تتناول هذه الورقة كيف أن الحسابات السياسية المؤطِّرة للعلاقاتالأميركية–المغاربية معقدة والمصالح متشابكة، في الوقت الذيتعمل فيه الدول المغاربية على تنويع الشراكات تحديدًا لتعظيمهامش مناورتها السياسية وليس لتعزيز شراكة على حسابأخرى؛ فهي على عجزها، تحاول التحرك للاستفادة قدر الإمكانمن البدائل المتاحة، وعلى رأسها "توظيف" التوظيف الأميركيلها. قام وزير الدفاع الأميركي، مايك أسبر، بين نهاية شتنبر ومطلعأكتوبر 2020، بجولة مغاربية (تونسوالجزائر والمغرب)، الأولى لهلإفريقيا في سياق إقليمي مضطرب، مع استفحال التدخلاتالأجنبية في ليبيا وتصاعد النشاطات الإرهابية في الساحل. تهدف هذه الزيارة، حسب البنتاغون، إلى تعزيز العلاقات معالدول المغاربية الثلاثة بالتركيز على محاربة الإرهاب وعدمالاستقرار الإقليمي (ليبيا والساحل) ومواجهة النفوذ الروسيوالصيني في المنطقة. وصرَّح أسبر في تونس بأن "المنافسينالاستراتيجيين" لأميركا (الصينوروسيا) يبسطان نفوذهما علىالمنطقة وأن التطرف العنيف يشكِّل تهديدًا مستمرًّا للاستقرارالإقليمي وللتراب الأميركي، مضيفًا أن بلاده تعتبر الشراكة معدول المنطقة سبيلًا لمواجهة هذه التحديات. تحاول هذه الورقةالإجابة على ثلاثة أسئلة: ما مكانة المغرب العربي فيالاستراتيجية الأميركية؟ ما دواعي الزيارة في السياق الحاليومضامينها ونتائجها؟ وكيف يمكن النظر لهذه الزيارة من حيثموقع المغرب العربي في الاستراتيجية الأميركية؟ المكانة الثانوية للمغرب العربي في الاستراتيجيةالأميركية لا يزال المغرب العربي يحتل مكانة ثانوية في الاستراتيجيةالأميركية التي تبقى تركز على منطقتها التقليدية، أي الشرقالأوسط، لأسباب عدة: العلاقة الخاصة مع إسرائيل، والعلاقةالخاصة –ولكن من صنف آخر– مع دول الخليج، والعلاقة القلقة/العدائية مع إيران والمتقلبة مع تركيا). فهو مهمش فياستراتيجيتها ولا يكتسي أهمية إلا بالعلاقة إما بتخومه الشرقية(لاسيما في مرحلة التطبيع الأولى مع إسرائيل وفي مرحلةالتطبيع الثانية التي دشنتها الإمارات) سعيًا لدفع دول مغاربيةنحو الاتجاه التطبيعي ذاته، ومنذ أكثر من عقد، بالعلاقة بتخومهالجنوبية (الساحل)، ومؤخرًا بالعلاقة بالتنافس الدولي (النفوذالصيني والروسي والتركي) في المنطقة. لذا، فمكانته فياستراتيجية أميركا توظيفية بالأساس؛ ما يعطيها طابعًا تكتيكيًّاظرفيًّا ويُفقدها البُعد الاستراتيجي البنيوي؛ إذ لا يحتل مستوىمتقدمًا في سُلَّم أولوياتها السياسية حيال الشرق الأوسط عمومًا،رغم السرديات الرسمية المهيمنة في واشنطنوالعواصم المغاربيةوالنرجسية السياسية للأنظمة المغاربية التي تُطنب في الحديثعن الشراكة الاستراتيجية. سواء تعلق الأمر بالمغرب أو بالجزائر أو بتونس؛ فالسردياتالرسمية الأميركية هي تقريبًا نفسها: وصْف الدول الثلاثةب"الشريك الاستراتيجي" رغم أنها لا تتبوأ المكانة ذاتها في سلَّمالأولويات الأميركية، على الأقل ليس في القطاعات نفسها؛فالمغرب تربطه علاقات تحالفية تقليدية مع أميركا ويتمتع منذ2004 بصفة حليفها الأساسي خارج الناتو وهي مزوِّده الرئيسبالأسلحة، فضلًا عن استفادته من برنامجها الخاص بفائضالأسلحة الممنوح