أطلقت الحكومة قبل أسبوع، أي يوم الأربعاء 27 دجنبر الأخير، الموقع www.alhoukouma.gov.ma. وأفاد بلاغ لرئاسة الحكومة الذي أعلن هذا لخبر، أن هذه الخطوة ترمي إلى تعزيز التواصل الحكومي والتفاعل مع المواطنات والمواطنين، ليشكل الموقع- حسب البلاغ- جسر تواصل يربط الحكومة بالمواطنين. وتتضمن هيكلة البوابة الجديدة المحاور الرئيسية الثلاث للبرنامج الحكومي وهي "تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية"، و"إنعاش الاقتصاد لخلق فرص الشغل"، و"تكريس فعالية الإدارة لخدمة المواطن". وتتيح البوابة من جهة أخرى الاطلاع على مدى تقدم مختلف البرامج الحكومية على غرار "الدعم الاجتماعي المباشر"، وتقدم نافذة "آخر المستجدات" فضاء للأخبار الآنية، إلى جانب خانة "ملفات ومقالات". ومن اختيارات البوابة إتاحتها إمكانية التفاعل مع الرأي العام، من خلال خانة "شارك/ي برأيك"، حيث يمكن للمواطنات والمواطنين الإدلاء بآرائهم ومقترحاتهم بخصوص برامج وإجراءات الحكومة. فما هي أوجه الأهمية التي يكتسيها إطلاق هذه البوابة الجديدة؟ وما هي عناصر الخصاص المسجلة بشأنها؟ وما هي الآفاق المستقبلية التي يتعين ارتيادها؟ 1) تنويه لا بد منه: إن إطلاق الموقع الحكومي المذكور، لهو إجراء بالغ الأهمية بلا جدال، لكونه يستجيب لمطلب طال انتظاره، ويعزز إجراءات مشابهة في ولايات سابقة، وأتى في سياق موسوم بخصاص تواصلي مؤسساتي مهول. فالموقع يوفر المعطيات المتعلقة بمستجدات الشأن العام الوطني، وهو مبوب تبويبا يُعِين على تيسير البحث، كما أن تلك المستجدات محيَّنةٌ بوتيرة يومية مقدرة، ومقرونةٌ بتسجيلات صوتية لمن رغب عن قراءة المضامين الخبرية بالاستماع وبالسرعة التي يختار. ومن جهة أخرى، يتضمن الموقع نافذة رئيسية خاصة بملف الدعم الاجتماعي المباشر، تقدم تعريفا بهذا النظام وبالفئات المستفيدة وشروط الاستفادة منه، والإعلانات الخاصة بالإعانات. لكن الأكثر دلالة وتميزا في الموقع هو توفره على نافذة تتيح استشارة الجمهور بشأن السياسات العمومية، من خلال نافذة" شارك/ ي برأيك"، التي تتفرع بدورها إلى ثلاث خانات تتعلق ب"لمشاورات الجارية"، و"المشاورات قيد التحليل" و"نتائج المشاورات". وقد أَطْلَقت هذه النافذة أول موضوع للتشاور العمومي يخص تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، يمتد خلال الفترة: 26 دجنبر 2023- 30 يناير 2024، حيث يمكن لمن أراد المشاركة وبعد تسجيله في الموقع من خلال عنوانه الإلكتروني، أن يدلي برأيه من خلال استمارة تعبأ وفق ثلاث مراحل. 2) التواصل الذي يقتضي الاتصال: إن إطلاق الموقع الحكومي المذكور لهو بالأهمية التواصلية التي سُقْنا بعض عناصرها سابقا، لكن اعترى هذا المنجز عيب الاتصال عند الانطلاقة. فباستثناء بلاغ رئاسة الحكومة الوحيد واليتيم، الذي أعلن الخبر عبر الموقع المؤسساتي لرئيس الحكومة، والنافذة الإعلانية المنشورة عبره، فلا نجد إجراءات رديفة للاتصال المنشود بشأن هذه الخطوة. ولعل من أبرز ما يمكن أن يسجله المتابع بهذا الخصوص، الملاحظات الآتية: الاستنكاف عن تنظيم نشاط رسمي جدير بالأهمية المؤسساتية والتواصلية للبوابة الحكومية الجديدة؛ استنكاف قطاعين حكوميين معنيَيْن تواصليا بالموضوع، عن نشر البلاغ الصادر وتعميم الخبر، عبر موقعيهما الإلكترونيين الرسميين وحساباتهما بشبكات التواصل الاجتماعي، ويتعلق الأمر بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، والناطق الرسمي باسم الحكومة؛ غياب وصلات تعريفية بالموضوع من خلال الإعلام العمومي؛ والحصيلة- التي لم تسعفها للأسف بعض المبادرات الإعلامية التعريفية المشكورة لوسائط مكتوبة وسمعية بصرية خاصة – هو أن الرأي العام لا علم له بهذا الذي تمَّ، ومما يمكن أن يؤشر على ذلك هو تواضع عدد المشاركين في التشاور الذي فتحه الموقع بشأن تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، حيث لم يتعد بعد أسبوع من انطلاق هذا التشاور 39 مشاركا. 