غرافيك: مروان ناشيد في واقعة طريفة، شهدتها إحدى الجلسات العامة لمجلس النواب، في 23 أبريل 2018، المتعلقة بالأسئلة الشفوية، التمس برلماني من وزير الطاقة والمعادن، إصلاح مصباح للإنارة العمومية بالحي الذي يقطنه. وخاطب البرلماني آنذاك عبد اللطيف وهبي، وزير الطاقة والمعادن السابق عزيز رباح، قائلا: "حدا الدار عندي محروقة واحد البولة، عفاك صايبها لينا". الواقع أن طلب وهبي لم يكن جديا، بقدر ما كان الهدف منه إثارة الانتباه إلى أن جلسات الأسئلة الشفوية مخصصة للقضايا الوطنية، وليست المحلية، التي محلها هو الأسئلة الكتابية. في هذا العمل الاستقصائي المدفوع بالبيانات، يكشف "اليوم 24″، أن 22 بالمائة من تعقيبات النواب البرلمانيين، خلال الولاية التشريعية 2016- 2021، تتعلق بقضايا محلية وليست وطنية. ويكشف التحقيق أيضا، أن 9 برلمانيين وبرلمانية، استأثروا ب10 بالمائة من التدخلات في جلسات الأسئلة الشفوية خلال خمس سنوات، و"الصادم" أن 44 من زملاءهم التزموا الصمت طوال مدة انتدابهم، لم يطرحوا سؤالا شفويا ولا تناولوا الكلمة من أجل التعقيب أو إحاطة المجلس علما، أو حتى نقطة نظام. "اليوم 24" يضع أهم 110 جلسة عمومية لمجلس النواب السابق، فوق "مشرحة" تحليل البيانات، ليكشف الحصيلة "الغائبة" أو "الغير المروية" لإحدى أهم آليات المراقبة البرلمانية للحكومة، والتي تكتسي طبيعة خاصة مقارنة مع باقي الجلسات العمومية، حيث تُنقل مباشرة على أمواج الإذاعة والتلفزة المغربية. الوطن أم الدائرة؟ يكشف تحليل البيانات التي تضمنتها محاضر جلسات الأسئلة الشفوية، خلال الولاية التشريعية الماضية، أن النواب والنائبات تقدموا ب4159 تعقيبا على أجوبة الوزراء، منها 921 ذات طابع محلي، بنسبة تتجاوز 22 بالمائة من مجموع التعقيبات. وخلال 110 جلسة عمومية خصصت للأسئلة الشفوية، تناول أعضاء المجلس قضايا محلية خلال طرحهم 116 سؤالا، من مجموع 2473 سؤالا شفويا تقدم به النواب. تحليل المعطيات، يؤكد أن الانتقال من تناول القضايا الوطنية إلى إثارة ملفات محلية، تطور بشكل متسارع بين مرحلتي طرح السؤال والتعقيب على جواب الحكومة. فإذا كان الشأن المحلي حاضر في أسئلة البرلمانيين بنسبة 4.7 بالمائة (116 سؤالا من أصل 2473)، فإن القضايا المحلية حاضرة في حوالي ربع التعقيبات والتعقيبات الإضافية التي تقدم بها النواب. عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، يرى في هذا الشأن، في حديث مع "اليوم 24″، أنه "في سلوك النخبة السياسية في المغرب هناك صلة بالدائرة الانتخابية، لأن هناك من يعتبر حضوره في البرلمان غير مرتبط بمشروع الحزب أو امتداده الجماهيري، وإنما به كشخص". وأضاف اليونسي، "بمعنى أننا أمام سلوك حديث بمضمون تقليدي، وهو ما يرتبط بفكرة (الأعيان) الي تقوم على أساس تقديم خدمة للأشخاص والحصول على منافع". واعتبر أستاذ القانون الدستوري، أن "البرلماني يحاول الحفاظ على هذا (البروفايل) المرتبط بتحقيق المطالب، من خلال وسيلة طرح بعض القضايا المحلية في الأسئلة الشفوية، وما يؤكد ذلك، هو أنه قد يكون السؤال ذو طبيعة وطنية في نصف دقيقة، وعندما يُعقب البرلماني، يناقش بما يقع عنده في الدائرة". وتنص المادة تنص المادة 267 من النظام الداخلي لمجلس النواب، على أنه يجب التقيد في التعقيبات الإضافية بموضوع السؤال، وأن "تنصب حصريا على جواب الحكومة". وخلص اليونسي، إلى أنه "في العمق، هذا يرتبط بكون الثقافة السياسية في المغرب، تنحو نحو المحلي أكثر من الوطني"، مشيرا إلى أنه في بريطانيا مثلا، "أعضاء مجلس العموم يستقبلون المواطنين لعرض قضاياهم المحلية في مكاتبهم داخل مقر المجلس". من يتناول الكلمة في جلسات مسائلة الوزراء؟ الأسئلة والتعقيب وتكشف المعطيات أن جلسات الأسئلة الشفوية ال110، التي عقدها المجلس في الولاية السابقة، عرفت طرح 2473 سؤالا من طرف أعضاء المجلس، والصادم أن 63 نائبا ونائبة لم يطرحوا أي سؤال شفوي خلال مدة انتدابهم. بالمقابل، منحت الفرصة ل9 نواب من طرف فرقهم لطرح أكثر من 20 سؤال لكل واحد منهم، ثلاثة من النواب "المحظوظين" من الأصالة والمعاصرة، وأربعة من التجمع الدستوري، واثنين من الفريق الاشتراكي. وعرفت جلسات الأسئلة الشفوية تناول الكلمة 4159 مرة في إطار التعقيب أو التعقيب الإضافي، وذلك من طرف مختلف أعضاء الفرق البرلمانية والمجموعة النيابية والغير المنتسبين. وتعليقا على الأرقام، يرى عمر الشرقاوي، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بالمحمدية، أن هناك ما يبرر أحيانا تمركز تناول الكلمة في مجموعة من البرلمانيين، بالنظر إلى مسؤولياتهم، كرؤساء فرق أو مجموعة نيابية، وخاصة فيما يتعلق بنقط نظام والإحاطة علما بموضوع طارئ. وأوضح الشرقاوي في تصريح ل"اليوم 24″، أن من "صميم المسؤولة الملقاة على عاتق مجموعة من البرلمانيين، الانتباه إلى بعض القضايا، والتفاعل معها من خلال التعقيبات مثلا"، مشيرا إلى أنه "في كل ولاية تشريعية توجد نواة برلمانية صلبة، تتحمل عبأ العمل البرلماني، وتمثل ما بين 15 و20 بالمائة من عدد أعضاء المجلس، وهؤلاء يمكن أن نسميهم بمحترفي العمل البرلماني، الذين يتفرغون للعمل البرلماني". واعتبر المتحدث، أن "العدالة في توزيع وظيفة الرقابة مهمة جدا"، وتساءل، "لكن هل هناك فعلا إمكانية لذلك في ظل وجود فئة من البرلمانيين هم رجال أعمال، غير متفرغين للوظيفة البرلمانية، وحضورهم يقتصر على الجلسات التي يكون فيها تصويت، وأيضا في المحطات الحاسمة". وذهب الشرقاوي إلى القول بأن من العوامل التي تعيق تحقيق العدالة المنشودة في وظيفة الرقابة، "ما يرتبط بالزبونة ودرجة القرب والصداقة من رئاسة الفريق أحيانا". نقط نظام وتشير المعطيات التحليلية المستقاة من محاضر جلسات الأسئلة الشفوية للولاية السابقة، إلى أنه خلال 110 جلسة عمومية، تقدم 54 نائبا ونائبة ب291 نقطة نظام، وتفيد الأرقام بأن 10 برلمانيين (كلهم رؤساء الفرق أو المجموعة النيابية) تقدموا ب60 بالمائة من نقط النظام. ومن خلال تحليل المعطيات، يتبين أن نحو 20 بالمائة من نقط النظام، لا تتعلق بتطبيق النظام الداخلي أو بتسيير الجلسة، وذهبت أحيانا لتشمل الإخبار بوفاة شخصية ثقافية أو سياسية، والدعوة إلى تكريم أحد المقاومين، وأحيانا تهنئة برلماني لآخر عقب انتخابه في منصب حزبي! وتنص المادة 151 من النظام الداخلي لمجلس النواب، على إمكانية تناول النواب والنائبات الكلمة في إطار نقطة نظام، تتعلق بتطبيق النظام الداخلي وسير الجلسة. وعلاقة بالموضع، اعتبر عبد الحفيظ اليونسي، أن "نقطة نظام يمكن مقاربتها من زاويتين، واحدة قانونية والأخرى سياسية"، مضيفا، "الأولى هي أنه رغم أن النظام الداخلي لمجلس النواب يوضح أن نقطة نظام تكون في التسيير، إلا أنه لا يوضح طريقة إيقاف البرلماني عن المعني، الذي يأخذ نقطة نظام خارج التسيير". ومن الناحية السياسية، يضيف الخبير في القانون الدستوري، "قد تكون بعض الأحداث ذات طبيعة آنية، ومهمة بالنسبة للبرلماني في دائرته الانتخابية، ومهم للحزب أيضا، لتسجيل موقف سياسي، وقد لا تكتسي