على سبيل البدء : تقتضي المقاربة الفكرية للسياسة العامة لإعداد التراب الوطني بداية، إعمال النظر المفاهيمي، وذلك بما يستوعب التعريف الإجرائي لهذه السياسة، حين تستهدف تأطير التدخلات العمومية وفق مقاربة ترابية تدعم مسار الاختيار الجهوي في تدبير المشاكل العمومية وتنمية المجالات الترابية، وبما يتجاوزه -التعريف الإجرائي- إلى استحضار وتفعيل الحد الماهوي لسياسة إعداد التراب اللائح -تأثيلا وتأسيسا- في البعد المعرفي والقيمي الذي يحيل إلى رسالة المعنى في تدبير المجال. إنها الرسالة التي تنسجم وشروط الصناعة المفاهيمية، العلمية والمنهجية، التي لا تقيم للمفهوم اعتبارا ما لم يرتبط بإشكال إطاري عام، أو قل فكري، وفقا للفيلسوف الفرنسي جيل دولوز؛ وهو إشكال مقالنا المتعلق بالحاجة ومداها للمحددات الفكرية في التأسيس للزمن التعميري ولكل سياسة عامة أصيلة في إعداد التراب الوطني، باعتبارهما (التعمير وإعداد التراب) حضورا نسقيا في مجال الأكسيولوجيا والقيم المجتمعية، أي باعتبارهما مجالا للاجتماع الإنساني الذي تبنى فيه الشخصية والطبائع والأخلاق وفقا لأستاذنا عبد الوهاب التازي في المدينة في تاريخ المغرب العربي. هذا وتتحدد فرضية/أطروحة المقال في أولوية التخطيط الفكري في أي سياسة لإعداد التراب، باعتباره تخطيطا يتحدد به مضمون الهوية والانتماء للمجال، على اعتبار الفكر هو ما يرسم ويخطط حدود المجال وتفاصيل علاقاته، وهو ما يجعل الادعاء التكنوقراطي في طابعه التقنوي، بأن حلول المشكلات مضمن في التخطيط التقني مبتورا عن الخصائص الإنسانية والاجتماعية، يشكل أزمة منهج على طريقة قياس الشبه الذي ينظر فيما عند الآخر تشبيها وتخييلا، ويلغي شخصية المجال باعتباره فضاء للتمايزات الفكرية واختلاف التحيزات المعرفية والنماذج القيمية، وهو ما يجعل من سياسة إعداد التراب تدخلا مستعارا فاقدا لقوة الإنجاز ودليلا على رخاوة الانتماء للمجال. وفي معرض الإجابة على إشكال مقالنا، فإنه من الأهمية اقتراح خريطة إدراكية لسياسة إعداد التراب، بما يستوعب الارتباط العضوي بين التعمير وإعداد التراب الوطني، باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، وفقا لما أكده الخطاب الملكي بتاريخ 26-01-2000، بمناسبة اللقاء الوطني حول إعداد التراب الوطني، ووفقا كذلك لخلاصات الحوار الوطني للإسكان والتعمير بتاريخ 16 شتنبر 2022، ومخرجات الحوار الجهوي للإسكان والتعمير بتاريخ 21 شتنبر 2022. ثم ننتخب مبحثان اثنان يتفرعان عن طبيعة الإشكال المطروح وطبيعة المقاربة المعتمدة؛ أولهما يرتبط بأهمية اتصال المجالي بالإنساني، باعتباره مبحثا في أنسنة التعمير وسياسة إعداد التراب، والثاني يتعلق بدور المدركات الجماعية في التخطيط العمراني (التعمير) والمجالي (سياسة إعداد التراب)، وذلك باعتبار هذه المدركات ترجمة اجتماعية-جماعية لمبحث الأنسنة السابق. في الخريطة الإدراكية لإعداد التراب : هكذا، فإن إعمالا متأنيا للعصف الفكري حول مضمون المقاربة الترابية المعتمدة في إعداد التراب، يحيل إلى خريطة إدراكية تزاوج بين نظام اللامركزية الإدارية كما في الفصل 137 من الدستور، حيث يعتمد هذا النظام التراب/المجال وحدة تحليل أساسية تشكل الفضاء