حيث الإقبال الكبير على استهلاك هاته المواد، من قبل الخواص وأرباب الطاكسيات وثلة من أصحاب الضيعات الفلاحية بسوس. «الشاحنات لا تكتفي باقتناء الكميات العادية من «الكازوال» المدعم من قبل الدولة، بل تعمد إلى إضافة خزان ثان بشكل محكم أسفل وعلى الجنبات للتزود الإضافي بالوقود وإفراغه أو بيعه». هاته الخلاصة أكدتها محاضر رجال الدرك والأمن التي حجزت أطنانا من المحروقات المهربة، كان آخرها الأسبوع الماضي في «أيت ملول» حيث تم توقيف شاحنة بها 18 طنا من المحروقات المهربة. تقنية الإخفاء هذه يوظفها بالخصوص المهربون الذين يستعملون شاحنات نقل الخضروات والبضائع الأخرى ما بين مدن الجنوب ونظيرتها في اتجاه سوس، والتي لا تعود من «إخفنير» و»الوادي الواعر» إلا وهي محملة بتلك المحروقات. سائقو تلك الشاحنات والسيارات يتمكنون من سلك الطريق الرئيسية (الوطنية رقم 1) والطرق الإقليمية والمسالك غير المعبدة، والتي نادرا ما يتم إيقاف أي منها للتأكد من حمولتها. طرق ملتوية خطوات المهربين محسوبة، ويتحركون بحذر ودقة. مثلا لما يكونون على الطريق الوطنية رقم 01 التي تتمركز فيها نقط المراقبة الطرقية لأجهزة الدرك الملكي، وفي أحايين أخرى الأمن الوطني عند مداخل بعض المدن الجنوبية، خاصة على مستوى مركز «بويزكارن» و»الخصاص» و»تيزنيت» و»أيت ملول»، فإن المهربين يتواصلون فيما بينهم بشكل دائم ومستمر ويومي، فما أن يغفو «رجال الدرك» بسبب قلة الحصيص الدركي ومحدوديته إلا وتكون المافيا جاهزة ل «مرور» ناقلات المحروقات المهربة، بعيدا عن شبهة الإيقاف أو الشك من قبل «الباراجات» الواقفة أو المتنقلة. كما تسلك المحروقات المدعمة مسارات طرقية وعرة في الخلاء عبر صحراء «تكانت» وفيافي «الخصاص» و»أيت براييم» و»أيت عبد الله»، ويكون المهربون على دراية عميقة بجغرافيا المنطقة. وفي رحلات تستغرق ما يزيد عن الأربعة والعشرين ساعة، تسير تلك السيارات على شكل قوافل مكونة من حوالي خمس سيارات تضيء الموجودة في المقدمة أضواءها لإنارة الطريق أمام الأخريات. كما تنطلق تلك الناقلات من منطقة «الواد الواعر» وتسلك بذلك الطريق الساحلية الممتدة من ساحل طانطان مرورا ب «الزاوية» وصولا إلى «لبيار»، ثم ضاحية «القصابي» بلوغا إلى مدينة كلميم. وبما أن تلك المسالك وعرة، يقول مولود، أحد الفاعلين الحقوقيين بالعيون ل«اليوم24»، فإن تعقب ومطاردة القوافل والتي تسير عادة بسرعة جنونية، أمر صعب يوضح أحد المتتبعين لهذا الملف. ويقول المتحدث نفسه: «يكتفي رجال الدرك الملكي بترصد نقط المراقبة التي غالبا ما تكون معروفة لدى المهربين الذين يقومون بتفادي المرور منها». بضاعة رخيصة ويتم إفراغ المحروقات المهربة في مستودعات خاصة تنتشر في طانطانوكلميم؛ حتى أضحت تجمعات سكنية مهددة بالانفجار والتلوث. يقول عمر فاعل مدني بكلميم: «هناك محدودية إمكانيات السلطات مقابل إمكانيات مافيا تهريب المواد النفطية المدعمة التي لم تتوقف على الرغم من كل الحملات». عبر كل تلك الطرقات الملتوية تصل