لحلفائها. تونس تربطها أيضًا علاقات تحالفيةمع أميركا والتي عرفت تطورًا نوعيًّا مع منحها، هي الأخرى، صفةالحليف الأساسي خارج الناتو في 2015. وتعد زيارة أسبرالأولى لوزير دفاع أميركي منذ منحْها هذه الصفة (آخر زيارةتعود إلى 2012 قام بها سلفه، ليو بانيتا). أما علاقة الجزائر معأميركا فتبقى بعيدة عن مستوى علاقات أميركا مع جارتيها،لأسباب تخصها وأخرى تخص أميركا، بالرغم من تطورها بشكلملحوظ عقب عمليات الحادي عشر من شتنبر؛ حيث تبنى الطرفانمقاربة أمنية لتطوير علاقتهما الثنائية. فمثلًا وقَّع أسبر علىاتفاقين دفاعيين في تونس والمغرب ولم يوقِّع على أي شيء فيالجزائر، وإن كانت أميركا تقيم حوارًا استراتيجيًّا مع الدولالثلاثة. دبلوماسية أفريكوم الأمنية منخفضة المستوى سياسيًّاورفيعة المستوى برتوكوليًّا لو قمنا بمسح إحصائي لزيارات المسؤولين الأميركيين للدولالمغاربية خلال السنوات الأخيرة للاحظنا غلبة ما يمكن أن نسميهبالدبلوماسية الأمنية ذات البعد العملياتي والمتمثلة في الزياراتالمتكررة لقادة أفريكوم (قيادة القوات الأميركية لإفريقيا)، مقارنةبالزيارات القليلة لوزيري الخارجية والدفاع. وتعد زيارة أسبرللجزائر، التي تأتي بعد أسبوع من زيارة ستيفن تاونساند، قائدأفريكوم، أول زيارة لوزير دفاع أميركي إليها منذ 14 عامًا (آخرهاكانت زيارة دونالد رامسفيلد في فبراير 2006)؛ ما يؤشر علىعدم تبوء الجزائر مكانة مهمة في سلَّم أولويات تنقلات المسؤولالأول في البنتاغون. على أية حال، مهما كانت طبيعة العلاقة،تحالفية (في حالتي المغرب وتونس)، أو تعاونية متقدمة في المجالالأمني (في حالة الجزائر)، فإن اكتفاء الإدارة الأميركيةبدبلوماسية أفريكوم الأمنية والعسكرية، يمكن تفسيره بثلاثةعوامل أساسية: أولها: أن هذه المنطقة توجد ضمن الصلاحياتالجغرافية لأفريكوم. ثانيها: أن طبيعة التعاون (التنسيق والتعاونفي المجال العسكري–الأمني) لا تتطلب بالضرورة، وكل مرة،العودة إلى كبار المسؤولين السياسيين، ما يعني أن تعاون هذهالدول الثلاثة مع أميركا استقر أمره وهو بحاجة فقط إلى تعزيزمتواصل تكيفًا مع تطور القلاقل في المنطقة. ثالثها: أن المنطقة لاتزال تحتل مكانة ثانوية، مقارنة بالشرق الأوسط، لذا تكتفيأميركا بتعاون ميداني دون تنسيق سياسي متواصل على أعلىالمستويات، لاسيما أن زيارات قادة أفريكوم إلى الدول المغاربيةتتميز بمستويات بروتوكولية عالية مثيرة للانتباه؛ إذ عادة ما يلتقونرؤساءها ووزراءها وقادة أركان جيوشها. لذا، فلا داعي، بالنسبةلأميركا، لإيفاد وزيرها للدفاع أو للخارجية إلى هذه الدول ما دامقائد أفريكوم يلتقي قياداتها المدنية والعسكرية. ثم زيارات وزيرالدفاع الأميركي للمنطقة تواجه معضلة غياب وزير الدفاع،باستثناء تونس، فلا نظير له في الجزائر؛ حيث يحتفظ رئيسالجمهورية بمنصب وزير الدفاع، ولا في المغرب، حيث يوجد فقطمنصب وزير منتدب لدى رئيس الحكومة مكلف بإدارة وزارةالدفاع الوطني. أفريكوم: محاربة الإرهاب كواجهة للتنافسالاستراتيجي الواضح أن أفريكوم منخرط في شراكات لتعزيز وتطوير التعاونالعسكري مع البلدان المغاربية لمواجهة المد الروسي في المنطقة؛فهو ينظِّم تمرينات عسكرية