إذ وقعت جريمتان هزتا الرأي العام بالمدينة، الأولى وقعت شهر ماي الماضي، أما الثانية، فقد حصلت في شهر دجنبر الفارط. «أخبار اليوم» تقص شريط أحداث الجريمتين، وتقدم معطيات جديدة حول إحداها، وتستطلع آراء أمنيين حول الأسباب التي حالت دون تمكنهم من فك لغز الجريمتين. كانت الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد منتصف الليل في ماي الماضي، عندما رن هاتف والي أمن طنجة. أخبار هذه الساعة من الليل إما تتعلق بعملية انتحار مثيرة، أو إيقاف متهمين في قضايا مهمة، أو حادثة سير مفجعة. خبر هذه الساعة كان مختلفا تماما. الرصاصات الأربع البرقية تقول إن حادثة إطلاق نار حي وقعت بشارعvمولاي رشيد، فقد على إثرها الشخص المصاب الحياة، وهو ملقى على الطريق، فيما نجا صديقه الذي فر من مسرح الجريمة. أما الجناة فقد اختفوا. هرعت الأجهزة الأمنية إلى مسرح الجريمة، ووقف الجميع مصدوما لخطورة الفعل الإجرامي. رصاصتان اخترقتا جسد شاب عشريني، فيما الثالثة والرابعة فقد صوبهما الجاني نحو رفيق الضحية، لحسن الحظ كانت المسافة بينه وبين مطلق النار بعيدة، لذلك لم تصبه، وعثر عليها في الشارع العام. تسلمت الفرقة الجنائية للشرطة القضائية ملف التحقيق من أجل فك لغز هذه الجريمة المرعبة التي شغلت سكان طنجة في تلك الأيام. «كان ملفا ثقيلا، وضعنا عددا من الفرضيات، اطلعنا على تسجيلات الكاميرا لوكالة بنكية جرى إطلاق النار بالقرب منها، لكن دون جدوى»، يقول مصدر أمني كان قريبا من التحقيقات في هذه الجريمة. كيف وقعت هذه الجريمة؟ ومن كان وراءها؟ وهل كان الأمر يتعلق بتصفية حسابات أم مجرد محاولة سرقة استُعمل فيه السلاح الناري؟ العثور على الإجابة الصحيحة عن هذه الأسئلة وغيرها سيقود حتما إلى اعتقال المتهم الرئيسي ورفيقه، إذ كانا على متن سيارة «بيجو» 207، التي اختفت عن الأنظار بعد تلك الليلة المرعبة. الرواية الوحيدة التي يتوفر عليها المحققون هي التي سردها رفيق الضحية الذي أخطأته الرصاصتان الثالثة والرابعة. «كنا عائدين إلى البيت، طلبت من صديقي التوقف من أجل قضاء حاجتي». كان يرغب في التبول، وكان صديقه أيضا في حاجة لذلك. ويستطرد صديق الضحية قائلا: «توجهنا وراء شجرة فأثارت انتباهنا سيارة من نوع بيجو وقفت إلى جانب سيارتنا «ب. م إكس فايف»، شعرنا بنوع من الخوف، قبل أن نلاحظ شخصا يتقدم نحوها لم يكن يحمل أي شيئا في يديه». سأل هذا الشخص الضحية: «هل أنت هو عمر بوتفاح». «نعم أنا هو»، أجاب الضحية. في هذه الأثناء مد الجاني يده وراء ظهره وكأنه يريد أن يخرج شيئا ما، فجأة سيظهر المسدس، فر الصديق بسرعة البرق، وترك زميله يواجه قدره. ويضيف الشاهد على هذه الواقعة للمحققين بأنه عاد إلى زميله فوجده غارقا في دمائه، لقد قتل برصاصتين إحداهما اخترقت جسده فخرجت من دبره، أما السيارة فتعرضت للسرقة. هنا انتهت شهادة الصديق، ليبدأ عمل المحققين بعضهم جاء من مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، لكنهم لم يتمكنوا من فك لغز الجريمة. «إنها مهمة معقدة وتحتاج إلى نفس طويل وعمل احترافي» يقول مصدر أمني، في إجابة حول سؤال لماذا فشلوا في فك لغز الجريمة؟. بدا هذا المسؤول