أخيرا، نزلت إلى المكتبات والأكشاك في العالم العربي الترجمة العربية لرواية المبدع الأفغاني عتيق رحيمي «حجر الصبر»، التي توجت سنة 2008 ب»الغونكور»، أغلى الجوائز الفرنسية. وقد أثارت حينها نقاشا أدبيا عميقا امتدت أثاره إلى المغرب، حيث خصصت لها ندوة ضمن فعاليات الدورة الخامسة عشرة لمعرض الكتاب والنشر بالدارالبيضاء بمشاركة الكاتبة غيثة الخياط والشاعر والناقد عبدالرحمان طنكول، الذي كان قد وعد حينذاك بترجمة الرواية إلى لغة الضاد. وكان عتيق رحيمي قد روى، خلال معرض الدارالبيضاء سنة 2009، الدوافع والخلفيات التي جعلته يكتب هذه الرواية. إذ قال إن فكرة الرواية انبثقت من حادث اغتيال زوج أفغاني لزوجته، ينتهي بدفن الزوجة وسجن الزوج، مشيرا إلى أنه زار السجين، الذي دخل في غيبوبة ناتجة عن محاولة انتحار فاشلة. كما قال إن عبارة «حجر الصبر»، التي وظفها عنوانا لهذه الرواية، تشير إلى الحجر السحري، الذي يبثه الأفغانيون آلامهم ومعاناتهم، موضحا أن روايته تهتم بضحايا الحرب الأفغانية، خاصة من النساء والأطفال. بينما قال عنها طنكول آنذاك إنها رواية صغيرة من حيث الحجم، لكنها تنبه إلى مأساة إنسانية فظيعة تشهدها أفغانستان منذ عقود. ويختزل رحيمي، الذي صدرت له من قبل رواية «أرض ورماد» باللغة الأفغانية، مأساة بلاده في غرفة ضيقة حيث تسهر امرأة شابة على راحة زوجها، الذي كان مجاهدا في أكثر الحروب عبثية في أفغانستان، إن لم تكن في العالم بأكمله، بعد أن أصيب بطلقة نارية في رقبته، نتج عنها دخوله في غيبوبة طويلة. عينا الرجل مفتوحتان وجسده الهامد غارق في غيبوبة عنفه وآثامه، والمرأة تتلو على وقع تنفسه صلواتها وأسماء الله الحسنى. يغدو الرجل الغائب عن العالم حجر صبرها، حيث تغدو المرأة شهرزاد الأفغانية التي يتدفق من فمها المطبق سيل من الكلمات اللاذعة، المشحونة برغبات دفينة. تدخل في مصارحة جريئة ومناجاة هذيانية مع زوجها وتبوح له بأسرارها الأكثر خطورة، متحدية خوفها وخضوعها. لكن تتخلل السرد أحداث جانبية، كسماع دوي طلقات الرصاص في الخارج، وكذا بروز شخصية ثالثة في الرواية، هي شخصية الطفل، الذي تشتهيه بطلة الرواية موضوعا جنسيا. فتنتهي الرواية بمفاجأة تجعل زوجها يعود إلى الحياة، في رمزية تعبر ربما عن الرغبة في عودة الحياة إلى أفغانستان الجريح بنير الاستعمار والإرهاب الديني. جدير بالذكر أن عتيق رحيمي رأى النور في أفغانستان عام 1962. وتابع دروسه الثانوية في كابول، قبل أن يطلب اللجوء إلى فرنسا عام 1984. وقد فازت الرواية بجائزة غونكور الفرنسية عام 2008، وتم تحويلها فيما بعد إلى فيلم سينمائي. كما أصدر سنة 2011 رواية أخرى بعنوان «ملعون دوستويفسكي»، التي صدرت ترجمتها العربية العام الماضي، وهي من إنجاز المترجمة السورية راغدة خوري. ومن مؤلفاته أيضا «أرض ورماد» (2004)، و»بيوت الحلم والرعب» (2002)، و»العودة المتخيلة» (2005). *