ثنائية، كما هي الحال مع المغربسنويًّا، ومتعدد الأطراف كتلك التي أجراها في 7 و8 شتنبر2020، والتي شاركت فيها كل من أميركا (بقاذفتين استراتيجيتينوأربع طائرات إف-16 وبالمدمرة يو إس إس روزفلت الحاملةللصواريخ الموجهة)، والمغرب وتونس (بطائرتين مقاتلتين لكل واحدةمنهما). وتمحورت هذه التمرينات، المنظمة بدعم القيادةالاستراتيجية الأميركية، حول تطوير قدرات الحظر البحري. تؤكدهذه التمرينات الاهتمام الاستراتيجي لأفريكوم بتعزيز التعاونالعسكري مع المغرب وتونس باعتبارهما فاعلين أساسيين فيمحاربة الإرهاب. وتمثل تونس بالنسبة للاستراتيجية الأميركيةشريكًا أساسيًّا للحيلولة دون إقامة روسيا قدرات دائمة تمنعالنفاذ للجناح الجنوبي للناتو، خاصة أن هذا التهديد بدأ يتحققمع نشر روسيا مقاتلات (من نوع ميغ 29 وسوخوي 24) فيقاعدة الجفرة، في ماي 2020، وكذلك احتمال نشرها صواريخإس-300 (منظومة دفاع جوي) في ليبيا. وقد أكد قائد أفريكوم،تاونساند، خلال زيارته تونس في 9 شتنبر 2020، حيث التقىالرئيس، قيس سعيد، ووزير الدفاع، إبراهيم البرتاجي، علىالأهمية الاستراتيجية لتونس بالنسبة للأزمة الليبية كما تحدث عنبُعد مع وزير الدفاع في حكومة الوفاق الليبية، صلاح الدينالنمروش. كل هذه التطورات تشير إلى تقدم روسي في المتوسطعلى حساب أفريكوم والناتو، خاصة أن النفوذ المتنامي لتركيا فيغرب ليبيا والاحتكاكات مع حلفائها في الناتو قد يعرقلانمحاولات أفريكوم تعزيز استراتيجيته في ليبيا وفي المنطقة عمومًا. لم تعد الاستراتيجية الأميركية، التي كُلِّف أفريكوم بتنفيذها، تركزعلى التهديدات الإرهابية فحسب بل تعدتها لتغطي أيضًا رهاناتاستراتيجية دولتية، تتجاوز تمامًا حجم دول المنطقة، وهنا تكمنمحدودية المراهنة الأميركية على تونس في مواجهة المد الروسيفي ليبيا. لو كان لتونس النفوذ الكافي لتمكنت من إقناع الأطرافالليبية المتناحرة بالاتفاق على تسوية سلمية قبل تدخل قوى أجنبيةتُضعف احتمالات الحل السلمي. نلاحظ هنا الاستراتيجيةالتوظيفية التي يعتمدها أفريكوم بدعوى مكافحة الإرهاب لتحقيقمآرب استراتيجية: التنافس مع روسيا ومنعها من "الاستيطان" الاستراتيجي في المياه الدافئة جنوب المتوسط، لاسيما أن الناتويعرف تصدعًا في هذا الصراع بسبب الخلافات بين تركيا وبعضحلفائها الأطلسيين. فالتدخل في ليبيا بحدِّ ذاته ليس مشكلةبالنسبة لأميركا وإنما هوية المتدخِّل. فهي لم تتحرك لاحتواءالتدخل الإماراتي والمصري بينما تحشد قواها ونفوذها لمواجهةالتدخلين، الروسي والتركي. دواعي زيارة أسبر في السياق الحالي هناك دواع متقاطعة تخص الدول الثلاثة؛ أولها: محاربة الإرهابفي المنطقة المغاربية–الساحلية (في ليبيا ومالي والنيجر وغيرها)،وتداعيات التدخلات الأجنبية المتزاحمة فيها. ثانيها: التعاونالعسكري والأمني على المستوى الثنائي مع جيوش الدول الثلاثة. ثالثها: تعبئتها وإقناعها بالتحرك أو على الأقل عدم الانخراط فيالاستراتيجيات الدولية المنافسة للاستراتيجية الأميركية فيالمنطقة والمتمثلة تحديدًا في الأدوار التي تلعبها كل من الصين(على المستوى القاري) وتركياوروسيا (على المستوى الإقليمي). رابعها: ربما، جسُّ نبض الحكومات