إعلان نوايا مشترك بين المغرب والبرتغال لتعزيز العدالة في إطار كأس العالم 2030    ريما حسن في قلب العاصفة.. اتهامات بالولاء للجزائر وخسارة للمصداقية في المشهد السياسي الفرنسي    الملك يعين الأعضاء الجدد باللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي    التعاون المغربي الموريتاني يُطلق تهديدات ميليشيات البوليساريو لنواكشوط    ترامب يطلق أكبر عملية طرد جماعي للمهاجرين غير النظاميين    توقيع عقد مع شركة ألمانية لدراسة مشروع النفق القاري بين طنجة وطريفة    كرسي الآداب والفنون الإفريقية يحتفي بسرديات "إفا" في أكاديمية المملكة    الذكاء الاصطناعي.. (ميتا) تعتزم استثمار 65 مليار دولار خلال 2025    على خلفية مساعي ترامب لزيادة حجم الإنتاج...تراجع أسعار النفط    الدرك الملكي يحجز طن من الحشيش نواحي اقليم الحسيمة    "حماس" تنشر أسماء المجندات الإسرائيليات المقرر الإفراج عنهن السبت    دوامة    معرض فني جماعي «متحدون في تنوعنا» بالدار البيضاء    الفنانة المغربية زهراء درير تستعد لإطلاق أغنية « جاني خبر »    رواية "المغاربة".. نفسانيات مُركبة    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    ترامب يرفع السرية عن ملفات اغتيالات كينيدي ولوثر كينغ    مجلس الشيوخ التشيلي يدعم مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء    مهدي بنسعيد يشيد بحصيلة الحكومة ويدعو لتعزيز التواصل لإبراز المنجزات    محاكمة بعيوي في قضية "إسكوبار" تكشف جوانب مثيرة من الصراع الأسري لرئيس جهة الشرق السابق    الصيد البحري : تسليم 415 محركا لقوارب تقليدية لتحسين الإنتاجية والسلامة البحرية    وزارة الشباب تكشف عن "برنامج التخييم 2025" وتستهدف 197 ألف مستفيد    اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس: خطوة أولى نحو السلام أم محطة مؤقتة في طريق الصراع؟    الكعبي يتجاوز مواطنه العرابي … ويدخل التاريخ كأفضل هداف اولمبياكوس في المباريات الاوروبية    إضراب عام يشل حركة جماعات الناظور ليوم كامل احتجاجا على تغييب الحوار    تركيا..طفلان يتناولان حبوب منع الحمل بالخطأ وهذا ما حدث!    السلطات البلجيكية تحبط محاولة استهداف مسجد في مولنبيك خلال صلاة الجمعة    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة والمعهد المتخصص في الفندقة والسياحة بالحوزية يحتفيان بالسنة الأمازيغية    العطلة المدرسية تبدأ مع طقس مستقر    تراجع التلقيح ضد "بوحمرون" إلى 60%.. وزارة الصحة في مرمى الانتقادات    "الطرق السيارة" تنبه السائقين مع بدء العطلة المدرسية    عمدة المدينة: جماعة طنجة لن تدخر أي جهد لجعل المدينة في مستوى التظاهرات الدولية وتطلعات المواطنين    اعتقال وحش آدمي تسبب في وفاة ابنة زوجته ذات الثلاث سنوات    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    تعيين الفرنسي رودي غارسيا مدربا جديدا لمنتخب بلجيكا    الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى: مشروع قانون الإضراب غير عادل    بورصة البيضاء تفتتح التداول بارتفاع    الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة…انتشار حاد لفيروس الحصبة وفقدان أرواح الأطفال    تنفيذا لتعهدات ترامب .. أمريكا ترحل مئات المهاجرين    السكوري: مناقشة مشروع قانون الإضراب تتم في جو عال من المسؤولية    تداولات الإفتتاح ببورصة البيضاء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    لقجع ينفي ما روجه الإعلام الإسباني بخصوص سعي "فيفا" تقليص ملاعب المغرب خلال مونديال 2030    العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية تعقد اجتماع مكتبها المديري    مايك وان" يُطلق أغنية "ولاء"بإيقاع حساني    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة    رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    تضارب في الأرقام حول التسوية الطوعية الضريبية    ما هو سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة معا في الدنمارك؟    تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    عبد الصادق: مواجهة طنجة للنسيان    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سياسة التواصل العمومي في المغرب
نشر في هسبريس يوم 17 - 07 - 2021

إذا كان الاتصال هاما في حياة الفرد العادي فإنه لا يقل أهمية في حياة المؤسسات صغيرها وكبيرها، إن معظم مشكلاتنا اليوم ليست في عالم الأشياء ولكن في عالم الأشخاص، وإن أكبر فشل للإنسان كان ومازال هو عدم القدرة على التعاون مع الآخرين أو بالأحرى عدم القدرة على تحقيق تواصل فعال مع الآخرين.