طابعا استعجاليا أو آنيا يسمح بإدراجها في إطار الأسئلة الآنية، وبالتالي يتم اللجوء أحيانا إلى نقط نظام، لتسجيل موقف في قضية سياسية أو طارئ يتعلق بالشأن المحلي". وقال اليونسي أيضا، "في نظري هذا يعتبر أمرا مقبولا إذا تعلق بأمور ذات بعد جوهري وتمس حقوق الناس ومصالحهم، لكنها تكون غير أخلاقية إذا أخذت بعدا شعبويا، فلا يمكن القبول بتسلل الشعبوية نحو مؤسسة دستورية باستغلال فراغ قانوني". وذهب المتحدث إلى القول بأن، "التضييق الذي شمل إحاطة المجلس علما بطارئ، يجب أن يشمل أيضا نقاط نظام، حتى لا يتحول البرلمان إلى مجال للشعبوية". الإحاطة علما من جهة أخرى، تشير المعطيات، إلى أن الولاية التشريعية السابقة، عرفت تقديم 147 إحاطة للمجلس علما بموضوع طارئ، كما تنص على ذلك المادة 152 من النظام الداخلي لمجلس النواب، وتقدم بها 77 برلمانيا، منهم 20 برلمانية. وألقى نحو نصف مجموع "الإحاطات"، 17 برلمانيا فقط، هم نفسهم تقدموا بنحو، 41 بالمائة من نقط النظام. ولا يقتصر تناول الكلمة في جلسات الأسئلة الشفوية على طرح الأسئلة والتعقيب ونقطة نظام أو إحاطة المجلس علما بموضوع طارئ، بل تتيح المادة 150 من النظام الداخلي للمجلس تناول الكلمة في بداية الجلسة، بشرط تسجيل أسماءهم لدى الرئيس قبل بداية الجلسة. ولجأ مجلس النواب السابق، إلى المادة 150 من نظامه الداخلي، في 8 جلسات من بين الجلسات ال110، وتدخل في هذا الإطار، 32 برلماني وبرلمانية، وذلك 54 مرة. وحضرت القضية الفلسطينية بقوة في تدخلات النواب في إطار مادة "تناول الكلمة في بداية الجلسة"، (37 تدخلا من أصل 54). وتتعلق 7 تدخلات بالتعبير عن مواقف رافضة لتقرير لمنظمة العفو الدولية، ثم 6 تدخلات لاستنكار الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأخيرا 5 تدخلات تتعلق بتصريحات لوزير خارجية الجزائر. وفي المجموع، تقدم البرلمانيون ب7124 تدخلا، 2473 من أجل تقديم السؤال، و4159 للتعقيب أو التعقيب الإضافي، ثم 291 نقطة نظام و147 إحاطة المجلس علما، وكذا 54 مرة تناول فيها البرلمانيون الكلمة في بداية الجلسة. أكثر من يُسأل طرح أعضاء مجلس النواب أسئلتهم الشفوية على مختلف القطاعات الحكومية، إلا أن تحليل المعطيات يؤكد أن هناك قطاعات، لها نصيب أكبر من أسئلة البرلمانيين، في مقدمتها القطاعات الاجتماعية، ويفسر البعض التوجه نحو القطاعات الاجتماعية لعلاقتها بالمواطن، وبالتالي الدائرة الانتخابية. ويرى آخرون أن جاهزية الوزراء المسؤولين على القطاعات، لها دور أيضا في تحديد القطاعات الأكثر استقطابا لأسئلة النواب. مكنت عملية تحليل معطيات 6632 تدخلا للبرلمانيين (يشمل طرح الأسئلة والتعقيبات والتعقيبات الإضافية)، من تحديد القطاعات الحكومة الأكثر استقطابا للأسئلة والتعقيبات. وتبين أن مسائلة الحكومة في الشأن التعليمي اعتلت قمة الصدارة، ب755 تدخلا (274 سؤال تم طرحه، و476 للتعقيبات) في جلسات الأسئلة الشفوية خلال الولاية التشريعية السابقة، وجاء قطاع التجهيز ثانيا ب727 تدخلا (250 سؤال تم طرحه، و477 للتعقيبات)، ثم القطاع الصحي ب576 تدخلا (194 سؤال تم طرحه، و382 للتعقيبات). وتكشف المعطيات، أن 4 قطاعات حكومية استقطبت 37 بالمائة من أسئلة وتعقيبات البرلمانيين في جلسات الأسئلة الشفوية خلال خمس سنوات (2482 تدخلا من أصل 6632). وفي أسفل الترتيب، جاءت قطاعات السكنى والتعمير والمجتمع المدني والاقتصاد الاجتماعي والصيد البحري والتنمية القروية والاقتصاد الرقمي، بأقل من 50 تدخلا استهدف كل قطاع.