رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    "طلب رشوة" يورط عميد شرطة    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    السلطات المغربية تحدد موقع مدخل نفق لتهريب المخدرات بين سبتة المحتلة والفنيدق    نادي القضاة يصدر بلاغاً ناريا رداً على تصريحات وزير العدل بشأن استقلالية القضاء    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    طقس السبت .. امطار مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    صراع مغربي مشتعل على عرش هدافي الدوري الأوروبي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    قرعة دور ال16 لدوري الأبطال .. ريال مدريد في معركة مع "العدو" وباريس يصطدم بليفربول … والبارصا ضد بنفيكا    استقر في المرتبة 50 عالميا.. كيف يبني المغرب "قوة ناعمة" أكثر تأثيرا؟    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    إيفاد أئمة ووعاظ لمواكبة الجالية المغربية بالمهجر في رمضان    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تحدد تعريفة استخدام الشبكات الكهربائية للتوزيع ذات الجهد المتوسط    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    مليلية المحتلة تستقبل أول شاحنة محملة بالأسماك المغربية    نتنياهو يزور طولكرم ويهدد بالتصعيد    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    الرجاء يعلن منع تنقل جماهيره إلى مدينة القنيطرة لحضور مباراة "الكلاسيكو"    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    المندوبية السامية للتخطيط تسجل ارتفاعا في كلفة المعيشة في المغرب    المقاتلات الشبحية F-35.. نقلة نوعية في القوة العسكرية المغربية    حماس: جثة بيباس تحولت إلى أشلاء    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عملية طوفان الأقصى الدلالات ..التحولات ..السيناريوهات
نشر في اليوم 24 يوم 02 - 11 - 2023

أمام الصمود الأسطوري للمقاومة لمدة 26 يوما دون أن يتمكن العدو الصهيوني من تحقيق أي تقدم استراتيجي باستثناء تدمير البنيات التحتية عن طريق السلاح الجوي واستهداف المدنيين من النساء والأطفال وقصف المستشفيات وسيارات الإسعاف ورجال الدفاع المدني وقتل الأطقم الطبية والصحافيين الذين ينقلون هذه المشاهد إلى العالم، بينما فشل في تحقيق جميع أهدافه المعلنة بدءا بالفشل في القضاء على المقاومة وقدراتها العسكرية، بل فشل حتى في منعها من الاستمرار في إطلاق الصواريخ في اتجاه الأراضي المحتلة بما فيها تل أبيب، واستمرارها في تأكيد جاهزيتها العسكرية لخوض المعركة البرية إذا فرضت عليها، كما فشلت مخططاته في التهجير القسري أو الاختياري للفلسطينيين، ولازال سكان غزة صامدون تحت القصف يروون أرض غزة بدمائهم مفضلين الاستشهاد فوق ركام بيوتهم المهدمة وتحت أنقاضها على تكرار مشاهد النزوح الجماعي التي تحتفظ بها الذاكرة الفلسطينية جيدا..
كل ذلك يعني شيئا واحدا، وهو أن ما حدث يوم 7 أكتوبر بغلاف غزة، يعتبر منعطفا تاريخيا فاصلا بين مرحلتين، ومنطلقا لتحليل القضية الفلسطينية انطلاقا من زوايا وأبعاد جديدة، لم يكن من الممكن القيام بها قبل هذه اللحظة بالضبط.
تحولات جديدة من الناحية العسكرية والاستراتيجية من زاوية الوعي التاريخي بالقضية الفلسطينية..
فلأول مرة ينجح الفلسطينيون في توجيه ضربة عسكرية محكمة بنتائج استراتيجية واضحة: عشرات الجنود الأسرى وضرب حصانة المواقع العسكرية ونزع الإحساس بالأمن داخل أزيد من 20 مستوطنة التي يقطنها عشرات الآلاف من المستوطنين وإظهار جيش الاحتلال في صورة العاجز عن حماية أمن "مواطنيه".
لقد انهارت نظرية الأمن القومي الإسرائيلي وتحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر التي رسخت في الضمير الجمعي العالمي منذ حرب 1967 بعد انهزام الجيوش العربية أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية التي نجحت بدعم كبير من حلفائها الغربيين في تحقيق نصر عسكري احتلت بموجبه قطاع غزة وصحراء سيناء ومرتفعات الجولان والضفة الغربية من الأردن ومناطق معينة من شمال الأردن وجنوبه، ورغم صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي دعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من "أراض احتلتها" في الصراع الأخير، فإن إسرائيل لم تلتزم بتنفيذه، وتمادت في بناء المستوطنات في المناطق المحتلة وأعلنت رسميا ضمها القدس الشرقية مما دفع بمصر وسوريا إلى اللجوء إلى الحرب لاستعادة أراضيهما المحتلة، وانتهت حرب 1973 بقرار آخر لمجلس الأمن رقم 338 الذي دعا إلى إجراء المفاوضات بين الأطراف المعنية من أجل تطبيق القرار 242، وهي المفاوضات التي فشلت..