ولهذا يعتبر تقريب الإدارة من المواطنين من المفاهيم والمبادئ الأساسية التي عرفت تداولا كبيرا، ورافقت معظم الخطابات الإصلاحية بالإدارة المغربية لا سيما تلك المتعلقة بالحكامة، والتي تم تسريع مسلسل تنفيذها عبر إقرار دستور 2011 وذلك من أجل تحسين علاقة الإدارة العمومية بالمواطنين.
ويلعب التواصل العمومي دورا بارزا في تقوية صلة الوصل بين المواطن والمؤسسات العمومية وتكريس مبدأ الشفافية والمشاركة، إضافة إلى النهوض بمستوى جودة الخدمات المؤسساتية وتطويرها. من هنا يكتسي التواصل العمومي أهمية تؤثر في جميع مراحل العمل والعناصر الإدارية من التخطيط إلى إعداد القرار والتنسيق ثم الرقابة.
وبتعاظم دور وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة في الحياة الإنسانية، بات من الضروري ملاءمة نشاط الإدارة المغربية -خاصة- مع مستجدات متطلبات الظرفية التواصلية المتطورة والتصدي للتحديات التي تفرض نفسها، المتمثلة خاصة في تناسل الأخبار الزائفة وحدوث الأزمات. من هذا الباب نطرح التساؤلات التالية: ما هو التواصل العمومي وأهدافه وعناصره؟ كيف يعزز التواصل العمومي مبدأ المشاركة والشفافية؟ ما هو الدور الذي تلعبه تكنولوجيا الاتصال في التواصل العمومي؟ كيف تم تدبير التواصل العمومي إبان جائحة كوفيد-19؟
بناء على هذه التساؤلات سنحاول معالجة الموضوع وفق الخطاطة المنهجية التالية:
المبحث الأول: الإطار العام للتواصل العمومي
المحور الأول: مفهوم التواصل العمومي.
المحور الثاني: أهداف التواصل العمومي وأشكاله.
المبحث الثاني: دعامات التواصل العمومي
المحور الأول: الأسس القانونية للتواصل العمومي
المحور الثاني: التواصل وحكامة المرافق العمومية
المبحث الثالث: دور تكنولوجيا المعلومات في التواصل العمومي
المحور الأول: التواصل العمومي والرقمنة
المحور الثاني: التواصل العمومي إبان الجائحة
المبحث الأول: الإطار العام للتواصل العمومي
لا شك أن نجاح أي منظمة يقوم في الأساس على ركيزة التواصل المؤسساتي بين الأطراف المختلفة، سواء بين المؤسسات أو في إطار علاقتها بالمجتمع، ولعل مفتاح نجاح هذا التواصل يكمن في مجموعة من العناصر المهيكلة للعملية التواصلية التي سنتطرق لها في المحاور الآتية.
مفهوم التواصل العمومي
يعد الاتصال العام المؤسسي حسبRogers هو تجميع البيانات والمعلومات الضرورية ونقلها وتبادلها وإذاعتها، في نطاقها الداخلي والخارجي. وحسب الدليل الذي أعدته وزارة المالية المغربية، يعتبر التواصل العمومي مجموعة من الأنشطة والمبادرات التي تناط مهمة أدائها لبعض المؤسسات العمومية التي تهدف إلى تحقيق الصالح العام وتقديم الخدمات العمومية.