لالتقائية واندماجية السياسات العمومية وفقا للفصل 13 من الدستور، بما تحيل إليه هذه الالتقائية والاندماجية من رهانات ومساعي بلورة حكامة ترابية لامركزية في إعداد التراب؛ وكذا نظام اللاتمركز الإداري الذي يعد إقرارا لمنظومة اللاتركيز لفائدة الوحدات الإدارية اللاممركزة التي تدور وجودا وعدما والقيمة التي وجدت من أجلها، والتي تتحدد في مساحة الصلاحيات المنوطة بالفاعل/المواطن/الإنسان باعتباره وحدة تحليل هذا النظام، والتي تشكل في العمق إرادة الانتقال إلى أنظمة ترابية متكاملة ومندمجة، من خلال تشييد وتفعيل الروابط بين المجالات الترابية، وهو ما لا يتأتى إلا بمواكبة المجالات الترابية، الجهوية منها خاصة، من خلال تفعيل تخطيط ترابي متجدد يستند إلى المرونة الترابية التي تعبر عن العلاقة المركبة بين آليات-وثائق هذا التخطيط، وفقا لمركزية التصاميم الجهوية لإعداد التراب كآلية رافعة للتنمية الوطنية وفقا للمادة 88 من القانون التنظيمي 14.111 المتعلق بالجهات والمرسوم 2.17.583 القاضي بتحديد مسطرة إعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب. من ثم، يشكل التخطيط الترابي، ومن خلاله التصاميم الجهوية لإعداد التراب، ضرورة حتمية في بناء أنظمة ترابية مندمجة، باعتبارها آلية تفعيل اختيارات السياسة العامة لإعداد التراب الوطني، والماثلة في تثمين مسار الجهوية المتقدمة، وتعزيز التوازن المجالي، فضلا عما توفره من أرضية للمخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية (إقليميا) وتصاميم التهيئة والتنمية (محليا)، ما يجعلنا أمام التخطيط التحفيزي للتنمية الاجتماعية الشاملة، التي تقطع مع الرؤية النفعية والمجزأة، التي يصير فيها المجال مناطق وظيفية نافعة أو غير نافعة، وذلك في أفق اندماج متفرد ومستقل يعزز تنافسية المجالات، وفاعل متكامل يُغَلِّب التوازن والتضامن المجالي. إنها اندماجية ترابية وطنية شاملة تحد من التفاوتات المجالية وتكرس العدالة المجالية، أو ما يمكن تسميته بالولوجية المنصفة، التي توفرها سياسة إعداد التراب، وذلك حين يمتد أثر هذه العدالة مرة أخرى للفاعل/المواطن/الإنسان؛ لكل إنسان في عيشه الكريم. في اتصال المجالي بالإنساني : ذلك العيش الذي لا يتأتي إلا باتصال المجالي بالإنساني، باعتباره -من الناحية الإبستيمية- اتصالا بين بنية المجال من حيث كونه امتدادَ "التنمية" في الفراغ، وأثره على بنية الإنسان الذي يشكل الإرادة المتعالية المنتجة والقائمة بهذه "التنمية"، اتصالا جدليا، حين تصلح بنية المجال بصلاح بنية الإنسان كإرادة واعية، وكذا حين يوفر المجالُ الفضاءَ الذي يأوي إليه الإنسان ليسكن فيه، باعتبار السكن يتجاوز الحاجة المادية للاستقرار إلى اعتبار أبعاده الرمزية/الجمالية في الواقع، بما يشمل حاجة الانتماء إلى الفضاء الإنساني، وتحقيق التواصل الإنساني في بعده الاجتماعي/الجماعي. من ثم، فإن الانشغال عن تفعيل اتصال المجالي بالإنساني من خلال أنسنةٍ لسياسة إعداد التراب، انشغال عن الحاجات الوجودية للمواطن/الإنسان في أبعادها المركبة، المادية والرمزية، الفردية والجماعية، وعن أهمية العناية بأولوية عمارة الإنسان، بشكل ينذر بتقليص وعيه الوجودي، واختزال كينونته الحضارية