لكنها نجحت في تحقيق نصر سياسي ونفسي فرضت بموجبه على العرب التسليم باختلال موازين القوى لفائدة دولة الاحتلال، والقبول فيما بعد بمشاريع التسوية والمفاوضات على أساس "التنازل عن الأرض مقابل السلام"..
انتهزت الولايات المتحدة الأمريكية فرصة الواقع الجديد الذي فرضته حرب الخليج في بداية التسعينيات لتطلق مبادرة كبرى لإحياء العملية السلمية – وفق منظور جديد – بدءا بمؤتمر مدريد 1991 الذي انعقد وفق مسارين منفصلين: المسار الفلسطيني – الإسرائيلي والمسار العربي – الإسرائيلي.
انتهى المسار الأول باتفاق أوسلو الذي جرى التوقيع عليه على ثلاث مراحل واشنطن 1993 والقاهرة 1994 والاتفاق النهائي في واشنطن يوم 26 شتنبر 1995، والذي نص من بين ما نص عليه على إقامة سلطة حكومية فلسطينية ذاتية انتقالية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز خمس سنوات تؤدي إلى تسوية دائمة على أساس قراري 242 و338.
بعد مفاوضات عسيرة قبلت منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات باتفاق أوسلو برعاية دولية، وهو اتفاق مجحف في حق الشعب الفلسطيني، ومع ذلك فلم تلتزم دولة الاحتلال بالاتفاق وبدأت في وضع الكثير من العراقيل أمامه، ومنذ اليوم الأول أعلن إسحاق رابين الذي وقع الاتفاق بنفسه أنه لن يجري التقيد بالجدول الزمني المحدد للتنفيذ فليس هناك موعد مقدس كما قال..
وانهار الاتفاق من الناحية العملية باستثناء ما يرتبط بالتزامات السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها التنسيق الأمني وما يقابله من تحويلات مالية لتسيير نفقات السلطة وأداء أجور الموظفين، إلى أن قرر شارون الانسحاب من غزة سنة 2005 وهنا انطلق واقع جديد انتهى بتمكن حماس من تدبير قطاع غزة بعد الانتخابات التي لم يعترف بها العالم، واستفراد السلطة الفلسطينية بتدبير الضفة الغربية دون سيادة وباقي القصة معروف..
عملية طوفان الأقصى تعيد التذكير بالقضية الفلسطينية وتضعها في إطارها الصحيح..
ظلت القضية الفلسطينية تراوح مكانها، وتراجعت مبادرات التسوية، وانطلق قطار التطبيع مع الدول العربية، وجاءت اتفاقات أبراهام التي وقعتها عدد من الدول العربية على انفراد، كل دولة لها حساباتها الخاصة، وبدأ الحديث يجري عن التحاق دول أخرى من أهمها المملكة العربية السعودية التي كانت على وشك التوقيع مع إسرائيل وفق ما تسرب من أخبار مؤكدة.
في هذا السياق، جاءت عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر لتعيد تموقع القضية الفلسطينية في إطارها التاريخي الصحيح، قضية شعب يعاني من الاحتلال العنصري الاستيطاني لمدة تزيد عن سبعة عقود، فتاريخ القضية لم يبدأ يوم السابع من أكتوبر كما صرح الأمين العام للأمم المتحدة حين قال:" من المهم أن ندرك أن هجمات حماس يوم 7 أكتوبر لم تحدث من فراغ، فالفلسطينيون تعرضوا لاحتلال خانق على مدى 56 عاما"، وهو التصريح الذي جر عليه ردود فعل غاضبة من الساسة الإسرائيليين.
لقد علمنا تاريخ القضية أن مبادرات التسوية لا تنطلق إلا بعد الحرب، فكلما قامت الحرب أو اندلعت انتفاضة شاملة وواسعة إلا وتحركت مبادرات لتطويق النزاع والبحث عن حلول للتسوية، وكلما عم الهدوء تتراجع الجهود الدولية وتتوقف مبادرات التسوية، لتفسح المجال أمام العدو الصهيوني لكسب مساحات جديدة على الأرض عبر المزيد من الاستيطان والتنكيل بالفلسطينيين واستهداف الأماكن المقدسة وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، بالإضافة إلى استثمار هذا الهدوء لتطبيع علاقاته مع البلدان العربية، بما يسمح بالتصفية التدريجية للقضية الفلسطينية.
متغيرات جديدة قادرة على تعديل القواعد التي تحكمت في مشاريع التسوية السابقة..
اليوم نحن أمام متغير جديد يتعلق بتعديل واضح في قواعد الاشتباك ربما ستسمح بانطلاق مفاوضات أكثر جدية بين أطراف النزاع بعدما عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية بفضل الإنجاز التاريخي ليوم السابع من أكتوبر، وما تبعه من تضحيات بطولية قدم معها الشعب الفلسطيني آلاف الشهداء وآلاف الجرحى والمعطوبين وآلاف المنازل والبنيات التحتية المدمرة، وهي تضحيات لا يمكن، ولا ينبغي أن تذهب سدى..
وفي هذا السياق لابد من التقاط تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن الذي بدأ يتحدث على أن الحل يكمن في دولتين لشعبين، بينما يتحدث شارل ميشيل رئيس المجلس الأوربي عن الحاجة إلى مؤتمر دولي للسلام لحل الأزمة، أما توماس فريدمان الصحافي اليهودي الذي لا يخفي دعمه الكامل لإسرائيل، ما فتئ يرسل النصائح لبايدن بأن يعمل ما في جهده لإقناع نتانياهو ومن يدور في فلكه برسم أفق سياسي لما بعد الحرب على أساس حل الدولتين.
وحده دينيس روس وهو الذي كان الرجل الأول لعملية السلام في الشرق الأوسط أثناء ولاية إدارة كل من جورج بوش الأب وكلينتون، حيث كان يعمل مع وزراء الخارجية جيمس بيكر ووارن كريستوفر ومادلين أولبرايت، من كتب مقالا يوم 27 أكتوبر على صفحات النيويورك تايمز يعتبر فيها بأنه لم يعد مقتنعا بأي مشروع للسلام لا اليوم ولا غذا إلا بعد القضاء على حماس..ولذلك فهو ضد وقف إطلاق النار على غزة كما كتب في مقاله، لكن مع ذلك يؤكد بأن هناك حاجة إلى حل سياسي مع الفلسطينيين، يعني يريد تسوية بدون حماس..وهو التحليل الذي لا يراعي التداعيات المحتملة على صعيد النظام الدولي، بما يعني أن الولايات المتحدة لن تكون هي اللاعب الجديد..
ملامح نظام عالمي جديد بتوازنات دولية جديدة..
الزاوية الثانية التي تفرض نفسها بعد عملية طوفان الأقصى، فهي على مستوى التداعيات المؤكدة على طبيعة العلاقات الدولية بما يسمح بتشكل ملامح نظام عالمي جديد بتوازنات دولية جديدة، خصوصا إذا اتسع نطاق الصراع وأخذ أبعادا إقليمية باشتعال جبهة الشمال والانخراط التدريجي لحزب الله في هذه الحرب كليا أو جزئيا، وهو ما لا يمكن استبعاده خصوصا بعدما أعلنت الولايات المتحدة إرسال حاملتي الطائرات "يو أس أس جيرالد فورد" و"يو أس أس أيزنهاور" وسفن دعم لهما، ونحو 2000 من مشاة البحرية، فضلا عن بطاريات "ثاد" وبطاريات إضافية من نظام "باتريوت"، فضلا عن بعض التعزيزات الأخرى الغير المعلنة. ورغم تأكيد البنتاغون بأنه لا يريد توسيع رقعة الصراع، إلا أن التحالف الغربي الواضح مع إسرائيل مستمر في تقديم الدعم المتواصل لإسرائيل لجرائمها عبر الزيارات المتواصلة لرؤساء الدول والحكومات من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، كل هذه المعطيات تؤشر على إمكانية اتساع دائرة الصراع.