إذ يشكل التواصل العمومي أحد أركان الحكامة العمومية وأداة رئيسية لوضع السياسات وتقديم الخدمات، تسعى من خلال مجموعة من الأدوات والوسائط إلى تقاسم مستجدات السياسات العمومية مع سائر المواطنين والمؤسسات، ما من شأنه أن يسهل الانخراط في هذه الأخيرة وتعزيز دعم المواطنين لها. على هذا الأساس يستجيب التواصل العمومي لعدة طموحات وهي:
– تعزيز الشفافية والمساءلة في ما يخص السياسات العمومية؛
– تسليط الضوء على فعالية الإجراءات الحكومية؛
– خدمة الصالح العام؛
– تشجيع مشاركة المواطنين وتعزيز الديمقراطية التشاركية؛
– تحسين توافر المعلومات وإمكانية الحصول عليها؛
– الحث على تغيير السلوكيات بغية تطبيق أمثل للقوانين والإصلاحات؛
– تحسين جودة الخدمات العمومية، ووضع وتنفيذ السياسات العمومية.
أهداف التواصل العمومي وأشكاله
انطلاقا من الأهمية الكبيرة التي يكتسيها الاتصال المؤسسي العمومي يمكن تحديد مجموعة من الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها وذلك عبر المستويات التالية:
– على مستوى العاملين في الإدارة يهدف إلى خلق جو من الرضا والارتياح في المؤسسة، والارتقاء بنشاط الإدارة ومكانة العاملين من خلال إشراكهم في عملية التسيير وتبادل المعلومات المهمة الخاصة بالإدارة على نطاق واسع، لتفادي الشائعات ومعالجتها بسرعة.
– على مستوى القيادات الإدارية: تمكين القائد من التعرف على مستجدات أنشطة المؤسسة بوضوح مما يمكن من اتخاذ القرارات السليمة القائمة على الحقائق والمعطيات الصحيحة، مما يسهل عملية التوجيه والإشراف والتأثير الإيجابي على التنسيق بين الأنشطة المختلفة داخليا وخارجيا.
– على مستوى المواطنين: تتجلى أهداف التواصل هنا في توفير المعلومات الضرورية للمواطنين وتعبئتهم كي يصبحوا جهات فاعلة في الحياة العامة. ويمكن أن تشجع جهود التواصل مشاركة المواطنين في الحياة العامة عبر ثلاث محطات:
* المعلومات والحياة العامة: ويغطي هذا المفهوم إتاحة المعلومات عند الطلب ودون ذلك، مع التدابير الاستباقية التي تتخذها السلطات العمومية لنشر المعلومات.
* التشاور: وهو محطة أكثر أهمية لمشاركة المواطنين في الحياة العامة، من خلالها تقدم الأطراف المعنية الملاحظات إلى السلطات العمومية.
* الالتزام: حيث تتاح الفرص والوسائل (المعلومات، المعطيات، الأدوات الرقمية وغيرها..) للأطراف المعنية للتعاون في كافة مراحل إعداد وتنفيذ السياسات العمومية وفي صياغتها وتقديمها.
كما يساهم التواصل العمومي في تغيير المجتمع والتأثير إيجابيا على سلوكه، الأمر الذي يسمح على المدى القصير بتنفيذ أنجع للقوانين والإصلاحات، علاوة على تحقيق نمو أكثر شمولا على المدى الطويل.
المبحث الثاني: دعامات التواصل العمومي
تنبني مبادئ التواصل العمومي على ترسانة قانونية وتنظيمية تتمثل في مواد دستور 2011 والقوانين المتمخضة عنه، حيث يندرج ضمن موجة الإصلاحات الرامية إلى حوكمة الإدارات العمومية وجعلها أداة لخدمة الصالح العام معززة بذلك مجموعة من المبادئ.
