في هذا الحوار يعود صاحب «كازا نيگرا» ليبرر اختياره في هذا الاتجاه ويقدم قراءة نقدية لرؤية السياسيين للثقافة والفن، دون أن يغفل انتقاد الحكومة الحالية على دفاتر التحملات الخاصة بالتلفزيون العمومي، دون أن يعترف لها بأي فضل في الحرية التي تعرفها السينما المغربية، والتي يقول إنها سبقتها ولا تستطيع التراجع عنها. { أي طريق قاد لخماري إلى السينما، بداية؟ عشت في حي أغلب سكانه عمال وبحارة بآسفي التي ولدت بها؛ ما يعني أننا لم نكن نحن أطفال ومراهقي ذلك الحي نوجه من قبل آبائنا، بخصوص الكيفية التي يمكن أن نعبر بها عن ذواتنا، فكانت وسيلتنا الوحيدة للتعبير ولاكتشاف العالم هي السينما. كنت رفقة مجموعة من أصدقائي نشاهد أفلام «الكوبوي» والأفلام الصينية والهندية، وكنا نحيك سيناريوهات أفلام مختلفة عنها، احتفظت بها ذاكرتي في صور إلى حين شاهدت فيلم «طاكسي درايفر». لم تكن المدرسة هي التي ساهمت في تكوين شخصيتي وفلسفتي ورؤيتي للحياة، لأن التحصيل المدرسي كان يهدف بالأساس إلى النجاح نهاية السنة، تكويني انطلق من دار الشباب والسينما تحديدا عبر أفلام مختلفة. في ذلك الوقت بالذات، بدأت في طرح الأسئلة، وبدأت أعرف اتجاهي، فكنت أردد أني سأكون مخرجا سينمائيا، وكان كل من حولي يسخر من ذلك ويردد: «السينما غادي ضحك فيك الناس، خصك تكون طبيب أو مهندس باش تعيش». هاجرت إلى فرنسا لدراسة الصيدلة، لكني لم أستطع مسايرة الأمر، فاتجهت نحو النرويج. هناك، حاولت دخول مدرسة السينما، لكنه لم يتم قبولي لأني لم أكن أعرف شيئا عن كبار المفكرين والكتاب السينمائيين، فمررت بعدها للاطلاع على هذه الكتب ومعي رفيقتي النرويجية، ولم يكن عمري يتجاوز حوالي الثامنة والعشرين، واشتغلت بعدها على إخراج أول أفلامي «الصراع الصامت»، وأنا من الهواة آنذاك، فقد عالج الفيلم علاقة الإنسان بالموت، وهو ما ساعدني على تسجيلي بمدرسة خاصة بالسينما، حيث أخرجت أول فيلم قصير محترف، حمل عنوان «مذكرات قصيرة»، بعد سلسلة من الأفلام من إبداع الهواة. هذا الفيلم تمكن من المشاركة في مهرجان الفيلم الوطني للنرويج، وفاز بجائزة أحسن فيلم، وبعدها بدأ المشاركة في مهرجانات دولية. ومن خلال هذه التجربة، بدأت ثقتي بنفسي أنه يمكنني أن أكون مخرجا محترفا. { وتفرغت بعدها للاشتغال على السينما؟ أجل بدأت الاشتغال في السينما وفي الإشهار. { اشتغلت في الإشهار؟ أجل، لتحقيق مدخول مادي حينها. { شاركت بهذا الفيلم في المهرجان الوطني للفيلم في المغرب؟ أجل، تم استدعائي للمشاركة به سنة 1995 في المسابقة الرسمية للفيلم القصير، فدخلت المغرب بعد سبع سنوات من الغياب. { وما كان رد فعل عائلتك التي أرادتك صيدليا؟ والدتي لم تكن تعلم أني أشتغل في السينما، لأن هذه الأخيرة بالنسبة لها شبيهة بالسيرك. لكن حين علمت من الجيران الذين حضروا لتهنئتها بعد مشاهدتهم لي على التلفزيون إثر فوزي بالجائزة الكبرى فرحت وغيرت رأيها. ومن هنا، تيقنت أننا في المغرب نعيش من خلال نظرة المجتمع إلينا، لأن والدتي قبلت اشتغالي في السينما تبعا لقبول المجتمع. { السينما السوداء هي توجه لخماري، لم هذا الاختيار؟ السينما التي أصورها هي سينما إنسانية في عمومها، وفي المغرب هناك خلط بين السينما السوداء والسينما المتشائمة. { وما الفرق بينهما؟ هناك فرق كبير، السينما السوداء هي نوع من السينما بتقنيات معينة مختلفة، هي تركيز على التصوير ليلا وبإضاءات مختلفة، ولا تعني أنها انتقاد للمجتمع. { السينما بالنسبة لك هي بالضرورة تصوير للواقع ونقله بشكل مباشر؟ الفن يمكن أن نصور عبره كل شيء، والسينما منه، لذلك فهناك السينما الكوميدية وسينما الحركة والسينما السوداء، وأنواع أخرى عديدة، ونحن في المغرب لا نملك هذا التنوع، بالكاد بدأنا نطرق بابه، لذلك فالسينما ما تزال مبتدئة وفتية. وأعتقد أن السينما التي تنجح في المغرب لحد الآن تتمثل في نوعين: السينما الكوميدية والسينما السوداء. { وهل تعتقد أن هناك سينما كوميدية في المغرب؟ أجل، ومنها: فيلم «الطريق إلى كابول» وفيلم «البانضي». عموما هناك محاولات بات الجمهور يريدها رغم قلتها، وبصرف النظر عن معيار الجودة من عدمه. وما أريد أن أعود إليه أن المغاربة لا يعرفون معنى السينما السوداء، فكثير من النقاد يقولون إن السينما التي أشتغل عليها هي سينما «اقبيحة وقاسحة». { أعتقد أن المراد بهذا القول أن سينما لخماري سينما واقعية سقطت في المباشر، لاعتمادها لغة واقعية؟ هذا ليس مشكلا بالنسبة لي، لكني اشتغلت على مجموعة أفلام مختلفة عن هذا. { لكن فيلميك الطويلين لم تصور فيهما غير هذا؟ لكن هناك فيلم «النظرة»، الذي لا يتضمن هذه اللغة، هو فيلم شاعري. «كازا نيكرا» و«الزيرو» هما فيلمان عن الشارع، ولكي أصور هذا الأخير أحتاج أن أتكلم لغته، وأتبنى سلوكه. { لكن السينما تبقى فنا، وبإمكانك تصوير الواقع مرموزا بأن تنأى عن تلك اللغة «الخاسرة» المباشرة والمشاهد المشابهة لها؟ هناك فن وإبداع في كلا العملين، لكن تم تحوير النقاش من سينمائي إلى أخلاقي بالتركيز على اللغة المستعملة. وهذه مشكلة البلدان المتخلفة، وبالنسبة لي فموضوع الأخلاق لا يعنيني، لأني لست إماما أو طبيبا نفسيا، أو أحد السياسيين يمكنه الكذب، فأنا فنان أصور واقعا بطريقتي الفنية الخاصة، وأدخلت فيها شيئا من الكوميديا السوداء، سواء في حديثي عن البطالة أو موضوع التسامح مع الجسد، كما هو الشأن في فيلم «الزيرو». وهذا شأن بعض من يدعون أنهم نقاد، الذين يهربون من النقاش الفعال الذي من شأنه الرقي بالسينما، وبدل تحليل الفيلم سينمائيا بالحديث عن قيمته وتيمته، وأداء الممثلين مثلا، يمرون إلى الحديث عن الأخلاق التي لا علاقة لها بالفن. { في هذا السياق، بم ترد على من يقول إن السينما التي تشتغل عليها «سوقية» واخترتها لتبيع أكثر؟ أعتقد أن هذه الفئة لا علاقة لها بالسينما، لأن أفلامي لو كانت كذلك لما حصدت جوائز ولما جالت العالم، وما كانت لتلقى الإقبال، وتنجح ويشاهدها المغاربة على ذلك النحو الكثيف. وكثير من الأفلام المغربية لم تنجح رغم أنها اعتمدت «كلام خاسر». بالنسبة لي أنا كاتب سيناريو ومخرج، أتقاضى أجري من المنتج الذي يربح، ولا أتاجر لأن ذلك ليس هدفي. { هل معيار نجاح فيلم بالنسبة لك هو نسبة مشاهدته؟ المعيار الأول أن يلامس الشعور الإنساني لدى الجمهور، وأيضا الجوائز التي يحصل عليها، ففيلم «كازا نيگرا» مثلا حصل على أكثر من 25 جائزة عالمية، وكذلك تم اختياره للمشاركة في مختلف المهرجانات. { ذكرت النقاد، وتحدثت عن من وصفتهم بأشباههم، كيف تقيم عملهم عموما؟ في المغرب، لا نملك أكثر من ثلاثة أو أربعة نقاد من الذين يمتلكون قلما جميلا، وفكرا سينمائيا حقيقيا، ويمتلكون آليات النقد السينمائي، وغيرهم من المتطفلين على الميدان، شأنهم في ذلك شأن كثير من المتطفلين على كتابة السيناريو والإخراج. وهذا راجع لكوننا في المغرب مازلنا في مرحلة بناء وتكوين السينما. { بخصوص السيناريو، أين وصل مشروع إشرافك عليه ؟ للأسف الفكرة تراجع عنها المنتج الذي كان سيمولها، لأنه فكر بعد ذلك بمنطق الربح السريع. إذ أن الفكرة كما خططت لها تقتضي تكوين مجموعة من الشباب المتخرج من معاهد مختصة، والإشراف عليهم لمدة سنتين، على أمل أن نحصل على الاستفادة منهم في أفق 2017. وما نعانيه في المغرب أن لا أحد يفكر في الاستثمار في السينما على أمد بعيد، وهذا ما نحتاجه لتطويرها على نحو سليم. { أليس لدينا كتاب سيناريو؟ بلى، ما ينقصنا هو استثمارهم كما ينبغي، مقابل أجر مادي يتناسب والمجهود والمدة الزمنية التي يفترض أن يبذل فيها، والتي يجب أن تكون معقولة، كما هو الشأن في أوروبا وأمريكا. { على اعتبار أنك تكتب سيناريوهات أفلامك، ألم تفكر في استثمار أعمال روائية مغربية؟ بلى، أشتغل الآن على مجموعة منها لمجموعة من الأسماء، مثل: فؤاد العروي المقيم بهولندا، ومحمد خير الدين، وأفكر في سعد الشرايبي. أعتقد أن المشكل الحقيقي في السينما بالمغرب هو انعدام منتجين حقيقيين، يفكرون في الهم السينمائي، باستثناء واحد أو اثنين، وغيرهم دخل المجال كتجارة، ولا علاقة له بالفن أو السينما، ينتظر حصول المخرج على الدعم ليأتي هو ويتصرف فيه، وهذا ما يجعل عددا من المخرجين يتحولون للإنتاج رغما عنهم أحيانا. { وعلى هذا هل يمكنك أن تتحول إلى الإنتاج أيضا؟ لم أكن، ولن أكون أبدا يوما منتجا. { الفيلم الحائز للأوسكار، مأخوذ عن سيرة ذاتية، إذا فكرت يوما في الاشتغال على سيرة ذاتية لشخصية مغربية، من تختار؟ الكاتب محمد شكري والفنان محمد الغرباوي. { لماذا اخترت هذين النموذجين؟ لأنهما يمثلان نماذج إنسانية حقيقية، ضحت كثيرا، ومشوارها الغني أضاف لنا الكثير، رغم كونهما شخصيات عاشت في الهامش. هذه النماذج، نماذج المبدعين والفنانين هي الأحق بتكريمها وتصوير حياتها المكافحة في صور سينمائية. { من هو السينمائي الفنان برأيك؟ الفنان هو من يفتح عين العالم على الحقائق وعلى ماهية الأشياء من خلال الصور التي يقدمها، وهو لا يوجهه، هو يكتفي بإعطاء الإشارات لإثارة مواضيع معينة، كموضوع المرأة وعلاقتنا بذواتنا وغيرها من المواضيع الإنسانية. { وماذا عن علاقة السينمائي بالثقافة في المغرب؟ لدينا مجموعة من الفنانين لهم تكوين أكاديمي، يستظهرون أقوال كبار السينمائيين، لكن الكثير منهم لا يملكون رؤية فنية خاصة. الفنان إن كان مثقفا يجب أن ينعكس ذلك في أعماله، والفنان المثقف برأيي هو الذي يضع مقام الإنسانية في أول درجة، هو الفنان البعيد عن العنصرية، ولا يمكن أن يكون كذلك، ورؤيته للمجتمع محافظة وغير منفتحة على المجتمع. { وإن سألتك من هو السينمائي الأول في المغرب؟ من الصعب تحديد ذلك، لكن يمكن أن أقول إنه مصطفى الدرقاوي في أفلامه الأولى، والجيلالي فرحاتي في أفلامه الأولى أيضا، وبخصوص الجيل الجديد أعتقد أنه هشام عيوش، ويمكن أن نتحدث عن ليلى الكيلاني. { لنتحول إلى المرأة في السينما المغربية، هل خدمتها؟ ألا تعتقد أنها مستثمرة في الغالب كجسد؟ في السينما المغربية لم نستثمر المرأة سوى كديكور «بوستير»، لم نمنحها بعد الدور الذي تستحق. ونحن، اليوم، في حاجة إلى أفلام تجعل من بناتنا يحلمن بأن المرأة يمكنها أن تحتل جميع المناصب، وبأنها تملك كل القدرة لتقف أمام الرجل ندا للند في كل شيء بناء على كفاءتها، من خلال مواضيع مختلفة، وهذا ما سنتجه نحوه مستقبلا، مثلما سنتجه نحو إنتاج أفلام تخص ماضينا وتاريخنا. { وهل تفكر في إخراج فيلم تاريخي؟ لا يمكن أن أفكر في ذلك الآن، وإن فكرت به فيجب أن يكون فيلما يستحق أن يراه العالم، وأن تتوفر له الشروط والإمكانيات اللازمة، بما فيها سيناريو جيد يحترم الشروط التاريخية، وهو ما لا يتاح في ظل الإمكانيات المادية الحالية التي نتوفر عليها، إذ لا يمكن أن ننجز فيلما يخص مثلا طارق ابن زياد، بما يتطلبه من سيناريو ملائم، ومحبوك من الناحية التاريخية. { طيب لنمر إلى موضوع آخر، هل تعتقد أن هناك رقابة على الفن في المغرب؟ في السينما المغربية لا «أثر للمقص»، هناك فقط تحديد للفئات العمرية التي يمكنها أن تشاهد الأفلام التي تقدمها القاعات، وهذا أمر طبيعي. { أيمكن أن يحسب هذا للحكومة الحالية؟ لا، فالأمر كان منذ سنوات سابقة. { لكنها سمحت باستمراره؟ لأن الأمر ليس اختيارا. { لكن كان بإمكانها أن تطرح الفكرة وتطبقها؟ فعلَت ذلك في التلفزيون من خلال دفاتر التحملات الفاشلة، التي طبقت دون دراسة صحيحة مع المهنيين المختصين، ودون أن تأخذ وقتها الكافي لتنفذ على نحو سليم، وهو ما ندفع ثمنه اليوم من خلال ما نراه. ونقط الضوء التي نراها هي فقط نتيجة الجهد الكبير الذي يبذله بعض المبدعين القلائل. { علاقة بالتلفزيون الذي تحدثت عنه، بعد السلسلة التي اشتغلت عليها، أيمكن أن تتخيل نفسك تقدم السيتكوم؟ يمكنني، لكن يستحيل أن أفكر في ذلك اليوم، في ظل دفاتر التحملات. والسلسلة التي قدمت كانت قبل مجيء هذه الدفاتر. { لماذا تربط الحرية والجرأة، في غالب الأعمال السينمائية، بالجسد وما يقترب منه، لم لا تتناول مواضيع كالفساد العام الذي تتخبط فيه البلاد، في نظرك؟ هذا الفساد تكلمت عنه في «الزيرو» بشكل واضح وحر. وبالنسبة لي الحرية تساوي المسؤولية، والمهم في هذه الحرية التي ستمنح ماذا سنقدم عبرها كمقابل لها. { طيب، وماذا قدمت أنت من خلال هذه الحرية التي أعطيت لك سينمائيا؟ أولا، قدمنا لهجتنا الدارجة على حقيقتها، بعيدا عن «الحگرة» التي تمارس تجاهها، باعتبارها لغة الشارع، ولغة ساقطة وهذا كلام يقول به من لديه مشكل بخصوص الاعتراف بهويته، بخلاف المغربي الذي يثق في مغربيته وهويته. { وهل باعتقادك ما قدمته هي الدارجة الحقيقية؟ الدارجة المغربية هي مزيج يمثل كل الفئات المكونة للمغرب باختلاف لغة الجميع ولهجاتهم. والدارجة التي صورتها تخص ذلك الشارع الذي صورته، ولا يمكنني أن أكذب في تصويري له، بجعل الممثلين يتحدثون لغة أخرى كالعربية الفصحى مثلا، فقط لإرضاء المحافظين. لأن السينما تجعلنا نبدع بشكل حر، لا ندخل البيوت كما هو الشأن بالنسبة للتلفزيون؛ وإنما الناس من يختارون دخولها. { تصور الآن ثالث أفلامك عن الدارالبيضاء ألا ترى أنك بهذا تدخل في التكرار؟ العمل الذي أصوره حاليا هو «بورن آوت»، هو يعالج موضوعا إنسانيا، لكنه مختلف عن الأفلام السابقة، بعيد عن السينما السوداء ولا يشكل بأي شكل من الأشكال تكرارا، كما لا يمثل تكملة ثلاثية عن البيضاء، والفيلم الذي سيمثل ذلك هو فيلم «المزلوط»، والذي مازلت أشتغل على كتابته، وأجلته إلى حين إخراج الفيلم الأول الذي ذكرت. { هناك من يقول إن تشبتك بنفس النوع من السينما وبتيمة الدارالبيضاء، فيه شيء من الخوف من الفشل في غيرها، ما رأيك؟ القائلون بذلك لم يشاهدوا أفلامي التي اشتغلت عليها في النرويج، ولا فيلم «النظرة»، لذلك يحصرونني في «كازا نيكرا» و «الزيرو»، الذين عرفا شهرة أكبر، في حين أن السينما التي أشتغل عليها متنوعة والفيلم القادم سيثبت لهم ذلك. { بعيدا عن هذا، ما رأيك في الجدل المثار مؤخرا حول تحرش المخرجين بالممثلات؟ لكن، لا يمكن إنكار أن هناك تحرش في المجال الفني كما في كل المجالات، وإن كان من المفترض ألا يتضمن هذا المجال ذلك، باعتباره مجالا إنسانيا. هناك الكثير من الممثلات والممثلين الذي دخلوا في حروب مع المخرج، فقط لأنه لم يمنحهم أحد الأدوار في فيلم ما، ويلجؤون إلى اختلاق قصص لا أساس لها من الصحة، وهذا ما حدث معي أيضا، إذ أشاعت إحدى الممثلات أني لا أمنح الأدوار لغير أصدقائي، مع العلم أني لست من يشرف على «الكاستينغ» في الغالب. { فنان الراب «البيغ»، كيف هي علاقتك به اليوم، ولمَ لم ينجز لك أغنية الجينيريك لفيلم «كازا نيكرا» كما جاء في الاتفاق؟ علاقتي به طيبة جدا، كل ما في الأمر أنه لم يتفق مع المنتج حول المقابل الذي سيتقاضاه، اشتغل عليها وكان يريد تقديمها لي مجانا لكني رفضت، وقلت أني لا يمكن أن أقبل ذلك ما لم يتقاضى حقوقه. { يقال إن المجتمع المغربي محافظ، هل تراه كذلك ؟ المغرب في عمومه مجتمع محافظ، لكنه يعيش ازدواجية في الشخصية، وما يشاع فيه من حديث عن الأخلاق والقيم التي يريد حمايتها هو مجرد كذب، لأنه يفتقد إليها في سلوكياته اليومية، ويبدو ذلك جليا من خلال عدم احترام القوانين، بدءا من قانون الطريق، وفي عدم احترام الحقوق، نحن المغاربة «نخشى رؤية وجوهنا في المرآة»، (مثل ما حدث مع فيلم الزيرو) وندعي أننا محافظون كما أغلب الشعوب العربية، في حين أن التناقض ينخر يومياتنا. { بعيدا عن المجال الفني، وحول حياتك الخاصة، لديك اليوم ثلاثة أبناء خارج إطار الزواج، وأنت شخص مسلم، ألا ترى في الأمر تناقضا؟ الإسلام الذي أدين به لا يحرم هذا، الإسلام الذي ترعرعت فيه هو دين تسامح وحب، ووالدتي علمتني أن أحترم الإنسان والقيم الإنسانية النبيلة قبل كل شيء. وأنا لست من أولئك الذين يتاجرون بالدين ويبيعون الكراهية، أنا مسلم مؤمن بالحب، وأبنائي نماذج لهذا. ويبقى المهم بالنسبة لي ما أنا مقتنع به داخليا وأن أكون متصالحا مع نفسي، وتلك حياة كانت متوفرة لي مع رفيقتي النرويجية التي احترمتني وأحبتني مثلما فعلت أيضا. واكتشفت معي القرآن باللغة الإنجليزية بإرادتها، وتحمل رؤية طيبة عن الإسلام وعن المغرب. { أبناؤك، هل منهم من تأثر بعملك؟ ابني الأكبر إميل لخماري هو شخص مولع بالسينما، وقد دخل سنته الأولى الجامعية لدراستها، أنجز لحد الآن فيلمين قصيرين. هذا يروقني لكني لم أوجهه يوما نحوها، ذلك كان اختياره. { هل تعجبه أعمالك؟ لا تعجبه، يقول إنها سوداوية، هو مهتم أكثر بأفلام الحركة والكوميديا. { إن صورت فيلما حول السياسيين المغاربة، من أي جانب ستتناولهم؟ سأصور علاقتهم مع الحياة، مع أبنائهم وعلاقتهم بالفن، لأن قليلا منهم من يقرأ أو يذهب إلى المسرح أو السينما، أغلبهم في موقع بعيد عن المجالات الثقافية والفنية. { سياسيون بهذه المواصفات، كيف لهم خدمة المجال الفني والثقافي عموما، برأيك؟ هناك الكثير من يشغلون مناصب تهم هذا الشأن ولا علاقة لهم بالمجال، لا يعرفون حتى ما يقع فيه أو جديده حول العالم، هؤلاء غير مكونين فنيا وضعوا هناك لخدمة أشياء أخرى لا تعني الفن. وهذا ما يحزن، ويجعل الفن «محگور»، ويدفع بالخواص إلى الابتعاد عن دعمه، لأن الفكرة السائدة هي أن من يدعم الفن المغربي لا يمكنه أن يربح، وهذا خطأ، لأن الثقافة والفن في المغرب لو اعتني بهما لكان بالإمكان أن يشكلا مصدر ربح حقيقي للمغرب. نحن بحاجة إلى تكوين المجتمع وتنشئة أجياله على الفن، نحن بحاجة إلى سياسة ثقافية، وهذا ما ينقص سياسيينا، مثلا حين نتتبع البرامج الانتخابية لا نجد أي برلماني يفكر في بيع الفن في حملته، معتبرا الفن من الأشياء الثانوية، ومتناسيا أن المجتمع لا يمكنه أن يتقدم في ظل غياب سياسة ثقافية. الثقافة تساوي الخبز والماء. «الشعب وخا يشبع إذا ما عمرتيش راسو غادي يبقى دايخ». { ما الذي جعلك تقول إن الفن «محگور»؟ السياسيون لو كانوا يحملون الهم الثقافي والفني لرأيناهم «يدابزو عليه في البرلمان»، الكثير منهم يحارب الفن من خلال محاربته لمجموعة من المهرجانات الكبرى بدعوى أنها تهدر المال العام، بحيث لا يدركون الدور الذي تؤديه في خدمة وتسويق صورة المغرب دوليا، ومنها: مهرجان مراكش. { هل تقصد حزبا معينا؟ هناك أحزاب صرحت، أكثر من غيرها، أنها ضد السينما والفن، وهناك أخرى التزمت الحياد وهي أيضا تضر الفن بحيادها هذا. لذلك ندعو الحكومة أن تمضي على المنوال نفسه الذي تمشي عليه أعلى سلطة في البلاد والتي تدعم السينما. { قلت في تصريح سابق أن أي سياسي يحتاج إلى الكذب لتسويق أفكاره، لخماري إذا دخل السياسة سيكذب أيضا؟ أنا لن أستطيع دخول السياسة لأني لا أريد أن أكذب، وأنا أكذب بكاميرتي لأقول الحقيقة. فالفنان يكذب ليقول الحقيقة وغرض السياسي يكذب من أجل كسب الأصوات. أنا لم أخلق للسياسة، وأقول للسياسيين الذين يحكمون حاليا أنه عليهم أن يدخلوا إلى أذهانهم أن الثقافة يمكنها أن تحمي المغرب وتجعله يتقدم ماديا أيضا، وأن يفهموا أن فكرة الفن النظيف فكرة نازية، أثبتت فشلها منذ زمن.