3) ملاحظات للتحسين الممكن: إذا صرفنا النظر عن العيب الاتصالي الذي اكتنف انطلاقة الموقع الحكومي، مما يقبل الاستدراك ويقتضيه، وبصرف النظر عن أهمية هذا الموقع التي سُقْنا بعضا من عناصرها سابقا، فإن ثمة ملاحظات مضمونية تجويدية تتعلق بنافذة التشاور العمومي تستلزم الأخذ بعين الاعتبار، ومنها: أن النافذة تتيح إمكانية المشاركة في الاستبيان أكثر من مرة واحدة، انطلاقا من نفس العنوان الإلكتروني، وهو عيب ميسورُ المعالجة تقنيا، لكن من شأن استمراره أن يمس بالقيمة العلمية للتشاور الحالي وللاستشارات التي ستطلق لاحقا؛ بعض الأسئلة تقبل أجوبة متعددة، لكن البوابة لا تتيح إلا إمكانية اختيار جواب واحد فقط، ويتعلق الأمر هنا بالسؤال:" في نظرك، سيسمح تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض للمواطنين والمواطنات المغاربة ب؟ * تسهيل ولوجهم للخدمات الصحية الرفع من قدرتهم على الادخار بفضل التعويض الجزئي أو الكلي لمصاريف علاجاتهم وعلاجات ذوي الحقوق المرتبطين بهم تمتيعهم بالعدالة الاجتماعية وحفظ كرامتهم مساعدتهم في الوقاية بفضل تتبع صحي منتظم تعزيز أمنهم المالي في حالة النفقات الصحية الغير متوقعة بفضل الاسترجاع الجزئي أو الكلي لمصاريف علاجاتهم توفير مستقبل أفضل لأطفالهم شيء آخر (المرجو التحديد في الخانة أسفله) بخصوص السؤال في المرحلة الأولى: "برأيك، ما مدى دراية المغاربة بما يقدمه التأمين الإجباري عن المرض اليوم؟"، فهو يقدم للجواب 10 اختيارات مرقمة من 1 إلى 10، لكن لا يبين الموقع دلالة تلك الأرقام وكونها أهمُّ تنازليا أم تصاعديا؟( وإن كان الظاهر أن الأمر كذلك تنازليا من 10 إلى 1)؟ الأجدر بالقائمين على الموقع، تثمينا لانخراط المشاركين في مشاوراته وتعزيزا لنفَس المشاركة بصفة عامة، تبليغُ المشاركين عبر عناوينهم الإلكترونية بتوصل الموقع باستمارات مشاركاتهم، وتبليغهم لاحقا بنتائج المشاورات المعنية؛ لا تتيح نافذة التشاور العمومي إمكانية الاطلاع على مدى التقدم في التشاور المفتوح إلا عبر الإخبار بعدد المشاركين فقط، والأولى أن تقدم معلومات إضافية تعبئةً أكثر على المشاركة، من قبيل إحصائيات المشاركين حسب الجهات وفئاتهم العمرية ونسبتي الذكور والإناث منهم؛ 4) الديمقراطية الإلكترونية الصاعدة، الغائب المنتظر: عرضنا في المحور السابق، بعض الملاحظات المأمول أن تعزز جودة هذا المنجز، الذي يظل على كل حال ذا راهنيةٍ وأهميةٍ بلا ريب. إن من شأن هذه البوابة الحكومية أن تسهم في إنعاش الديمقراطية التشاركية التي تعاني من أعطاب بنيوية وهيكلية ظاهرة للعيان. لكن الرهان الذي لم تفلح بلادنا للأسف في كسبه وسلك قنواته إلى اليوم، هو رهان إرساء نظام للديمقراطية يقوم على ركيزتين جوهريتين على الأقل: الركيزة الأولى تتعلق بما يمكن تسميته ب"الديمقراطية الصاعدة"، والمقصود بها أن تعمل السلطات العمومية على إشراك المواطنين والمواطنات في بلورة وتصميم السياسات العمومية في مرحلة تكونها الجنيني، وليس في المرحلة التي تمخضت فيها تلك السياسات إلى أرضيات أو مشاريع؛ الركيزة الثانية تتعلق بالقناة الرقمية التي يتم عبرها التشاور العمومي الصاعد، فالرقمنة توفر فرصا للمشاركة المواطنة الموسعة بأقل ما يكون الجهد المؤسساتي والبشري والتنظيمي والمالي والزمني، عبر تعبئة وسائط الاتصال العديدة وشبكات التواصل الاجتماعي المتعددة، ولنا في تجارب الديمقراطية الإلكترونية الرائدة عالميا ما يغني ويفيد؛ خاتمة: إن هناك طلبا مجتمعيا لتوسيع الديمقراطية التشاركية، أبانت عنه جلسات الإنصات التي عقدتها اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، حيث أفادت في تقريرها العام أن هذه الجلسات أبرزت "مطلب توسيع سبل المشاركة، لاسيما على المستوى المحلي والترابي. ويرغب المواطنون في الحصول على المزيد من الفرص للمشاركة بشكل فعال في تنمية محيطهم من خلال آليات الإنصات والمنصات الرقمية وآليات التظلم التي يمكن الولوج إليها. كما يَدْعون إلى المزيد من التشاور معهم وأخذ مقترحاتهم في الاعتبار خلال إعداد السياسات العمومية والبرامج التي تعنيهم". فلا شك أن إطلاق البوابة الحكومية الجديدة يستجيب لذلك الطلب جزئيا، وهي خطوة يُعْوِزها الإتقان الاتصالي والمضموني، وتحتاج إلى إجراءات مماثلة تسهم في تعزيز صرح الديمقراطية التشاركية التي أرسى معالمها الدستور، وتتوقف تنميتها ونهضتها على نجاعة الفاعلين.