحو النشاط الحقيقي. ولعل تنامي تأجير الشقق الجاهزة يفيد بوجود نوع من التنسيق والتعاون بين الوكالات العقارية ووكالات الأسفار، من أجل هدف واحد يتمثل في الجنس الراقي، وهو ما كان وراء بروز شبكات للدعارة الراقية، يتم تفكيك بعضها من طرف السلطات الأمنية بين الفينة والأخرى. الميناج الجنسي في مجال بعيد عن الجنس والدعارة اتجه بعض «المستثمرين» في قطاع الدعارة، في السنوات الأخيرة، إلى استراتيجية جديدة تجعل أنشطتهم بعيدة عن أنظار الأمن والعدالة، وهي تأسيس شركات للمنظفات والخادمات المنزليات اللواتي يقدمن خدمة منزلية لمدة قصيرة. في تقرير صحافي سابق، أوردت يومية مغربية أن العديد من المحكوم عليهم مسبقا في ملفات دعارة لجؤوا إلى تأسيس «مقاولات» و«شركات» محدودة المسؤولية لأن القانون المغربي لا يشترط توفر حسن السيرة بالنسبة إلى من يعتزم تأسيس شركة أو مقاولة، ولا يشترط إجراء أي بحث حول سلوك المعني، ومدى ارتباط تصرفاته وممارساته أو سوابقه القضائية ب«النشاط» الذي ينوي ممارسته من خلال المقاولة التي يعتزم إنشاءها مستقبلا، الأمر الذي جعل أغلب بارونات الدعارة السابقين يؤسسون مقاولات صغرى ومتوسطة، ويعملون على تشغيل فتيات ونساء، حيث يتم تشغيل المسنات منهن في مجال النظافة، بينما يتم استغلال الصغيرات في أغراض أخرى غالبا ما تكون خدمات جنسية. بل إن بعض المشغلين يلجؤون إلى حراس العمارات في الأحياء الراقية لتحديد السكان العزاب والوافدين العابرين، الذين يفاجؤون بالفتاة المنظفة تطرق أبوابهم وهي تعرض خدمات الميناج، التي تتطور إلى ممارسة جنسية مأجورة. ونشرت مصادر إعلامية أن فرقا للشرطة القضائية تتعقب عددا من أرباب مقاولات النظافة لرصد معاملاتهم وعلاقتهم وتحركاتهم، وتتحرى في تحركات الفتيات والنساء اللواتي يشتغلن لديهم. ولم تستعبد المصادر، التي أدلت بهذه المعلومات، أن تلجأ الأجهزة الأمنية إلى مداهمة مقرات هذه المقاولات، وطلب مراجعة وثائقها وملفاتها، خصوصا تلك المتعلقة بتوظيف العاملات والمستخدمات ومطابقة أجورهن بمستوى الأجور المحددة في القطاع، كما قد تمتد التحريات إلى البحث في السجلات القضائية للعاملات بالمقاولات والشركات المشتبه في ممارستها أنشطة محظورة، لترتيب الجزاءات القانونية اللازمة. العهر الفقير السمة الغالبة على عاملات الجنس اللواتي تقاعدن أو خانهن الجسد والعمر، أنهن لم يستطعن تكوين ثروة من بيع الجسد، وأغلبهن أصبحن بائعات سجائر بالتقسيط أو متسولات أو حارسات لمراحيض الحانات والملاهي في أحسن الأحوال. تبكي «ح» وهي تتذكر أمجادها والأموال التي رميت عند قدميها: «أكتري الآن غرفة مع الجيران، ومدخولي لا يتجاوز أربعين درهما في اليوم، هناك زبناء يذكرونني ويكرمونني، لكن الحال هو هذا. لم أخطط لمثل هذا اليوم». «ح» لا تعرف شيئا عن أبنائها الثلاثة ولا عن أمها التي تقول إنها نزيلة مركز تأهيل المتسولين بتيط مليل. عاملة الجنس السابقة التي لم توفق في الرقي الاجتماعي عادة ما تحاول استقطاب فتيات صغيرات لتشغيلهن في الدعارة، وإدارتهن مقابل توفير مكان لها، لكن هذا النوع من الاتجار في الجسد لا يكاد يكفي لإعالة الشبكة وإرسال بعض المعونات المحدودة إلى الأسر. تقول «ف»: «منين غندير المشروع مكرهتش نديرو ونتستر، كنجمع العام كامل الفلوس باش نمشي فرمضان للدار ونصرف فيه.. رمضان غالي». في المقابل، هناك عاملات جنس اخترن الطريق الوسط، التجارة في الجسد والتجارة في البضائع المهربة، القادمة من مليلية وسبتة. في مكناس تسيطر امرأة معروفة على شبكة تهريب وجلب البضائع المهربة من مليلية. يقول «محمد»، الفاعل الجمعوي بمكناس: «إن (خ) تقوم بإدارة رحلات التهريب، وهي ترسل فتيات صغيرات مستعدات لفعل أي شيء، وتربطها برجال في الدرك والجمارك علاقات قوية، وهي قادرة على تمرير أي بضاعة. لقد أصبحت موزعة كبيرة». مصدر