المغاربية بشأن التطبيع معإسرائيل وإمكانية مقايضة ذلك بأسلحة أو بتعاون عسكري فضلًاعن المقايضة المعتادة (مساندة أنظمة مبتورة الشرعية، باستثناءالحالة التونسيةالجديدة). قد يكون المغرب، بحكم علاقاته معأميركا ومع إسرائيل، الأقرب لأن يقبل بالتطبيع مجددًا معها، إلاأن الظروف التي أحاطت بزيارة وزير الخارجية الأميركي، مايكبومبيو، للرباط، في دجنبر 2019، ومغادرته لها بعد ساعات دونلقائه الملك، محمد السادس، الذي كان مبرمجًا، توحي بأن المغربغير مستعد لذلك. أما تونس، فهي تعرف مرحلة انتقالية ديمقراطيةتحول دون أي قرار في هذا الاتجاه بسبب الرفض الشعبي، بينماالجزائر جددت موقفها التقليدي الرافض للتطبيع. تونس والمغرب: خارطة تعاون عسكري مع حليفينأساسيين لأميركا خارج الناتو عرفت علاقات تونس مع أميركا، تطورًا منذ 2011، التي تساعدهافي تأمين حدودها (تزويدها بأنظمة المراقبة الإلكترونية) مع ليبياوفي محاربة التنظيمات الجهادية. ويُجري البلدان تمريناتعسكرية مشتركة منتظمة. وبلغت قيمة الدعم الأميركي للجيشالتونسي منذ سقوط ابن علي مليار دولار. ويزداد هذا الدعم منحيث التكوين والعتاد لمحاربة الإرهاب ولحماية الحدود، وتمثِّلتونس بالنسبة لأميركا المحطة الأهم/الأيسر، على الأقل رمزيًّا،والأكثر استعجالًا أمنيًّا. فهي الأهم/الأيسر لأنها غير منخرطة فيتنافس إقليمي يجبر أميركا على مراعاة الحساسيات السياسيةللتنافس الإقليمي كما هي الحال في علاقتها مع المغرب والجزائر،والتي تفرض عليها توازنًا قلقًا بين البلدين. كما أن تونس هيالنموذج الديمقراطي الانتقالي الوحيد في المنطقة ما يسهِّلالأمور بالنسبة لأميركا لوجود التوافق بين المستلزم الأخلاقي(الديمقراطي) والمستلزم المصلحي ويخرجها ولو لحين منتناقضها البنيوي (خطاب معياري وسلوك واقعي). بيد أن الطبيعةالانتقالية لتونس تخلق لها متاعب جديدة لم تتعود عليها أميركا فيالمنطقة العربية (للرأي العام ثقله في رسم سياسات البلاد). فيالمقابل، تعد تونس حالة أمنية أكثر استعجالية بسبب حدودهاالمشتركة مع ليبيا ونشاط مجموعات إرهابية على أراضيها، فيوقت تعيش فيه عملية انتقالية عسيرة، سياسيًّا واقتصاديًّا... وقدبدأ أسبر زيارته المغاربية من تونس وهي أول زيارة له لإفريقيا مايعني أن أميركا تعير تونس الانتقالية أهمية تفوق، على الأقلرمزيًّا، تلك التي توليها للمغرب والجزائر؛ ما يشير إلى أن العاملالديمقراطي ليس بالضرورة غائبًا من حساباتها التي تطغىعليها المصالح الأمنية. وقَّع أسبر مع نظيره التونسي، يوم 30 شتنبر 2020، على"خارطة طريق للتعاون العسكري" لمدة عشر سنوات. وصرَّح بأنأميركا تسعى لدعم تونس لحماية حدودها البحرية والبرية ولردعالإرهاب. وقد أرسلت أميركا 40 مستشارًا عسكريًّا إلى تونسلمساعدة جيشها في حماية الحدود مع ليبيا ومحاربة الجماعاتالإرهابية، وتزودها بانتظام بالأسلحة. فهي تستحوذ على مايقارب 55% من واردات التونسية من الأسلحة بين 2015 و2019. وفي فبراير الماضي وافقت الإدارة الأميركية على بيعها أربعطائرات مقاتلة خفيفة من طراز AT-6C والفرين، بقيمة 325.8 مليون دولار. لم يُفصَح عن مضامين "خارطة الطريق" التعاونية، وإن