لا يبدو أن هذه السنة التي نودعها بعد أيام ستحمل أي جديد في مواقف النظام الجزائري ليس فقط على صعيد استحقاقات الداخل السياسية والاقتصادية، وإنما ايضا في ما يتعلق بمواقفه من التطورات الإقليمية، سواء لجهة التدخل في مالي نيابة عن القوات الفرنسية، أو في علاقاتها مع دول المغرب الكبير. كنت واحدا من السباقين ، منذ انطلاق ثورات الربيع العربي في تونس، إلى التحذير من أن النظام الجزائري لن يترك تونس تمضي لحال سبيلها في التأسيس لنموذجها الديمقراطي، بالنظر إلى العلاقات العميقة التي تربط النظام الجزائري بدوائر القرار التونسي، وأيضا بالنظر إلى الوظيفة التي يقدم بها النظام نقسه للقوى الدولية الفاعلة في دول المغرب الكبير، واقصد هنا بالتحديد فرنسا. لعب السفير الجزائري المخضرم الراحل عبد القادر حجار دورا محوريا في ربط علاقات السلطات الجزائرية بمختلف الفاعلين السياسيين في تونس، وعلى رأسهم حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي، وتمكن من إقناعهم بالدور الذي يمكن أن تلعبه الجزائر في دعم انتقال دينقراطي لا يستثني الإسلاميين، وهكذا تمت استضافة الغنوشي رسميا في الجزائر أكثر من مرة، وكان واحدا من أهم الوجوه التي اعتمد عليها نظام الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة في تهدئة الحراك الاجتماعي الذي انطلق في الجزائر خلال العامين الماضيين. لكن مياها سياسية غزيرة جرت تحت جسر السياسة الداخلية في الجزائر بعد عمليات التصفية التي دارت رحاها بين جناحي الرئاسة والمخابرات، من جهة ، والمؤسسة العسكرية في الجهة المقابلة، والتي انتهت بموت قائد الأركان السابق الجنرال أحمد قائد صالح وعودة جناح الجنرال محمد مدين " توفيق" الجنرال خالد نزار إلى مربع الحكم وإن بطريقة غير مباشرة.. وكذلك التطورات الدراماتيكية التي حدثت في العلاقات الجزائرية المغربية والتي انتهت إلى قطيعة تامة، فضلا عن التوتر الظاهري بين الجزائر وباريس بسبب الموقف من مالي، بعد انسحاب القوات الفرنسية ودخول بعض عناصر "فاغنر " الروسية إليها. تطورات لعب فيها النظام الجزائري دورا محوريا، وهو الآن يسعى من خلال استخدام المال العام الجزائري،إلى قيادة المنطقة نحو المزيد من التوتر والتشظي.ولعل القروض والمساعدات التي قدمها إلى موريتانياوتونس لمواجهة التحديات الاقتصادية في البلدين، كانت العلامة الأبرز في هذا الدور المتنامي للنظام الجزائري، ليس لحل أزمات المنطقة كما يبدو في الظاهر، وإنما خدمة لأجندات تتصل بالنظام الجزائري أولا لجهة سيطرته على الأوضاع في الجزائر، وأيضا باعتباره الوكيل الحصري لفرنسا والقوى الدولية ذات المصالح المباشرة في دول المغرب الكبير ودول الساحل الإفريقي. لكنني مرة أخرى أزعم، ومن موقع الخبير أيضا بالشأن الجزائري، أن هذه المحاولات التي تبدو في ظاهرها فاعلة، لأنها اعتمدت على شراء الذمم، لن تفلح في تغيير الخارطة، ولن تدفع باتجاه صناعة محاور جديدة، لا تخدم إلا المصالح الضيقة للنظام الجزائري لا غير.. ولهذا بدت نواكشوط حذرة في مواقفها تجاه الأزمة المغربية الجزائرية، وحافظت على النأي بنفسها عن الانخراط فيها، ربما بشكل أكثر وضوحا من تونس، التي يبدو أن مصير الانقلاب " القيسي" فيها محكوم بوقوف النظام الجزائري إلى جانبه. ما لا يدركه قادة النظام الانقلابي في الجزائر ،كما في تونس، هو أن الأطراف الدولية ذات المصلحة بدول المنطقة، لا تنظر فقط إلى المنطقة من زاوية الانقلابيين، وإنما أيضا لبقية الخارطة السياسية، التي اختلفت عن السابق، ويبدو أن التحكم فيها لم يعد ممكنا بالاستقواء بالثروات الباطنية للدولة ولا حتى بالاستقواء بالخارج، الذي أمسى منفتحا على جميع القوى. لقد بدا واضحا في الآونة الأخيرة، أن ما يحرك نظام الحكم في الجزائر، ليس مصالح البلاد وأمنها واستقرارها ،كما يدعي، بدليل أن الأمن والسيادة ليست محل خلاف بين الجزائريين، وإنما مصالح أجنحة النظام المتصارعة والمؤثرة ، وتلبية نزوعاتها الشخصية في عدائها للجارة الغربية المغرب، واستعدادها لرهن المنطقة ليس فقط للتعدد الطائفي من خلال إقحام إيران وفسح المجال لها لنشر التشيع، وإنما أيضا بالسماح لروسيا بالتحول إلى طرف دولي فاعل في منطقة الساحل الإفريقي، وهو ما من شأنه أن يحول منطقتنا إلى منطقة لصراع القوى الاستعمارية. كل هذا فقط حتى يستمر النظام الحالي في الجزائر. *خبير أمني جزائري مقيم في المملكة المتحدة