عندما يتجاوز كتاب ما الطبعة الثانية أو الثالثة، يجد المرء نفسه مجبرا على الاعتراف بفضل الكاتب في اختيار الموضوع، الذي يدفع القراء على الإقبال عليه بنهم. لكن عندما يصل هذا الكتاب طبعته الثالثة عشرة، ويستعد ناشره إلى إصدار الرابعة عشرة، فلا مجال حينئذ من رفع القبعة، احتراما وتقديرا لمؤلفه، خاصة في سوق الكتاب المغربية، التي يعز فيها القرّاء. والاحترام والتقدير يجب أن يوجها، في هذا السياق، إلى عالمة الاجتماع سمية نعمان جسوس، التي استطاعت أن ترتقي، بكتابها «بلا حشومة: الجنسانية النسائية في المغرب»، إلى مرتبة ريادية في مبيعات الكتاب. صدر كتاب «بلا حشومة» في طبعته الأولى عن منشورات «إديف» سنة 1987. وهي عبارة عن أطروحة دكتوراه أعدتها الباحثة وعالمة الاجتماع نعمان جسوس عبر بحث ميداني كانت غايته معرفة تجليات مفهوم الجنس عند النساء في علاقته بالدين والطقوس والتقاليد والتصورات والسلوكات السائدة، أي في علاقته بالواقع اليومي المعيش. وقد حقق الكتاب منذ البداية مبيعات قياسية، رغم أنه كُتب باللغة الفرنسية. إذ يقول ناشره عبد القادر الرتناني، في تصريح لجريدة «أوجوردوي لوماروك»، إن «المغاربة اشتروا هذا الكتاب، لأنه كان سباقا إلى كسر طابو الجنسانية النسائية، حيث تداولته الألسن على نحو واسع، وأصبح في وقت وجيز أفضل الكتب مبيعا.» في حين، يقول عنه الصحافي الفرنسي «جان–بيير بيرونسيل هيغو»، في مقالة نشرتها صحيفة «لوموند الفرنسية يوم 9 يوليوز 1993: «لأول مرة، تسمي «امرأة صادقة»، مسلمة، الأشياء بمسمياتها، وتدون بصورة رسمية ما يقول الناس، من الجنسين، حول العذرية، والرغبة في فحولة فتية، وإحباطات النساء، وانعدام الثقة لدى الذكور، وفض البكارة العنيف، والطلاق، وتعدد الزوجات… إذ شرحت النكاح والزواج، وكذا الزنا، على ضوء الحياة الراهنة والقرآن.» ويضيف «هيغو» قائلا إن الثورة الحاصلة على الرقابة المفروضة على النشر في المغرب الكبير، وكذا الترجمة إلى لغات أخرى، سمحتا بانتشار هذا الكتاب على نطاق واسع. أما صاحبته سمية نعمان جسوس، فتعتبر أن انتشاره الواسع راجع، في المقام الأول، إلى تشوق القارئ إلى قراءة أعمال تتناول المسكوت عنه في المجتمع المغربي. إذ ترى أن الحياة العاطفية والجنسية من الطابوهات، التي لم يخض فيها الخائضون إلا في نطاق ضيق جدا، وهو ما جعل كتابها «بلا حشومة» ينظر إليه، عندما صدر في أواخر الثمانينيات، باعتباره حدثا بارزا في تاريخ الثقافة المغربية. لم يكن الكتاب، بحسب رأي مؤلفته، مجرد حدث تاريخي، بل صار علامة فارقة رسمت قطيعة مع الامتناع عن تناول الطابوهات. إذ دشن الكتاب حرية التعبير في القضايا المحرمة (المسكوت عنه)، ودفع الصحافة إلى إعادة النظر في الخطوط الحمراء المفروضة على موضوع الجنس خصوصا. غير أن ثمة ما يجعل هذا الكتاب شيقا عند القراءة. فمادته المتنوعة، التي تجمع بين مقاربة الموضوع بالنظر إلى علاقته بالدين والقوانين والمعيش، ورسالته الواضحة، التي تبتغي الكشف عن أن تقاليد المجتمع وطقوسه صارت أقدس من الدين نفسه، جعلتا القراء يتملكونه، ويقبلون عليه بشكل قلّ نظيره في تاريخ الكتاب المغربي. كما ساعدت صرامته المنهجية، التي لم تحِد عن القواعد العلمية المعروفة، رغم أنها لم تكن أكاديمية صرفة، وكذا بساطته اللغوية وسلاسة أسلوبه، على الفهم الذي ساهم، حتما، في انتشار الكتاب. إذ تَعتبر جسوس أن اعتماد هذه المنهجية كان يروم الجمهور العريض من القراء، لأنها رغبت في تعميم رسالة الكتاب. ورغم أن هذه كانت غايتها، إلا أننا نجدها لم تترجم الكتاب إلا بعد مرور سنوات، حيث تقول إنها لم تكن جريئة على فعل ذلك، على اعتبار أن اللغة العربية لم تكن تخلصت بعدُ من «الحشومة»، مثلما هو الحال بالنسبة للغة الفرنسية. هل فعلا أدى الكتاب رسالته؟ وهل أتى على تقاليد المجتمع المغربي وطقوسه البالية، خاصة فيما يتعلق بموضوع الجنس؟ تجيب الكاتبة أنه لا يمكن القول إن الكتاب غيّر المجتمع، لكنها تشير إلى أن الدفع بفئة عريضة منه، خاصة الشباب، إلى إعادة النظر في تفكيره حول الجنس، وإلى مساءلة الذات وموقفها من التقاليد والعادات والطقوس، معبرة عن اعتقادها أن عددا كبيرا من الناس أضحوا يتحدثون اليوم عن الجنس. هنا تحكي الكاتبة أنها عاشت جملة من الطرائف في علاقتها بهذا الكتاب: أولها أن التلفزة المغربية حالت دون استضافتها للحديث عن كتابها، لكنها لا تكشف أسباب المنع. أما الطرفة الثانية، فتتعلق خصوصا، بإقبال الرجال على الكتاب. إذ تقول إنها لاحظت أن الرجال يطلبون منها، خلال حفلات التقديم، أن توقع النسخ بأسماء زوجاتهم