1- الأسس القانونية للتواصل العمومي في المغرب
تعتبر الدعامة الأولى للتواصل العمومي في المغرب تلك الصادرة عن مضامين الخطب الملكية المتعلقة بإصلاح الإدارة، حيث أعلن جلالة الملك محمد السادس عن الخطوط العريضة للمفهوم الجديد للسلطة، بداية بالخطاب 12 أكتوبر 1999 الذي ألقاه أمام ممثلي الجهات والولايات، حيث جاء فيه أن مسؤولية السلطة في كل مجالاتها هي حفظ الحريات وصيانة الحقوق والواجبات مع إتاحة الظروف اللازمة لذلك. كما حث جلالته في خطب أخرى سنة 2016 و2018 على تبسيط المساطر والإجراءات الإدارية والتأسيس لعلاقة جديدة بين الإدارة والمرتفقين، بتأكيده على ضرورة تواصل العمل بمزيد من الاهتمام والمسؤولية في تدبير الشأن العام، والتجاوب مع انشغالات المواطنين. أما في خطابه سنة 2019، أقر على أن القطاع العام يحتاج إلى ثورة حقيقية في التبسيط والنجاعة والتخليق.
أما الدستور الحالي فقد نص في كل من المواد 12؛ 13؛ 140؛ 139 على مجموعة من المبادئ التي ينبغي أن يتسم بها التواصل العمومي، إضافة إلى ذلك يعد كل من القانون 08-09 المتعلق بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، والقانون 13-88 المتعلق بالصحافة والنشر، والقانون 13-31 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات، بمثابة أسس قانونية يرتكز عليها التواصل العمومي في المغرب.
2- التواصل العمومي والحكامة
لا يمكن الحديث عن تواصل عمومي فعال في غياب حكامة المرفق العمومي، ما من شأنه أن يقودنا إلى إدارة حديثة تستجيب لحاجيات المواطنين، وعلى إثره أورد المجلس الاجتماعي والاقتصادي دراسة أوضح فيها جل المبادئ العامة التي يجب أن تتبناها الإدارة المغربية مرتبطة بمهمتها الأساسية المتعلقة بالتواصل العمومي، وهذه المبادئ هي كالآتي:
* المساواة والإنصاف: بحيث يقتضي ألا يكون هناك أي نوع من الميز بين المرتفقين وأن يتمكن الجميع من الاستفادة من الخدمات الإدارية.
* الاستمرارية: وهذه قاعدة تجسد استمرارية التواصل بين الإدارات العمومية والمواطنين حيث ينبغي أن تشتغل بطريقة منتظمة ودون انقطاع، وهذا يقتضي وجود مرافق إدارية ناجعة حتى في المناطق القروية والأحياء في وضعية صعبة.
* التكيف والقابلية للتغير: حين تتطور متطلبات الصالح العام فإن المرفق العمومي مطالب بأن يتكيف مع مستجدات العالم وتقنياته الحديثة، وإعلام المرتفقين بالتغيرات التي ينبغي التماشي معها.
* الولوجية: فالولوجية والبساطة أساسيتان لكل مرفق إداري موضوع لخدمة الجميع، لهذا ينبغي تعزيز الاستجابة لطلبات قد تزداد تعقيدا وخصوصية، مع العمل في الآن ذاته على إنتاج نصوص ومساطر يسهل فهمها وتطبيقها. كذلك ينطبق على الولوجية الجغرافية لتيسير استقبال المرتفقين من مختلف الفئات.
* الشفافية: فمن واجب الإدارة العمل على التواصل عبر وسائل الإعلام والكتيبات والدلائل، كما ينبغي تمكين المرتفق -في حدود التشريع الجاري به العمل- من الحصول على الوثائق الإدارية التي تخصه، وأيضا يجب أن تخبره بالقرار الذي تم اتخاذه مع إمكانية تقديم شكوى وطرق الطعن، كما تتيح للمواطنين سبل مراقبة مدى احترام الإدارة للمذكرات والمساطر.
* إعمال تقنيات التكنولوجيا الحديثة ورقمنة أساليب تواصل الفضاء العمومي.
المبحث الثالث: دور تكنولوجيا المعلومات في التواصل العمومي
إن الجودة الشاملة فلسفة كاملة ونظرية جديدة، ونمط عمل يرتكز على فكرة التحسين المستمر بشكل متلازم على اعتبار أن الإنسان هو القيمة الكبرى لكل عمل إداري، لهذا تسعى الإدارة المغربية سعيا متواصلا للّحاق بركب التقدم التكنولوجي في جميع نواحيه من أجل النهوض بالمجتمع المغربي في مختلف المجالات وفي جميع الأوقات حتى إبان الأزمات.