في هذا السياق يمكن قراءة التصريحات الأخيرة للرئيس الروسي بوتين التي اعتبر فيها بأن "العالم الأمريكي ذو الهيمنة الأحادية ينهار ويصبح تدريجيا جزءا من الماضي" معتبرا أن "الأمم المتحدة تتعرض للاضطهاد"، وتأكيده أن "مساعدة الفلسطينيين لا سبيل لها إلا بقتال من يقفون وراء الصراع ونحن نقاتلهم في أوكرانيا"، كل هذه المعطيات تؤكد أن موقع روسيا على الساحة الدولية سيتحسن بالنظر لاستفادته من التورط الأمريكي المباشر في الحرب، وبالنظر للمكتسبات التي يحققها في حربه في أوكرانيا، في مقابل تراجع الدور الأمريكي الذي فقد جزءا كبيرا من مكانته الاعتبارية والأخلاقية، وهو ما يسمح بالحديث عن تحولات جديدة على صعيد النظام الدولي ستنعكس إيجابا على تطورات القضية الفلسطينية، خصوصا إذا نجحت المقاومة في الحفاظ على مناعتها وعجز العدو الصهيوني عن تحقيق أهدافه المعلنة، وهو ما سيفتح الآمال أمام تحرير الأرض والإنسان، عبر مبادرة جدية لتسوية مقبولة للقضية الفلسطينية، بناء على الواقع الجديد..وهو أحد السيناريوهات المحتملة.
ماذا عن السيناريوهات الممكنة في المستقبل؟
في سنة 1996، أي قبل 27 سنة نظمت أكاديمية المملكة المغربية ندوة دولية تحت عنوان "وماذا لو أخفقت عملية السلام؟"، كان عنوانا استشرافيا موفقا يعكس الحس الاستباقي للملك الراحل الحسن الثاني وقدرته على وضع السيناريوهات المختلفة لتطور الأحداث، كان عنوان الموضوع من اقتراحه خصوصا وأن الأسس التي بني عليها اتفاق أوسلو جعلت منه تسوية غير عادلة، وجعلت الكثيرون يتوقعون انهياره إذا لم يتم تدارك الموقف، كانت توصيات الندوة وخلاصاتها تشدد على ثلاث عناصر أساسية:
– ضرورة تغير السياسة الإسرائيلية – ضرورة بناء جبهة عربية موحدة – دور ضامني السلام الدوليين.
مرت ثلاثون سنة على اتفاق أوسلو، لم تتغير السياسة الإسرائيلية بل ازدادت تطرفا، ولم يتمكن العرب من بناء جبهة موحدة بل ازدادوا تفرقا، وتبخرت الضمانات الدولية للسلام بالانحياز المكشوف والتواطؤ العلني للقوى الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية للسردية الإسرائيلية ودعمها بالوسائل العسكرية والسياسية.
اليوم هناك حاجة مستعجلة لوضع سيناريوهات ما بعد طوفان الأقصى، وعلى صانع القرار العربي أن لا ينجر إلى الحسابات السياسية المبنية على المعادلات السابقة، اليوم تغيرت قواعد الاشتباك وأصبحنا أمام معادلات جديدة.
السيناريو المتفائل هو نجاح المقاومة في تحصين نصرها الاستراتيجي، وذلك عبر خروجها سالمة من هذه الحرب، بغض النظر عن حجم الأضرار في الأرواح ولاسيما في صفوف المدنيين، وحجم الدمار الذي يلحق بالبنيات التحتية وبالعمران وبالأماكن المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني، وهذا البعد القانوني من الضروري أن يكون محل متابعة أمام القضاء الجنائي الدولي ، وقد أعلن المدعي العام للمحكمة عن اعتزام المحكمة فتح تحقيق قضائي في هذه الجرائم، وتحركت مجموعة من المنظمات الحقوقية لتبني هذه القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية، لكن ما يهمنا أن هذا السيناريو سيؤدي إلى فتح آفاق جدية لسلام حقيقي في المنطقة، أعتقد أن حماس ستكون مستعدة للانخراط فيه بناء على المعادلات الجديدة.
أما السيناريو المتشائم، فهو نجاح مخطط القضاء على المقاومة وعنوانه القضاء على كتائب عز الدين القسام والفصائل العسكرية الأخرى، قضاء نهائيا، كما أعلن قادة الاحتلال الإسرائيلي، وكما تعززه الممارسة الأمريكية على الأرض، وهو ما يعني نهاية القضية الفلسطينية وتصفيتها بشكل نهائي، ويمثل تهديدا حقيقيا للأنظمة العربية وتشجيعا للمنظور التوسعي للمشروع الصهيوني المدعوم أمريكيا وأوربيا.
في ضرورة تطوير موقف عربي سريع معاكس لنظرية دينيس روس الصهيونية..