الفاعلة، إلى مستوى المستهلك العالة على زمنه؛ وما الزمن إلا زمن قيمي، يكتسب فيه المجال بصمة الإنجاز والفعل الإنساني، أو يتحول فضاء للاستهلاك، وليس هناك أبلغ من استهلاك "علامات التميز" بلغة بيير بورديو، حين يصير المجال، سوقا تصنع مادة التفكير وتشكل نظام الحياة، ويتحول معه الإنسان رقما بلغة فرانز كافكا، وكائنا اقتصاديا بلغة دانيال كوهن، وإنسانا مستهلكا وفقا لجيل ليبوفتسكي، في السعادة المتناقضة، مقاله عن مجتمع الاستهلاك المفرط. والحالة هذه، أي حين يغيب اتصال المجالي بالإنساني لصالح المجال/السوق، ووفقا لهربارت ماركوز في كتابه الإنسان ذو البعد الواحد، يجد الإنسان نفسه في مجال الأشياء التي تكيف الحياة، وتوحد المجتمع مع الوجود القائم وفقا لشِرعة الاستهلاك، التي يجد فيها المجتمع تحقيقا وتلبية تمارس استلاب "الإنساني" لصالح المواطن النموذج الماثل في كل مكان وتحت شتى الأشكال، حتى أنه "ينسى أين يولد" كما عند ميلان كونديرا في رواية الجهل، في إحالة واضحة إلى ما يفترض في أي سياسة لإعداد التراب، وأيَّ تدخل في المجال، من الحفاظ على ذاكرة الوطن وذاكرة أهله وبنيه، ذاكرة الإنسان من كل طمس قيمي " كالغدد التي تسبر، في عمق وبتستر، حياتنا الفيزيولوجية ونحن غافلون، تمام الغفلة، عن نشاطها الهائل" وفقا لمحمد عزيز لحبابي في كتابه من المنغلق الى المنفتح. وفي رصد أسباب مشهد الطمس الكامن، الذي يتأكد على قدر تلاشي مقومات التأنسن في مشهد الاجتماع المفترض انسجامه وتوازنه، وما ينجم عنه من التدفقات البشرية الكثيفة العدد، المفتقرة للرابطة والمعنى، والتي تفرضها ظواهر التمدن وما يواكبها من انفجار حضري، يمكن الإحالة إلى ضرورة التفاعل مع دينامية السياسة الرأسمالية في تدبير الميدان العقاري، حيث المجال خاضع لقانون السوق ومنطقه في العرض والطلب، مرورا بالمقاربة التكنوقراطية التي تخطط في حدود التقني الهندسي مقطوعا عن الإنساني والتاريخي والاجتماعي، انتهاء بضرورة استهداف تنمية لامادية تستوعب الجواني والرمزي في الإنسان، استيعابا يشرك الإنسان في إنتاج مجاله، ويحمله على الإبداع، ويؤهله للإنجاز الخالد الذي يعيش أثره قرونا بعد أن يموت الإنسان. وتلكم تنمية مستدامة من نوع آخر!!! في دور المدركات الجماعية/الاجتماعية في سياسة إعداد التراب الوطني : حيث لا تتوقف الهندسة الاجتماعية للمجال على مجرد استهداف العمليات التنموية الكبرى ذات الطبيعة الاجتماعية، كأن يتعلق الأمر بتعزيز جغرافية الإنصاف أو تقليص الفوارق المجالية، على أهمية ذلك في إدماج الفئات الاجتماعية المختلفة في مسار التنمية الاجتماعية؛ وإنما كذلك وبالأساس إلى التخطيط الفكري ونحن نبني سياستنا التعميرية أو سياستنا في إعداد التراب. نريد القول أن صفة "الاجتماعي" لا تعد مجرد بعد من أبعاد التدخل في المجال حتى تنحصر في مجرد سياقاتها العملياتية، وإن على أهميتها البالغة، وإنما هي في الأصل طريقة في الرؤية ومعاينة الوجود، لا تَعتبر التفاعلات النظمية في تدبير المجال من حيث بنيتها أو وظيفتها، إلا بقدر ما تأخذ بالاعتبار عناصر البنيةَ الفوقية الحاكمة لكل تدخل في المجال، وذلك باعتبارها البنية الأقدر على بناء مجتمع دائم مستقر، كما عند أستاذ علم الاجتماع الفرنسي يان سبورك في أطروحته حول سبل البحث عن المعنى والفهم للعالم الاجتماعي، وإلا نؤول بتعبير إدريس مقبول في تحفته الفنية الفائزة بجائزة المغرب للكتاب، الإنسان والعمران واللسان، إلى تعمير مستعار يفقد السيطرة والسيادة على الواقع، لفقده قوة الإنجاز، متى تم الإنجاز خارج سياقه المحلي (الوطني)، فيصير دليل النفي ورخاوة الانتماء، على اعتبار الفكر هو ما يرسم ويخطط حدود المكان، وعلى اعتبار -وكنتيجة لذلك- أنَّا لا نتكلم سوى مجالاتنا، حين نخطط لمدننا وقرانا، ومتى لم يكن التخطيط فكريا صارت مجالاتنا مختبرا اجتماعيا لسياق التماهي الأصم مع طرائق الآخر وأنماطه في العيش، دون سياق الأصالة القائمة انسجام أساليب إنتاج المجال بالوعي الجمعي المغربي الذي تعبر عنه المدركات الجماعية للأمة المغربية التي لم تكتمل وتستقر مجتمعا إلا بها. إن حضور المدركات الجماعية في التخطيط العمراني-المجالي باعتبارها المبادئ المرجعية التي تميز السلوك الإنساني وتنتقل به من المستوى الفردي الخاص، إلى مستوى السلوك الجماعي العام، بما يشكل ناظما سلوكيا للوجود الاجتماعي وللعلاقات الاجتماعية -كما عند أستاذنا البروفسور سعيد خالد الحسن، في سفره الماتع: نظرية القيم، المدركات الجماعية- المانع الأوحد لأزمات إنتاج المجال، وأول بيان اجتماعي لها، ما يتعلق باعتماد التخطيط التقني مبتورا عن الخصائص الإنسانية والاجتماعية الذي يجعلنا أمام منهج في التقليد، وهو ثاني بيان اجتماعي لأزمات إنتاج المجال، حيث تقليد التدبير الثقافي الأورومغربي، الذي أتاح المجال لتحرير المبادرة لامتصاص وفرة الأزمات، فتم الانتقال بالمجتمع من الدار المغربية العربية الأمازيغية الأندلسية الإسلامية إلى الشقة التي تحول فيها الإنسان المستفيد إلى مفعول به فاقد للأهلية والخصوصية، من خلال الأشكال الهندسية اللبرالية ورغبتها الملحة في الربح القائم على استغلال المساحة لاستخراج أقصى ما يمكن من الأقفاص الحديدية الضيقة كما يصور ذلك ديزموند موريس في كتابه حديقة الحيوان البشرية (Human Zoo)، حيث يُنتج التكدس الإنساني العدوانية والأنانية، وينتقل بالإنسان من التعايش الى التوحش، ومن المسالمة إلى الخوف السائل بلغة عالم الاجتماع البولندي زيجمونت باومان. وفي سيرورة الإنتاج الحضري من الدارالأصيلة إلى الشقة الوافدة ثالث بيان اجتماعي كامن لأزمات إنتاج المجال، لاعتبار الشقة تمثلا هندسيا-واقعيا لصيرورة التمدن الكثيف، الذي يرمز إلى أنماط التبادل الاجتماعي الفرداني-الرأسمالي وفقا لأستاذ علم الاجتماع الحضري عبد الرحمن رشيق، وهي الأنماط التي تتجسد في سوسيولوجيا تَقلُّص المشترك واتساع الحيز الخاص في مشهد التكدس البارد لسكان شقق العمارة الواحدة، حيث التناقض بين الاقتراب الفضائي وعدم المعرفة بالجار المحاذي؛ وكذا سيادة نمط الاجتماع التعاقدي في الأسرة النووية (Nuclear Family)، في مقابل ما تحيل عليه الدار من رمزية نمط الاجتماع التراحمي في الأسرة الممتدة (Extended Family) بسبب حجم التماسك العضوي بين أفرادها؛ هذا فضلا عما يؤكده تَقلُّص المشترك واتساع الحيز الخاص من أمراض التمدن، لمَّا تجيد المدينة صناعة المسافة، فتصير الشهرةُ صناعةً في فضاء