الأمني متفائلا من أن اللغز قريب من الحل، ولأن البحث ما يزال سريا، فإن تفاصيل البحث لم يشأ المصدر أن يكشف عنها حتى ينتهي التحقيق ويتم إيقاف المتهم الرئيسي في هذه العملية. رصاصة غير قاتلة ما كادت تمر سبعة أشهر على وقوع الجريمة الأولى، حتى اهتزت مدينة طنجة مجددا على وقع جريمة رصاص ثانية. سادت خلالها حالة من الارتباك وسط رجال الأمن. الكل اعتقد أن العصابة الأولى التي أطلقت الرصاص في شارع مولاي رشيد، عادت من جديد، وأسقطت ضحية آخرى. وقعت الجريمة في محيط مدرسة البعثة الفرنسية بطنجة، وقبل ساعات قليلة من تجمع التلاميذ أمام المدرسة. كان نحو خمسة أشخاص، بينهم فتيات، يركبون في السيارة التي سيطلق على سائقها الرصاص بعد دقائق. أما الجناة فكانوا يطاردون السيارة من طريق بعيد إلى أن توقفت أمام إحدى البنايات السكنية المحيطة بالمدرسة. لبرهة توقفت السيارة المرقمة بالخارج، حتى تنزل الفتيات وأحد رفاقهن، فيما ظل السائق، داخل السيارة. لم تفصل دخول الفتيات ومرافقهن إلى باب الإقامة السكنية، عن وصول المهاجمين، إلا ثواني معدودات. كانت الساعة حينها تشير إلى السادسة صباحا، أي قبل ساعتين تقريبا من تجمع التلاميذ أمام المدرسة. شهود عيان الذين حضروا الواقعة وأدلوا بتصريحاتهم للمحققين، قالوا إن أحد المهاجمين نزل من سيارته واتجه نحو سائق السيارة الذي كان يستعد للتحرك إلى منزله، بعدما قام بإيصال صديقه والفتيات المرافقات له إلى الشقة المعلومة. الحديث الذي جرى بين السائق الشاب وبين الجاني، أفصح عن أن الأخير طلب من السائق مفاتيح السيارة، لكن الضحية رفض، وسأله عن صديقه فرفض أيضا الإجابة فأطلق الجاني النار عليه. «لم يرد الجاني قتله فلو كان كذلك، لوجه مسدسه نحو رأسه أو بطنه أو مكان آخر في جدسه ليرديه قتيلا بدل أن يصبوه نحو قدميه» يقول مصدر أمني كان على اطلاع بجميع تفاصيل هذه العملية. ويضيف المصدر الأمني قائلا: «تبين بعد ذلك أن المقصود بالقتل ليس السائق، وإنما رفيقه الذي كان مع الفتيات والعائد من هولندا، ربما كانت لديه مشاكل هناك، لذلك، لم نستبعد فرضية تصفية الحسابات». قبل التحقيق في هذه الجريمة وضع المحققون فرضيات كثيرة، أبرزها أن تكون عملية إطلاق الرصاص هذه لها ارتباط وثيق مع الجريمة الأولى التي وقعت قبل سبعة أشهر. من بين الفرضيات أيضا أن يكون بين الضحية والجناة حسابات شخصية، مرتبطة بالاتجار الدولي في المخدرات، حيث عادة ما يستعمل هؤلاء الرصاص لتصفية الحسابات بينهم. ومنها أيضا وجود عصابة متخصصة في سرقة السيارات، تقوم بترصد السيارات الفاخرة وتوقع بأصحابها، لكن سرعان ما تبين ضعف هذه الفرضية بعد ظهور معطيات جديدة تُفيد أن المقصود بالقتل ليس سائق السيارة، وإنما الشخص الآخر الذي صعد إلى الشقة رفقة الفتيات. «فشل أمني» في فك اللغز إلى حدود الساعة، لم يتم فك لغز أي من الجريمتين، من قبل مصالح الأمن، رغم مرور مدة ليس بالقصيرة على وقوعهما. مصدر أمني كان قريبا من التحقيقات في كلتا الجريمتين، قال إن طبيعة هذه الجرائم تأخذ وقتا طويلا في التحقيق وربما يصل الأمر إلى أكثر سنة من أجل حلها. وعاد المصدر نفسه ليؤكد أنه من السابق لأوانه الحديث عن الفشل