في مقالة دينيس روس التي أشرت لها سابقا تحريض كبير ضد حماس إلى درجة القول بأن احتفاظ حماس بقوتها يعني أن "جزءا كبيرا من الشرق الأوسط سيبقى رهينة لأهدافها"، ويعتبر بأن الحملة البرية ستكون باهظة الثمن ولكنها ضرورية لأن هزيمة حماس لن تتم بالضربات الجوية فقط، ويعتبر أن هزيمة حماس تعني فقدان القدرة على شن الحرب في غزة وفقدان القدرة على إعادة بناء القدرات، ويضمن بقاء إسرائيل في غزة بعد انتهاء القتال حتى تتمكن من تسليمها إلى نوع من الإدارة المؤقتة لمنع الفراغ، هذه الإدارة تتشكل من تقنوقراط فلسطينيون – من غزة أو الضفة الغربية أو الشتات – تحت مظلة دولية، تشمل الدول العربية وغير العربية، فعلى سبيل المثال، يمكن للإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب ومصر توفير الشرطة لضمان الأمن للإدارة المدنية الجديدة والمسؤولين عن إعادة الإعمار، ويمكن للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر توفير الجزء الأكبر من التمويل لإعادة الإعمار، ويمكن لكندا وغيرها أن توفر آليات رصد لضمان أن تذهب المساعدة إلى أغراضها المقصودة، كما يعتبر بأن إدخال المساعدات إلى غزة بسرعة وبدء جهود إعادة الإعمار بمجرد توقف القتال يمكن أن يساعد في إظهار السكان أن الحياة يمكن أن تتحسن عندما لا تعود حماس يحتاج القادة السياسيون في إسرائيل إلى التأكيد بوضوح وعلانية على أنهم سيغادرون غزة ورفع الحصار بعد هزيمة حماس عسكريًا.
إن التحليل الذي يقدمه دينيس روس يكشف بوضوح عن النظرة الصهيو-الأمريكية للأنظمة العربية، التي ينحصر دورها باختصار في خدمة المشروع الصهيوني بشكل وظيفي والتعامل معها باعتبارها فاقدة لمقومات الانتماء للأمة العربية الإسلامية، وتجاهل مشاعر ملايين العرب والمسلمين الذين نزلوا للساحات للتعبير عن مساندتهم للقضية الفلسطينية ورفضهم للعدوان الصهيوني، وهو ما يعني المزيد من تعميق الهوة بين الأنظمة العربية وشعوبها وتوفير الشروط المشروعة لانتفاضات جديدة في العالم العربي تؤدي للمزيد من الاستنزاف والاحتراب الداخلي والمزيد من التجزئة والضعف والتفكك.
رئيس الوزراء ومدير المخابرات الأردني الأسبق أحمد عبيدات قال بالحرف: "إذا هزمت المقاومة الفلسطينية في معركة الطوفان سيبدأ مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وسينقل الصراع إلى الأردن"، واعتبر عبيدات أن الأنظمة العربية المحيطة بفلسطين المحتلة إذا أرادت البقاء فضمانتها للبقاء حاليا اسمها : المقاومة الفلسطينية، وقال: "إن حالة الغليان في العالم العربي سيكون لها ما بعدها، ولن تقف عند هذا الحد".
لذلك، وبناء على ما سبق:
فإن الموقف السريع المطلوب عربيا هو بعث الرسائل المباشرة برفض العدوان عبر وقف مسلسل التطبيع وقطع العلاقات مع دولة الاحتلال، لأن استمرار التطبيع مع الكيان الصهيوني يعني توقيع شيك على بياض لاستمرار إسرائيل في جرائمها، وفي هذا السياق لابد من تقييم الموقف العربي والإسلامي وبحث ممكنات تطويره في اتجاه خدمة مشروع التحرير الفلسطيني والتحرر من وهم إمكانية بناء علاقات طبيعية مع دولة الاحتلال لخدمة مصالح الدولة العربية القطرية، والاستثمار في تقوية الجبهات الداخلية والمصالحة مع القوى الحية في البلدان العربية لتعزيز مواقفها وتحصين مواقعها أمام دول التحالف الغربي التي كشفت عن نواياها الحقيقية.
ثانيا، بناء موقف عربي وإسلامي موحد والضغط بكافة الوسائل من أجل وقف العدوان وحماية الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية المتواصلة وضمان وإطلاق قوافل المساعدات الإنسانية لإنقاذ الشعب الفلسطيني وإعادة إعمار ما هدمته الحرب.
ثالثا، الضغط من أجل إعادة النظر في مسار التسوية عبر ربط أي مشروع للسلام بحقيقة الاحتلال وما ارتكبه من جرائم تاريخية في حق الشعب الفلسطيني تتجاوز بكثير المزاعم المتعلقة بالأساطير المؤسسة للدولة الإسرائيلية..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.