الاغتراب الإنساني المديني، وذلك مقابل اتساع المشترك في القرى والمدن العتيقة، والذي يزكي منطق الحوار والجوار وشهرة الكل لدى الكل، وكذلك مقابل ما تتيحه المدينة العتيقة من حركة حضرية تنتقل من ضيق الأزقة وتقارب المساكن وما تعبر عنه من التعايش والتماسك في تشابه مثير للواجهات، تفاديا لكل المقارنات الاجتماعية المستفزة. إنه الضيق الذي يفضي الى الانغلاق للجمال الداخلي، الذي يستبطن الخلو من مظاهر الخيلاء واهتمام الإنسان بدلا من ذلك بداخله الأخلاقي وداخل بيته جمالا وحُرمة، في دعوة إلى اكتشاف الداخل الذي سماه راشد الجيوسي في كتابه الإسلام والتنمية المستدامة: رؤى كونية جديدة، بالمعنى العميق للجمال، في مقابل الانفتاح على الخارج الذي يميز الشقة كنموذج لتصميم العمارة الغربية، حين تصبح الواجهات استعراضا حضريا ووسيلة للظهور الاجتماعي. ومن تقلص المشترك واتساع الحيز الخاص إلى انسداد الخاص الذي يناقض أخلاقية الفعل في تعميم الانتفاع، عندما يتحول الخاص -من جهة أولى- إلى توزيع مكاني للثروة في مشهد من الاستبعاد الاجتماعي الحاد والعنيف الذي تمارسه مجالات الخدمات التعليمية والصحية الخاصة، وكذا بوابات الإقامات السكنية المغلقة ضدا على عابري السبيل المارين عرَضا وعلى سكان الأحياء المجاورة؛ وكذا عندما يتحول الخاص -من جهة أخرى- إلى توزيع مكاني للفقر في الفضاء العمومي، حين تتدنى قيمة الفضاء بتدني قيمة خدماته لمرتفقيه بما يخفض نوعية حياتهم ويذكي فيهم مشاعر العجز والاغتراب… على سبيل الختم، من أجل منهج متكامل في إعداد التراب : إن أدنى إلمام بالإطار المرجعي لسياسة إعداد التراب الوطني، بدءا بالإطار الدستوري والإنتاج الخطابي الملكي، ومرورا بتوجهات النموذج التنموي الجديد، وانتهاء بالتزامات المغرب الدولية في هذا الشأن، كفيلة بإدراك أن الحاجة إلى آليات التخطيط الاستراتيجي الأداتي الهادفة إلى تحقيق الإنصاف المجالي والرفع من التحديات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، إنما تشكل الأسلوب لكل الرؤى الاستشرافية الطموحة والتي تشكل الدعوة إلى منهج متكامل في إعداد التراب ينطلق من المكان وينتهي إليه، تحت مسمى "العودة إلى المجال" وفقا لمخرجات الحوار المجالي ليونيو 2022، وذلك من حيث : 1. أن الوجود في المكان تعبير عن هوية مجالية أصيلة، تصنع طريقة العيش المتماسك، ليس وحسب بين المدن والقرى، وإنما أيضا داخل المجال القروي بالنظر في آفاق تطوره، وداخل المجال الحضري باعتبار المدينة هي من سيحدد مستقبل الحياة، وذلك في سياق التحدي المتنام الذي ينذر باختزال المجال العام لصالح المجال الخاص كعائق مانع للاختلاف الذي يعد العامل الرئيس في العيش المشترك؛ 2. الذي يؤهل للإسهام في تحقيق الزاد الإنساني العام من خلال حركة التمدين الإنساني، خارج أي منطق الحاقي بالنموذج الصناعي الاستهلاكي المنقطع عن المقدمات الفكرية؛ 4. وهي ذاتها المقدمات التي تشكل المَعبر ل "التنمية الموزعة" التي تراعي مكونات المجال وإمكاناته في إنتاج التنمية الوطنية؛ 5. وفقا للتدبير العقلاني للموارد الطبيعية وما يستتبعه من ضرورة اعتماد النظم الإيكولوجية التي تمد التنمية بأسباب الاستدامة وتمد الأجيال بأسباب البقاء.