1-التواصل العمومي والرّقمنة
أصبحت تكنولوجيا المعلومات من الوسائط الأساسية في الحياة العامة، الأمر الذي كان له انعكاس على الأسلوب الجديد في تسيير المرافق العمومية في أفق تجويد العلاقة بين الإدارة والمرتفقين. ويعد مفهوم الإدارة الرقمية من أبرز المفاهيم التي أدخلتها الثورة العلمية من قبيل تسميات عدة: كالإدارة عن بعد؛ الإدارة الإلكترونية؛ الإدارة على الخط...، وهذا يعبر عن وسيلة ونمط جديد من الممارسة الإدارية حيث تحاكي تقنيات المعلومات والاتصال في سرعتها وحركيّتها وجاهزيتها للخدمة في كل مكان وزمان، مع إتاحة مجال واسع للتواصل غير المباشر.
وقد انخرط المغرب منذ سنة 2001م. بمبادرة ملكية في سن مجموعة من المشاريع المهمة في هذا المجال، كان أولها "استراتيجية المغرب الإلكتروني" ثم "استراتيجية المغرب الرقمي 2009-2013′′، كان الهدف منها تسريع وتيرة هذا المشروع لتحديث الإدارة المغربية وتقريبها من المواطن، وتبسيط المساطر وتحسين جودة الخدمات من حيث الفعالية والشفافية وسرعة الأداء.
في هذا الإطار تم وضع لجنة الإدارة الإلكترونية التي كلفت بوضع مخطط للعمل على تنمية الإدارة والسهر على متابعة الإنجازات التي تم تحقيقها، ومنذ سنة 2006 انطلقت البوابة الوطنية المكونة من جزأين: جزء مؤسساتي، وجزء إداري، إضافة إلى إحداث جهاز الاتصال الخاص بتقديم المساعدة للمتعاملين مع الإدارة، أمّا على المستوى القطاعي فإن جميع الوزارات والمؤسسات الدستورية وكذا المؤسسات التابعة للدولة كلها تحظى بفضاء رقمي. كما أن جل الإدارات اليوم أصبحت قادرة على تقديم بعض الخدمات على الخط، وحاليا يتم بلورة استراتيجية جديدة لأفق سنة 2025. وقد أدت الأوضاع الصحية الراهنة بالمغرب إلى الحاجة الملحة للركب على سفينة التكنولوجيا وتطوير تقنيات الخدمات العمومية على وجه السرعة والإتقان، وهذا ما سنتطرق إليه في المحور الموالي.
التواصل العمومي إبان الجائحة:
أدى انتشار وباء كوفيد-19 في المغرب إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية والاحترازية تجنبا لتفشي الوباء خارج السيطرة، مما أدى إلى إغلاق المدارس والجامعات وتجميد حركة السير والنقل وبعض الأنشطة الاقتصادية. ولما كان عنصر الاتصال والتواصل يستحوذ على مجمل نظام الحياة الاجتماعية والمؤسساتية وكذا السياسية، فإن الاستغناء عنه يبدو أمرا مستحيلا، وعليه استدعت الضرورة اعتماد الرقمنة ووسائل التكنولوجيا بمختلف أصنافها كخيار حتمي وذلك من أجل استمرار الحياة التواصلية والخدماتية، بما في ذلك ضمان استمرار التعليم عن بعد، واستمرار التطبيب عن طريق طبيب عن بعد، وفي الخدمات الاجتماعية المتعلقة بأضرار الحجر الصحي.
