شهِد النصف الأول من السنة الجاري عدة كوارث طبيعة طالت بلداناً كثيرة، إذ سجّلت درجات الحرارة والعواصف المطرية في عدة بلدان أرقاماً قياسية. ونتجت عن ذلك حرائق واسعة وفيضانات عنيفة وذوبانا للجليد. وكأن الصيف يسدل الستار على تسابق في عدد الضحايا بين كارثة الزلزال في المغرب والفيضانات في ليبيا، حيث يستمر العدُّ بالآلاف. ولا يمكن أن تُعزى جميع أحداث هطول الأمطار الغزيرة إلى تغيُّر المناخ، إذ إن عوامل أخرى، كالتقلُّبات الطبيعية والتغيُّرات في استخدام الأراضي، قد تلعب دوراً كبيراً. وخلص تقرير جديد يتعلق بالتقييم السادس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ إلى "أن زيادة تواتر وشدّة هطول الأمطار الغزيرة في معظم مناطق اليابسة ترتبط بالنشاط البشري المسبب لتغيُّر المناخ". ويتوقّع التقرير وفق ما نقلته عنه جريدة "الشرق الأوسط" أن يصبح هطول الأمطار الغزيرة أكثر تواتراً وشدّة مع زيادة الاحترار. وبلغت قوة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز بالمغرب سبع درجات على سلم ريشتر وأودى بحياة ما يقرب من ثلاثة آلاف وأوقع أكثر من 5500 مصاب، وفقا لأحدث الأرقام الرسمية إلى حدود الأربعاء المنصرم. وشهدت تركيا وسوريا في فبراير الماضي "زلزالاً من أسوأ الزلازل خلف أكثر من 50 ألف ضحية ودماراً واسعاً وأكثر من 25 مليون متضرر". ووصلت العاصفة دانيال إلى ليبيا فسجلت كارثة كبيرة بعد ظهر الأحد المنصرم على مستوى الساحل الشرقي لليبيا وضربت مدينة بنغازي قبل أن تتجه شرقا نحو مدن في الجبل الأخضر، مثل شحات (قورينا) والمرج والبيضاء وسوسة ودرنة وهي المدينة الأكثر تضررا. وانهار السدان الرئيسيان على نهر وادي درنة الصغير ما تسبب في انزلاقات طينية ضخمة دمّرت جسورا وجرفت العديد من المباني مع سكانها. وأعلن مسؤولون من السلطات في شرق البلاد تقديرات مختلفة لعدد الضحايا الذين تجاوز عددهم 3800 شخصا قضوا في الفيضانات إضافة إلى آلاف المفقودين. ويرجح أن الحصيلة إلى ارتفاع. وأفاد مسؤول في الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر عن حصيلة قتلى «ضخمة» قد تصل إلى آلاف الأشخاص، بالإضافة إلى 10 آلاف شخص في عداد المفقودين. وتشرّد 30 ألف شخص على الأقل، بالإضافة إلى ثلاثة آلاف شخص في البيضاء وأكثر من ألفين في بنغازي، وهي مدن تقع في الغرب، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة. وتضرر 884 ألف شخص بشكل مباشر من الكارثة، بحسب المنظمة. كما شهدت خلال الشهر الجاري، بلدان شمال أفريقيا هطول أمطار مبكرة، كان أخطرها في ليبيا، حيث يُخشى وفاة ما يصل إلى عشرين ألف شخص نتيجة الفيضانات والسيول التي خلّفها إعصار «دانيال» في شرق البلاد. وكانت العاصفة المتوسطية العنيفة التي طالت مدناً ساحلية عدّة أدّت إلى انهيار سدود وجرف أحياء بأكملها، لا سيما في مدينة درنة التي أُعلنت منطقةً منكوبةً. وفي 7 غشت المنصرم شهِدت العاصمة الصينية هطول أمطار غزيرة قاربت 745 ملم، وهي الأعلى في يوم واحد منذ بدء رصد أحوال الطقس في 1883. وتسبب ذلك في مصرع 33 شخصاً و18 مفقوداً، وانهيار وتضرر أكثر من 200 ألف منزل. وفي الأسبوع التالي، وصلت الحرارة في مقاطعة شينجيانغ إلى 52.2 درجة مئوية، وهو رقم قياسي جديد في الصين. وخلال النصف الأول من 2023، شهِدت القارة الآسيوية مجموعة من الأحوال المناخية التي أودت بحياة الكثيرين، أبرزها موجة البرد التي أصابت أفغانستان في 10 يناير التي "وصلت إلى 33 درجة تحت الصفر". وأودت بحياة أكثر من 160 شخصاً، وكذلك إعصار "موكا" الذي اجتاح ميانمار في ماي وتسبب في وفاة نحو 500 شخص وأضرار تقارب 1.5 مليار دولار. كما أسفر إعصار "بيبارجوي" عن مقتل أكثر من 12 شخصاً في الهند خلال شهر يونيو. كما عانت البلاد من موجة حرّ شديدة أدّت إلى انقطاع التيار الكهربائي عدة مرات ووفاة ما يقرب من 170 شخصاً. ومنذ يوليوز، تستمر الفيضانات غير المسبوقة في الهند في حصد الأرواح، حيث تسببت حتى الآن في وفاة أكثر من 100 شخص. لم يكن النصف الشمالي من الكرة الأرضية هو الوحيد الذي عانى من ارتفاع الحرارة. ففي غشت شهِدت البرازيل ارتفاعاً قياسياً في الحرارة بلغ 41.8 درجة مئوية في مدينة كويابا في منتصف الشتاء. وطالت موجة الحرّ جزءاً كبيراً من البلاد، مما دفع الآلاف من سكان ريو إلى الشواطئ. وفي جنوب البلاد، شهِدت ولاية ريو غراندي في 6 شتنبر "أسوأ كوارثها المناخية، حيث تسبب إعصار في أمطار ورياح غزيرة أودت بحياة 27 شخصاً على الأقل". وكان ما لا يقل عن 40 شخصاً فقدوا حياتهم بسبب "فيضانات وانهيارات أرضية في ولاية ساو باولو خلال فبراير الماضي". كما أدّت حرائق الغابات في جنوب وسط تشيلي خلال الشهر ذاته إلى مقتل 24 شخصاً وإصابة نحو ألفي شخص، وإحراق أكثر من 800 ألف فدان من الأراضي.