اعتبر المفكر الفرنسي «إدغار موران» أن مؤسسة محمد أركون رأت النور، لتسلط الضوء على عمل المفكر الجزائري، وتستكمل لبناته الفكرية. بل اعتبر وجودها ضروري لتشجيع الفكر الحر والمستنير، داعيا المؤسسات العمومية الرسمية والخاصة إلى تشجيعها ومساندتها في مهمتها التنويرية والإعلامية. وقال موران، في كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيل هذا المفكر التي انعقدت مساء الجمعة الماضية بمقر المدرسة العليا للتدبير بالدارالبيضاء، إن فكر محمد أركون مؤسس، لأنه استطاع أن يفهم طبيعة الإسلام، وأن يجمع في تحليله علوم الابستيمولوجيا والأنثروبولوجيا وعلوم اللغة، الخ. كما وصفه ب«المناضل الإنساني»، حيث اعتبر أن أركون اعترف في فكره بالآخر الغريب. وأوضح أن هذا الاعتراف يعني ضمنا أفقا آخر من التفكير والتفكيك والتحليل، وهو ما جعل فكره يرقى إلى مستوى كوني. ولم يتوقف موران عند هذا الحد، بل اعتبر أن الراحل أركون ذهب إلى حد الاعتراف بجودة فكر الآخر، «المشابه والمختلف عن الذات في الآن ذاته». كما اعتبر أنه كان يرى أن النزعة الإنسانية هي الاعتراف بالتعدد البشري داخل وحدة إنسانية، مشيرا إلى أن معركة أركون الفكرية كانت مفتوحة على جبهتين: الأولى، فهو كان ينتقد الرؤية الأحادية الكاريكاتورية والاختزالية للإنسان، خاصة الإنسان المسلم؛ والثانية تهم معركته لانتقاد من يعتبرون أنهم يمثلون الإسلام ويحتكرونه. وخلص إلى أن فكر أركون قد يساعد الإنسان على قلب المجرى الارتكاسي للمجتمعات والإنسان الراهن. وفي كلمته، قال الباحث فتح الدين عبد اللطيف إن أركون ارتبط بالفكر الحر والرأي المستقل، حيث ظل متشبعا بنزعته الإنسانية التي تروم تحرير الإنسان من أغلال القيود الدوغماتية. كما اعتبر أن أركون لم يخترق الحدود الجغرافية فحسب، بل استطاع اختراق الحدود اللغوية والثقافية أيضا بفضل مشروعه الفكري المفتوح على التراث العربي الإسلامي، وعلى الثقافة الغربية الحديثة. جدير بالذكر أن عبد اللطيف ذكر، في هذا السياق، بآخر لقاء تكريمي يحظى به أركون قيد حياته بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك. من جانبه، وصف الكاتب الجزائري الأصل غالب بن الشيخ الراحل محمد أركون بأنه «مفكر ملتزم» استطاع أن يخرج من الانغلاقات والسياجات الدوغماتية، وأن يخرج الفكر الإسلامي من شرنقة القراءات التفسيرية السطحية. وقال في هذا السياق إنه اعتمد منهجية ذات أركان ثلاثة هي: اختراق المحرمات والممنوعات والمسكوت عنه، وتحويلها والانتقال إلى بها إلى ساحة الأمل والتأمل الفكري، قبل تحقيق تجاوزها نحو عقلانية وحداثة مستنيرة. وذكرت أرملة الراحل ثريا اليعقوبي إن إنشاء مؤسسة محمد أركون للسلام بين الثقافات يأتي قصد الحفاظ على إرثه الفكري والإنساني. كما أشارت إلى افتتاح مكتبة باسم محمد أركون في باريس، وعبرت عن رغبتها في أن يحذو المسؤولون في الدارالبيضاء حذو الباريسيين من أجل تخصيص مقر محترم لمؤسسة أركون. جدير بالذكر أن الباحث الشاب نبيل فازيو حصل على جائزة محمد أركون في دورتها الأولى، حيث تسلم خلال الحفل ذاته شيكا بقيمة 4 آلاف أورو قدمت كهبة من مؤسسة «أكاديمي دو لا لاتينيتي». وقال في كلمته إن العمل الذي توجه بالجائزة جاء نتيجة تأثره بما قرأه من أعماله، وبما سمعه خلال ندوته التكريمية بكلية بنمسيك، مشيرا إلى أن الراحل مارس نقدا مزدوجا انكب على التراث العربي الإسلامي من جهة، وعلى الخطاب الاستشراقي من جهة ثانية.