ومن ناحية أخرى أدى التواصل الإعلامي للمؤسسات في هذه الفترة دورا كبيرا من خلال توفير الاستفسارات الضرورية لشرح الإجراءات و التدابير الإدارية عبر تقنية الفيديو بالصوت والصورة، كما دفعت الأزمة الصحية الحكومة إلى الاشتغال رقميا، وكان ذلك جليا من خلال لجوء عدد من القطاعات الحكومية إلى رفع مستوى هذا التعامل من قبيل الجمارك، ومسطرة المشاركة في الطلبات العمومية، والتصريح بالتوقف عن العمل مؤقتا لدى الضمان الاجتماعي، أما على مستوى المؤسسة البرلمانية تم نقل أشغال جلسات اللجان والجلسات العامة عبر تقنية البث المباشر بمواقع التواصل الاجتماعي. كما أن الأمر امتد للهيئات المدنية والسياسية حيث تم تعويض التأطير المباشر بالتواصل عن بعد عن طريق تقنية البث المباشر أو عقد الاجتماعات عبر تقنية Audio conférence video التي تتيحها مجموعة من التطبيقات مثل Zoom وMicrosoft teams. ومن بين الخدمات الرقمية التي حققت قفزة نوعية إبان هذه الجائحة:
– إطلاق مبادرة مكتب الضبط الرقمي من طرف وكالة التنمية الرقمية، وهي منصة تهدف إلى رقمنة مكتب الضبط في المؤسسات العمومية من خلال مكاتب رقمية تعمل على تدبير المراسلات بشكل إلكتروني مقابل وصل رقمي لتأكيد الاستلام.
– بوابة تلميذ تيس Telmid Tice التي توفر مضامين دراسية مصنفة حسب الأسلاك والمستويات التعليمية لضمان استمرارية العملية البيداغوجية.
– خدمة وضع التبرعات عبر الأنترنيت لفائدة الصندوق الخاص بتدبير جائحة كوفيد-19.
– خدمات الدعم للقطاع غير المهيكل عبر تقنية الرسالة النصية القصيرة.
– خدمات الأرقام المجانية للإجابة عن تساؤلات المواطنين.
– الخدمات المباشرة عبر الأنترنيت لإدارة الجمارك.
– طلب شهادة الإعاقة من الموقع الإلكتروني لوزارة الأسرة والتضامن، وهناك لائحة طويلة من الخدمات المتنوعة التي عوضت الصيغة المادية في التواصل العمومي بالاتصال عن بعد والرقمي بين الإدارة والمواطنين.
وفي هذا السياق يعتبر التواصل العمومي العصب الرئيسي في الحياة العامة وإنّ حسن تموقع الإدارة العمومية في البيئة والسياق يفرض استراتيجية تضم جميع الاحتمالات لمواكبة ما يفرضه الواقع من إجراءات جديدة مع ما يحمله من صعوبات ومخاطر.
خاتمة:
لا يمكن الحديث عن إدارة أو مرفق عمومي دون استحضار الغاية من وجوده. ولأن هذه الغاية مرتبطة ارتباطا وثيقا بحاجة المحيط إلى هذا المرفق، بالتالي فإن عملية التواصل بين الطرفين تعد ضرورة حتمية لا يمكن الاستغناء عنها تحت أي ظرف كان، وليس هذا فحسب بل هو إحدى المقومات التي يمكن أن تقاس بها نجاعة الإدارة وفاعلية وجودها، وهذا ما يطلق عليه بالتواصل العمومي الذي يرتكز مفهومه على علاقة المرفق العام بالمواطنين من مختلف الفئات بمن فيهم الهيئات والجمعيات والمنظمات والأفراد في المجال الحضري والقروي. وهي علاقة لا تقتصر على ما هو خدماتي بل يتعدى ذلك إلى عملية وضع السياسات العمومية، وإشراك المواطنين ومختلف الفاعلين في المراحل المبكرة لصنع القرار، إذ لا بد أن يحظى هذا الأسلوب التواصلي بقدر كبير من الشفافية والوضوح والمساءلة، وهي من بين مبادئ الحكامة الجيدة وسمات الحكومة المنفتحة كبرى المشاريع الديموقراطية التي انخرط فيها المغرب على إثر مجموعة من الإصلاحات التي دشنها المغرب مع دستور 2011. حيث كان النهوض بالإدارة العمومية إحدى أبرز أركانها، من خلال تحسين جودة اتصالها وزيادة قربها من المواطنين، وهو الرهان الذي خاضته الإدارة المغربية بكل مسؤولية إبان الجائحة خاصة. هذه الظرفية أبانت على مجموعة من نقاط القوة والضعف للتواصل العمومي الناتجة عن عدة عوامل، الشيء الذي يستدعي تخطيطا استراتيجيا لعملية التواصل يستجيب لكافة التحديات والصعوبات ومعالجة المخاطر بأقصى سرعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.