القوافل إلى مناطق «بويزكارن» و»فم الحصن» و»آسا» مرورا بتيزنيت في اتجاه أيت ملول، ضواحي أكادير، وهي مناطق تضم نقطا مختلفة لترويج المواد المهربة. فقد أصبحت سيارات «لاندروفير» والشاحنات تقف بشكل علني في ملتقيات الطرق لعرض البنزين لزبناء من المنطقة اعتادوا اقتناءه منها. عثمان قاطن في أكادير وأحد الزبناء المستهلكين للكازوال المدعم التقته « اليوم24»، وسألته عن الثمن فأجاب بعفوية كبيرة «الكازوال رخيص على لي فسطاسيون، كيدير غير 164 ريال(8.20 درهم) وبجودة أحسن.. راني كانتقدى 45 لترا وكنربح 50 درهما ديال الفرق، أما الكازوال ديال لمرسى في أكادير كايدير 120 ريال(6 درهم) والجودة ديالو أرخص كايكون مخلط بالماء». ويسير على نهج عثمان عدد غير يسير من أرباب سيارات النقل المزدوج والطاكسيات والخواص، وأصحاب السيارات الخاصة والدراجات النارية، الذين يقصدون محلات خاصة لبيع المحروقات المدعمة في «أيت ملول» وحي «تراست» بإنزكان وحيي «الخيام والعزيب» بأكادير. الفرق بين ثمن المحروقات المدعمة وثمن بيعها في المحطات هو ما بين درهم واحد إلى درهمين حسب الكمية المطلوبة. وكلما كانت الكمية تتجاوز الخمسين لترا، ربح الزبون الفرق الذي يتجاوز الخمسين درهما، حتى أن بعض بعض أصحاب سيارات الإسعاف التابعة لا يجدون حرجا في التزود بحاجياتهم من الوقود بالميناء . مافيا تنخر الاقتصاد ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هو :كيف يمكن تسريب كل هاته الأطنان خارج منطقة الوادي الواعر ورأس الخنفرة لتصل في أمان بعيدا عن أي مراقبة على طول أكثر من 800 كلم؟ مصادر «اليوم24» التي فضلت عدم ذكر اسمها، أكدت بأن الطرق المعتمدة تتعدد وتختلف حسب طبيعة الشخص المستفيد ودرجة علاقاته بالأطراف المشرفة على المراقبة، فإذا كان البعض يعتمد أساسا على «تواطؤات» عبر إخراج كميات بواسطة براميل بلاستيكية في أوقات معلومة تخف فيها الحركة وتنعدم فيها المراقبة، فإن البعض الآخر يلجأ إلى استخدام تقنية خزانات وقود إضافية بهياكل شاحناتهم وآلياتهم، ومن نقل المواد المدعمة من المحروقات من طرف شبكة ومافيا منظمة تجعل من «الأشخاص المستخدمين» أدوات لنقل الممنوع والمحظور قصد بيعه في السوق السوداء. إنها «مافيات تهريب المحروقات المدعمة تنخر الاقتصاد الوطني».. هذا ما خلص إليه تقرير لأرباب محطات الوقود بالجنوب، فالتهريب في المناطق الجنوبية لم يعد مقتصرا على المحروقات، بل يشمل أيضا عددا من المواد المدعمة التي يطلق عليها عادة في الجنوب باسم مواد «الزون». وتضخ أكثر من 600 مليون درهم، بهدف دعم المحروقات الموجهة للأقاليم الجنوبية للنهوض بالمنطقة، وتشجيع الاستثمار، وتحفيز السكان على الاستقرار بها، وذلك عن طريق تخفيض أثمنة المواد الأساسية والتي يتم دعمها، حيث يتحمل صندوق المقاصة تسديد الفرق، إلا أن ذلك أفرز وضعا شاذا، فلا الساكنة تستفيد منه ولا الدولة حققت مبتغاها، وهو ما جعل الفقراء بالمنطقة يزدادون فقرا وبعض الأغنياء يزدادون غنى. العديد ممن