رصدت دراسة حديثة صدرت هذا الأسبوع عن مركز الجزيرة للدراسات بالدوحة، اختلالات السجون في المغرب، والتي أجملتها في الاكتظاظ والاعتقال الاحتياطي والاعتداءات الجنسية والأمراض النفسية والرشوة. وأكد صاحب الدراسة إدريس لكريني، مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، أن الاكتظاظ داخل السجون المغربية أضحى يشكل معضلة حقيقية تطرح أكثر من إشكال قانوني وحقوقي، حيث تزايدت التقارير والدراسات التي تحذر من تداعياته الخطيرة على المعتقلين وعلى وظائف المؤسسات السجنية بشكل عام، فهو يؤدي، حسب لكريني، إلى خلق ظروف اعتقال من شأنها إضعاف قدرة المنظومة السجنية على الاستجابة لحاجيات الأشخاص النزلاء، سواء فيما يتعلق بالعناية الطبية والتغذية والإيواء، والتكوين والترفيه. وأضافت الدراسة، أن الاعتقال الاحتياطي غالبا ما ينطوي على مساس بحرية وحقوق المتهم في محاكمة عادلة، حيث يتم حبس المتهم في غياب حكم يقضي بإدانته، بما "يتعارض تماما مع حق الشخص في ألا يودع السجن إلا تنفيذا لحكم صادر بإدانته من القضاء". كما أن تواتر استعمال هذا الإجراء "خارج أي اعتبار لطبيعته الاستثنائية يمس بالأمن القانوني وقرينة البراءة التي تعد أساس المحاكمة العادلة، كما يعد مسؤولا بدرجة أولى عن ظاهرة الاكتظاظ الكبير الذي تشهده السجون"، توكد الدراسة. وبالرغم من الجهود التي راكمها المغرب في السنوات الأخيرة على مستوى المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وتضمين الدستور الجديد لعام 2011 مجموعة من المقتضيات في هذا الشأن، فقد عبرت في المقابل العديد من جمعيات المجتمع المدني حسب ذات الدراسة، عن قلقها المتزايد "إزاء بعض الأحكام الواردة في الإطار القانوني الحالي المتعلق بالتعذيب لاسيما إمكانية منح العفو العام لمرتكبي التعذيب والصفح عن بعضهم"، كما عبرت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة عن قلقها أيضًا "إزاء العديد من ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة من قبل ضباط الشرطة وموظفي السجون". لكن في المقابل فإنه وحسب دراسة مركز الجزيرة، قام المغرب بمجموعة من التدابير للحد من هذه الإشكالات، حيث تم فصل مسؤولية إدارة السجون عن وزارة العدل، كما أحدثت مندوبية عامة للسجون، واعتمد قانون 98/23 الذي تسعى مقتضياته إلى دعم أمن وسلامة وكرامة السجين، وإعادة إدماجه داخل المجتمع. في ما قدمت مؤسسة محمد السادس تداريب تربوية ومهنية للسجناء قبيل إطلاق سراحهم، غير أن ذلك لم يمنع من استمرار الكثير من المشاكل والاختلالات داخل هذه المؤسسات حسب لكريني. وخلصت الدراسة لجرد مجموعة من التوصيات، حيث طالبت بإحداث آلية مؤسساتية مركزية مستقلة عن المندوبية العامة للسجون تتمتع بضمانات دستورية، تشرف على مراقبة السجون طبقا لمنهجية وإستراتيجية محددة، وتتكون من مؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة والمرصد المغربي للسجون والهيئة الوطنية لأطباء القطاع العام ومؤسسة محمد السادس". بالإضافة إلى اعتماد تواصل إعلامي منفتح وتعزيز العلاقة مع الجمعيات وفتح المؤسسات السجنية أمام الرأي العام، عبر إحداث بوابة إلكترونية تتضمن مختلف البيانات والمعطيات والتقارير ذات الصلة.