الأمني، في فك لغز جرائم الرصاص، مضيفا: «الكل تابع قصة الجريمة الثلاثية وكيف أن الجاني كان هو نفسه الذي ارتكب جريمة قتل أخرى قبل ست سنوات، وقد تم الرجوع إلى الجرائم المجهولة الهوية، وتبين أنه هو من قام بعملية القتل قبل أن يعترف بذلك». ولم يستعبد المصدر نفسه أن يكون الجاني سواء في الجريمة الأولى أو الثانية قد فر خارج تراب المملكة، وبرر عدم الوصول إليه لغياب قرائن قوية وحتى توقيت وقوع الجريمتين صعّب من مهمة فك لغز هاتين الجريمتين، )الأولى في الثانية والنصف بعد منتصف الليل والثانية في السادسة صباحا(. ورغم أن المحققين وصلوا إلى عدد من العناصر المشتبه في تورطها، خصوصا في الجريمة الأولى، لكن ما لبثوا أن أطلق سراحهم جميعا لعدم كفاية الأدلة على تورطهم في هذه العملية. أما الجريمة الثانية فقد جرى اعتقال أربعة من المشتبه فيهم، وأحيلوا جميعا على مقر الفرقة الوطنية، لكن المحققين هناك قرروا إعادتهم إلى مخفر الأمن بطنجة نظرا إلى عدم ارتباطهم بعملية إطلاق النار التي جرت أمام مدرسة البعثة الفرنسية. جرائم أخرى ظلت لغزا ظل عدد من جرائم القتل بمدينة طنجة لغزا محيرا لدى السلطات الأمنية، ولم تعمل على فك خيوطها الغامضة وتم حفظ أغلبها باسم مجهول، بعدما عجزت الشرطة الوصول إلى مرتكبيها. وهناك جرائم قتل مروعة وقعت في المدينة، لكن المصالح الأمنية وصلت إلى أشخاص مشتبه في ارتكابهم لهذه الجرائم، ولم تصل إلى الفاعل الحقيقي أو الجاني الذي ارتكب جريمة القتل، كما حصل مع الشخص المشتبه في ارتكابه جريمة قتل فتاتين عثر على جثتهما بمنطقة «الكنبورية» بحي العوامة الشهير بمدينة طنجة خلال سنة 2007. وهناك جريمة أخرى مروعة وقعت سنة 2002 بجانب مركز الحسن الثاني لاستقبال المهاجرين، حينما عثر على جثة طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، وعلى جسده آثار الطعن بالسكين، ورغم أن المصالح الأمنية فتحت تحقيقا في الموضوع إلا أنها لم تتوصل إلى الجاني الذي قتل هذا الطفل بطريقة وحشية. ولم تعثر المصالح الأمنية على أي وثيقة تثبت هوية الضحية، كما أن أصحاب الشكايات المودعة لدى المصالح الأمنية المتعلقة بالبحث عن أطفال مختفين لم يتعرفوا على هذا الطفل الضحية، وبالتالي بقيت هذه الجريمة لغزا كبيرا لم يتم حله إلى اليوم. الأمر نفسه ينطبق على الجريمة البشعة التي وقعت سنة 2004 بأحد المخادع الهاتفية وسط مدينة طنجة، حيث استغل الجاني فرصة خلو المحل من الزبناء، عند منتصف الليل، وقام بتوجيه ضربات قاتلة إلى الشاب الذي كان يشتغل بهذا المخدع الهاتفي، بعد ذلك استولى على جميع الأموال التي جمعها الضحية ذلك اليوم، إضافة إلى أموال أخرى كان سيسلمها لصاحب المحل. وقادت الصدفة إلى معرفة الجاني الذي قتل أحد الأشخاص كان قد عثر على جثته في الطريق المؤدية إلى المجرزة العمومية خلال سنة 2002، ولم يكن الجاني سوى مرتكب المجرزة الثلاثية علاء الدين بنحمو الذي حكم عليه بالإعدام، بعدما ذبح ثلاث نسوة من عائلة واحدة. وأعادت مصالح الأمن الاستماع إلى الشهود في تلك القضية التي مر عليها نحو تسع سنوات، واستدعت الجاني الذي سيعترف بسهولة بارتكابه جريمة 2002 ضد زميله في العمل.