اغتنوا من تجارة تلك المواد الاستهلاكية المدعمة يقومون بتهريب المحروقات عبر أسطول من سيارات «لاندروفير» التي عوضت الجمال في عبور مسالك الصحراء الوعرة، وأصبح المهربون الصغار بدورهم يملكون عددا منها. أحد المتتبعين لهذا الملف، أوضح ل «اليوم24» أن سعر الكازوال لدى المهربين، يصل إلى نحو 7 دراهم ونصف بمدينة كلميم، وبإضافة نصف درهم في سوس، على أن أسعار المحروقات المهربة تخضع لتقلبات الظروف، حيث تتأثر بحملات المراقبة ومدى تشددها، أو عند تكثيف المستثمرين في قطاع المواد النفطية بسوس والضواحي لاحتجاجاتهم. 600 مليار من الخسائر شهريا تقرير للجامعة الوطنية لتجار محطة الوقود بالجنوب ذكر أن عمليات تهريب الوقود تحرم خزينة الدولة من إيرادات جبائية تفوق 6 ملايير درهم (600 مليار سنتيم) شهريا، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة تسببت لحد الآن في إفلاس ما يفوق 28 محطة بالمنطقة. وذكر التقرير ذاته، أن الكميات الهائلة التي تباع سرا في محطات «الواد الواعر»، وفي طريق السمارة تصل يوميا إلى ما يناهز 500 طن، أي ما يعادل 15 ألف طن شهريا، مؤكدا أن تفاقم هذا الوضع شجع محطات وقود أخرى على الاشتراك في عمليات البيع هاته، مما نتج عنه مشاكل اجتماعية واقتصادية وسياسية ضيعت على البلاد حوالي 250 ألف فرصة عمل يومي. وبحسب نفس الإفادات فإن حوالي 250 مهربا يعمدون إلى استعمال سيارات «لاندوفير» و«نيسان» و«ميتسوبيشي» المعروفة بتأقلمها مع تضاريس المنطقة لنقل الأطنان من المواد الغذائية والنفطية المدعمة المخصصة للأقاليم الصحراوية، انطلاقا من العيونوالسمارة في اتجاه طانطانوكلميموتيزنيتوأكادير إلى تارودانت ومراكش، موضحا أن هذا القطاع غير المهيكل يشغل حوالي 1000 نفر، غالبيتهم من ذوي الدخل المحدود والعاطلين. تراجع المبيعات وجد بعض أصحاب الضيعات الفلاحية في هذه التجارة الممنوعة الحل لمضاعفة ربحهم، وإن كان على حساب أصحاب محطات الوقود، سواء بالمدينة أو المناطق المجاورة كأكادير وأيت ملول وإنزكان وتارودانت. وحسب أرقام صادرة عن جمعية بائعي الوقود، فإنها سجلت ما بين 30 في المائة إلى 38 في المائة من ضعف المبيعات، والتي تنضاف إلى حجم خسائر ميزانية الدولة. ولم يعد الأمر يقتصر على تسريب مواد قررت الدولة المغربية دعمها لفائدة ساكنة المنطقة، بل تجاوز الأمر حدود البلاد، لترتبط مافيات الداخل بمافيات أخرى في موريتانيا والجزائر ومالي والنيجير. فقد كان الجميع يعتقد أن الحدود المغربية، بعد إقامة الجدار الأمني، أصبحت مراقبة بشكل كبير، إلا أن استعمالها من طرف مافيات التهريب أظهر أن بها الكثير من الممرات التي يمكن استعمالها لتسريب البشر والإبل دون أن ينتبه حرس الحدود إلى ذلك!؟ فقد تحولت المناطق الجنوبية، خاصة منطقة «فم الحصن» و «آسا» بحكم قربها من منطقة حدودية ذات حساسية إلى نقط لتهريب الإبل، خاصة من المركز الحدودي» تافتياست»، وذلك بعد أن كان التهريب ينشط بالخصوص، انطلاقا من الحدود الجنوبية مع دولة موريتانيا.