من المؤكد أن إشكالية استنفاد كل إمكانات النموذج التنموي الحالي، وعدم قدرته على معالجة المعضلات التي تطرحها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ستظل قائمة، رغم أن الكل أصبح يتحدث اليوم عن هذا الموضوع، بعد الخطاب الملكي، الذي تعرض له بكل وضوح. غير أَن التساؤل المشروع الذي ينبغي أن يطرح، يَهُمّ المنهجية التي يمكن أن يناقش بها هذا الموضوع المعقد، هل يتعلق الأمر بمعدلات النمو وبقضايا الاقتصاد، أم أن الأمر يتجاوز هذا إلى كل المجالات الأخرى، الاجتماعية والتربوية والإدارية والثقافية والبيئية، أي أن الإشكال يحيلنا إلى المنظومة التنموية الشاملة، التي سادت لحد الآن. من المعلوم، أن مقاربة مثل هذه الإشكالات في علم اجتماع التنمية، تتطلب الاهتمام بكل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية ونمط الإنتاج والتراتبية الطبقية وشكل الدولة والثقافة السائدة، وغيرها من الأركان التي تؤثر في البنية المجتمعية، لذلك فإن هذا العلم يعتمد على مناهج ونظريات في الاقتصاد والمجتمع والتاريخ والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية، وكل الأدوات العلمية التي من شأنها إنارة الطريق لفهم الإشكالات العميقة التي تعوق التنمية أو تساعدها. من هذا المنطلق، فإن فتح أبواب النقاش الجدي في مسألة النموذج التنموي، يعني فتح أبواب البحث والدراسة والجدل المثمر، في أهم القضايا التي تتجاوز موضوعات معدلات النمو والاقتصاد، لأنها تهم تغيير التوازنات الحالية، التي استندت عليها البنية السياسية والمجتمعية، التي أنتجت النموذج الذي ظهر عجزه في تجاوز المعضلات الراهنة والمستقبلية. إن المتأمل في المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، في المغرب، سيدرك، من خلال الأرقام والإحصائيات والمعطيات، أن ما هو آتٍ من تحديات، صعب ومعقد، ولن تفيد في معالجته البنية السياسية والتوازنات الاقتصادية والمقاربة المجتمعية، السائدة اليوم، وبدون تغييرات جذرية، في هذه البنية وفي هذه التوازنات والمقاربات، فإن ما سيحصل هو إعادة إنتاج نفس النموذج التنموي الفاشل، بكل تداعياته الاجتماعية. ما هو إيجابي في هذه الصورة، هو أن هناك وعيا أوليا، بضرورة فتح النقاش والاعتراف بأننا في حاجة إلى نموذج تنموي جديد، غير أن الطريق مازال طويلا وشاقا، ويتطلب تضحيات وتنازلات وسَعٓةَ الأفق وعمق التفكير العلمي، وليس نهج أساليب التسويق البروباغاندا.