للإعلام فاعلية في فتح مجال للنقاش العمومي باعتباره شكلا من أشكال التواصل والتفاعل بين الأفراد والجماعات كأفق للعيش المشترك والرابط الاجتماعي والتداول والارتقاء بمستوى التواصل السياسي والثقافي والاجتماعي من خلال تناول القضايا والمواضيع التي تستأثر باهتمام الرأي العام. يمكن تناول هذه الفرضية من خلال مقاربة تدمج بين الإطار العام لأنثروبولوجيا الإعلام والنموذج التفاعلي ل إرفين كوفمان. وكنتيجة مباشرة لهذه الفرضية يمكن اعتبار تجويد النقاش العمومي عنصرا من عناصر الديمقراطية أي أن التداول في القضايا الملحة من طرف الإعلام هو مكون من مكونات دمقرطة المجتمع المغربي. فيصبح لزاما الانتقال من حلم التشارك إلى واقع التداول أو بصيغة أخرى من الديمقراطية التشاركية إلى الديمقراطية التداولية. فمنطق التداول الذي يؤسس للنقاش العمومي ليس إقصائيا ولا تراتبيا ولا ينبني على التنافر ومقولة الاستثناء بل على مصفوفة من القيم ترتكز على التنوع والتعدد والكونية والإدماج والتوافق والتقرير في القضايا المطروحة. وكنتيجة غير مباشرة لهذه الفرضية يمكن الإقرار بأن الهدف الأسمى للإعلام في تنشيط النقاش العمومي ليس فقط تشجيع المشاركة بل أساسا التربية على التداول الايجابي والحسم الجماعي والعقلاني في القضايا ليتم الانتقال من مجتمع الاستهلاك والتلقي إلى مجتمع المعرفة و الفكر النقدي والثقة في المؤسسات الوطنية. لهذا فالوساطة الإعلامية في شقها المجتمعي تستوجب أن تعمل منطق ونسق العقل والبرغماتية كجسر لممارسة النقاش العمومي لأنه غالبا ما يتم التداول حول انسداد الأفق الاجتماعي (الشغل والصحة والتعليم ومستوى المعيشة) وذلك لأننا في راهن تحدي الاستجابة لقيم مادية وحياتية ورهانات ترسيخ نموذج تنموي جديد.