«لماذا حققت كتب بعينها أرقام مبيعات «خيالية»؟ هل للأمر علاقة بالموضوعات التي تتم معالجتها؟ أم بطريقة الكتابة والصياغة؟ أم بوجود اهتمام واسع من قبل القراء؟ «الحب المختون» للروائي المغربي عبد الحق سرحان يعتبر كتاب عبد الحق سرحان الصادر باللغة الفرنسية تحت عنوان «L'Amour circoncis» (الحب المختون، من أهم الكتب التي صدرت مطلع الألفية الجديدة وحققت مبيعات مهمة، حيث بلغت عدد المبيعات منه، بُعيد صدوره، حوالي 7500 نسخة، كما كشف ذلك في الآونة الأخيرة ناشرُه عبد القادر الرتناني لصحيفة «أوجوردوي لوماروك». إذ اعتبر أن هذا الكتاب يستجيب لتطلعات القراء المغاربة، بما يطرحه من نقاش في قضايا اجتماعية محددة- تتعلق بالجنس أساسا. يسعى كتاب «الحب المختون»، الصادر باللغة الفرنسية سنة 1996، إلى إماطة اللثام عن الممارسة الجنسية في مجتمع إسلامي كالمغرب. غير أن الكتاب، الذي صدر في أربع طبعات حتى الآن، لا يحاكم الثقافة التقليدية، التي تسمح للبعض بتحقيق السعادة والتوازن، حيث تكمن غاية الكاتب في الكشف عن القلق الذي يساور الشبيبة المغربية داخل مجتمع يتنازعه تياران: أولهما محافظ يمجد قانون الأجداد ويدافع عن التقليد، وثانيهما يروم تحقيق الحرية والتقدم والفردانية. وهذا التعارض بين هذين التيارين هو مصدر التصارع بين جيلين، كما يقول الكاتب. يعتبر عبد الحق سرحان الروائي والأستاذ الجامعي الذي رأى النور سنة 1950، أن اندماج الشباب في المجتمع يقتضي التماهي مع المتطلبات الاجتماعية والدينية التي تحرم على الشباب والشابات الدخول في علاقات جنسية قبل الزواج. إذ يرى أن هذا التماهي يستدعي قدرا كبيرا من النفاق، الذي يدفع بهم إلى أشكال أخرى من الممارسات الجنسية مثل: الاستمناء، الشذوذ الجنسي، الدعارة، ممارسة الجنس على الحيوانات، الاغتصاب، الخ. وهذا النفاق يستلزم، كما يقول الكاتب، التزام ما يكفي من السرية، على اعتبار أن المجتمع يبرر ويتسامح مع هذه الأشكال من الجنسانية؛ في حين، لا يبدي القدر ذاته من التسامح تجاه الممارسة الجنسية بين فتى وفتاة. هنا تكمن أهمية الكتاب، الذي يتناول هذا الموضوع بجرأة غير مسبوقة في الكتابات المغربية، التي تناولت الجنس من قبل. لا شك أن هذا الكتاب، شأنه شأن كتاب سمية نعمان جسوس الذي تناول الجنسانية عند المرأة، استطاع أن يلفت الانتباه إلى موضوع مسكوت عنه، هو موضوع المكبوتات الجنسية التي تمنع التقاليدُ والأعراف الاجتماعية الحديثَ فيها. إذ يتناوله في علاقته مع زوايا متعددة، اختار أن يقسمها إلى ثلاثة فصول: الشاب المغربي داخل أسرته والمدرسة العمومية أو القرآنية والمسجد، المعيش الجنسي والهوية والاجتماع، وأخيرا الثقافة المغربية والجنسانية. يقول عبد الحق سرحان في أحد حواراته «إننا نعيش في مجتمع لا يعترف بالحب، وبوضعه الخاص بالرغبة والحرية؛ ومن ثم، فالحب عندنا مختون يشبه ختان الطفل». ويتابع سرحان، الذي درس علم النفس، هذا التحليل اعتمادا على المرجعية الفرويدية بالقول إن العلاقة التي تربط الإنسان بأمه هي «علاقة قوية جدا، وجسدية جدا و»جنسية جدا»،» مشيرا إلى أن هذه الرغبة لا تريد أن تنتهي، إلا إذ بلغ الإنسان سن الرشد. إذ يعتبر أن هذه الرغبة تكاد لا تفارق الإنسان، حيث لا يقطع حبل الود معها إلا بصعوبة بالغة، من أجل الدخول في علاقات أخرى. ينطلق عبد الحق سرحان من لحظة الختان، باعتبارها اللحظة الحاسمة في السيرورة الجنسية عند الشباب، حيث يعتبر أن هذه اللحظة هي التي تفصل الطفل عن العالم الأنثوي. إذ يقول «إننا نقطع قلفة الذكر، فنقطع الجنس، ونقطع جنس الطفل حتى لا يستطيع الذهاب بعيدا.» كما يعتبر أن المجتمع المغربي لم يطرح أبدا المشكلة الجنسية، باعتبارها مشكلة واقعية وفعلية، وباعتبارها مشكلة في التصرف والسلوك والعلاقة مع الآخرين، مشيرا إلى أن المغاربة غالبا ما فضلوا إثارة مشكلات أخرى متعلقة بالاختلالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الخ. في هذا السياق، يرى أن «المشكلة الجنسية هي مشكلة مركزية في حياة الفرد، وفي حياة المجتمع أيضا، وهي تشمل المشكلات الأخرى... وكل الممارسات الأخرى، وكل السلوكات الأخرى».