أمني من العاصمة الإسماعيلية يقول: «يكفي أن تنظم حفلة ل«أصحاب الحال» لكي تمر كل بضائعها دون مراقبة، وهي تختار المهربات الصغيرات بعناية.. إنها شبكة مزدوجة تجمع بين التهريب والدعارة». وخلال المواسم والأعياد الدينية يلاحظ اكتظاظ كبير على وكالات تحويل الأموال، في رمضان كما في عاشوراء كما في عيد الأضحى، هناك ما يناهز 50 مليون درهم تحول في عيد الأضحى إلى الأسر المغربية الفقيرة التي يعولها أبناؤها وبناتها المقيمون في الخارج. علاء، تاجر مجوهرات، يقول: «الحالة المادية لعاملات الجنس العاديات تتأثر بالمؤثرات العامة في الاقتصاد، وهن الآن في حالة أزمة، لكن عندما يكون هناك رواج بالنسبة إليهن نلاحظ إقبالا منهن على اقتناء المجوهرات، كنوع من اكتناز الأموال. إنهن يشترين مجوهرات بكل سنتيم توفر لديهن، وشراء الذهب يجعل ثرواتهن مؤمنة، وفي نفس الوقت غير بادية للعيان.. كيخافو من العين». كيف استثمر المخزن القديم الدعارة سجل الرحالة المستشرق «روجي لوطورنو»، في كتابه «فاس قبل الحماية»، الذي ترجمه محمد حجي ومحمد الأخضر، أن جل بيوت قصبة تامريرت وقصبة بوجلود وباب الفتوح كانت تعج بالنساء البدويات، وأن الفاسيات كن يقطن في منازل تحت إمرة قوادات، كما أشار إلى أن ممثل السلطة كان يتقاضى منهن مبالغ مالية محددة، مؤكدا أن حي مولاي عبد الله احماد (باشا المدينة) اشتهر بالبغاء آنذاك. وفي كتابات ليون الإفريقي ابن وزان، المؤرخة في القرن السادس عشر، يمكن للقارئ العثور على جملة من المعلومات تخص البغاء والبغايا. فقد جاء في إحدى كتاباته أنه شاهد بمدينة فاس منازل ودورا كانت محمية من طرف رئيس الشرطة وحاكم المدينة. يقول ابن وزان، حين يصف فنادق فاس: «إن أسْوأ ما في هذا الأمر مساكنة رهط يقال لهم «الهيوى»، وهم رجال يرتدون ثياب النساء، ويتحلون بحليهن، يحلقون لحاهم ويقلدون النساء حتى في طريقة كلامهن، وماذا عساي أقول في أسلوب كلامهم؟ إنهم يتغنجون أيضا، ولكل واحد من هؤلاء الأنذال صاحب يتسرّاه ويعاشره كما تعاشر المرأة زوجها. ولهؤلاء الناس أيضا في الفنادق زوجات أخلاقهن كأخلاق المومسات في مواخير أوربا، ولهم كذلك ترخيص بشراء الخمر وبيعه دون أن يزعجهم موظفو الحاشية. يختلف إلى هذه الفنادق دائما أولئك الذين يعيشون أشنع عيشة، يغشاها بعضهم للسكر، وبعضهم لإتيان شهوتهم مع باغيات مرتزقات، وبعضهم الآخر يكون بمنجاة من الحاشية بسبب تصرفات غير شرعية ووضيعة يحسن أن نضرب صفحا عن ذكرها». ويصنف ليون الإفريقي مدينة فاس كوكر للبغايا وبائعي الخمور، وذلك تحت أنظار الشرطة، بل بإشراف منهم، «أيضا دور عمومية تمارس فيها البغايا مهنتهن بثمن بخس، تحت حماية رئيس الشرطة أو حاكم المدينة. كما يتعاطى بعض الرجال، دون أن يثير ذلك غيظ البلاط، مهنة البغاء، فيتخذون في بيوتهم نساء عاهرات وخمورا يبيعونها، حيث يستطيع كل واحد أن يتناول من ذلك ما شاء بكل طمأنينة»... وهو يؤكد هذا المعطى مرة أخرى بقوله: «هؤلاء الرؤساء للشرط (جمع شرطة) يستطيعون أن يتخذوا حانات ويمارسوا مهنة البغاء والتدييث». وأكد العربي الورياشي في كتاباته أن رجال السلطة بمكناس كانوا يستفيدون من الاتجار في الدعارة، وقد اشتهر ماخور سيدي بوجدار ببيع الصبايا المهربات من جبال الأطلس وكن بيضاوات البشرة وزرقاوات العيون. كما أنه بسوس كان الوسطاء يختارون البنات الجميلات لبيعهن إلى القياد الكبار في الحوز وإلى أغنياء المدن. وكان باشا مراكش، التهامي الكلاوي، من أكبر التجار في النساء، وحسب «كي دولانويي»، كان عدد المنازل التي راقبها تضم ما يناهز ستة آلاف امرأة، وكل واحدة منهن تدفع له مائة فرنك يوميا. وبزاوية سيدي رحال، كان قائد الزاوية يراقب عدة أوكار للدعارة، ويتقاضى نسبة من الأرباح، ومثلت الدعارة أحد مصادر الدخل الأساسية للسكان والزوار. وفي أبي الجعد كانت تنتشر دور البغاء.