كانتتخص عمومًا التكوين والتدريب على أسلحة متطورة قد تزود بهاأميركا تونس، ولا تتضمن، على ما يبدو، مسألتي فتح المجالالجوي التونسي للمقاتلات الأميركية، ولا إقامة قاعدة عسكريةدائمة في تونس؛ حيث سبق أن نفت السلطات التونسية وجودقواعد أميركية على أراضيها، إلا أن مصادر أميركية أكدت، في2017، وجود فرقة أميركية مكلَّفة بالتسيير العملياتي للطائراتالمسيَّرة في قاعدة بيزرت. عدم إقحام مسألتي المجال الجويوالقواعد العسكرية لا يعود فقط إلى حساسيتهما شعبيًّا فيتونس، ولكن لاعتبارات عملياتية أيضًا. فبحكم ضيق الحيزالجغرافي للأراضي التونسية وموقعها على ساحل المتوسط وبدونتواصل جغرافي مع الساحل، فإنها لا تمثل قيمة استراتيجيةكبرى بالنسبة للقوات الأميركية، التي يمكنها أن تتدخل في ليبيامن البحر، وفي الساحل بالاعتماد على دول (النيجر وماليوغيرها)، وهي أصلًا مسارح القاعدة وتنظيم الدولة في المنطقة. بعد زيارة تونسوالجزائر، زار أسبر المغرب؛ حيث التقى وزيرالخارجية، ناصر بوريطة، والوزير المنتدب لدى رئيس الحكومةالمكلفة بإدارة الدفاع الوطني، عبد اللطيف لوديي، والمفتش العامللقوات المسلحة المغربية، الجنرال عبد الفتاح الوراق (في المغربالملك هو قائد الأركان العامة للجيش)؛ وقَّع خلالها أيضًا على"خارطة طريق للتعاون العسكري في مجال الدفاع 2020-2030′′، والتي وصفها الطرفان بالاتفاق "التاريخي"، لتعزيزهالتعاون العسكري بين البلدين فاتحًا آفاقًا استراتيجية جديدة فيمجالات عدة (تسليح، تكوين عسكري، استخبارات). وللتذكير،فإن أميركا هي المزوِّد الرئيسي للمغرب بالأسلحة، وينظم البلدانتمرينات عسكرية سنوية (الأسد الإفريقي)، على الأراضيالمغربية، تحت إمرة أفريكوم (أُلغيت طبعة 2020 بسبب جائحةكورونا). ودعا لوديي، خلال زيارة أسبر، أميركا إلى الاستثمارفي الصناعة العسكرية في البلاد لتحفيز "تحويل التكنولوجياوالاستقلالية الاستراتيجية للمغرب". الجزائر–أميركا: تعاون ما دون العلاقة التحالفية يمكن حصر الدوافع الأساسية لزيادة أسبر إلى الجزائر فيالعوامل التالية، أولًا: إقامة اتصال مع السلطة "الجديدة" فيالجزائر، بعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا للجمهورية، فيدجنبر 2019، في محاولة لمعرفة توجهاتها واهتماماتها. ثانيًا: محاولة معرفة نواياها بشأن العقيدة العسكرية للدولة مع التعديلالدستوري المقترح للاستفتاء الذي يجيز نشر القوات العسكريةالجزائرية خارج الحدود في إطار عمليات حفظ واستعادة السلام،تحت إمرة الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية. فهلإسقاط القاعدة السابقة (عدم نشر القوات خارج الحدود)، والتيطالما اعتذرت بها الجزائر لرفض نشر قواتها في الخارج، يعبِّرعن قناعة سياسية وبالتالي عن تحوُّل في عقيدة البلاد أم هومجرد محاولة للتقليل من الضغوطات التي تتعرض لها من قبلشركائها الدوليين للتدخل، بفتح الباب لهذا التدخل مع تقييدهالشديد (حصره بعمليات تحت إمرة منظمة دولية ومنظمتينإقليميتين)، خاصة أنه من المستبعد أن تتدخل الجزائر مثلًا فياليمن حتى ولو كان التحالف العربي المتدخل هناك يتم تحت رعايةجامعة الدولة العربية؟ ثالثًا: تعزيز التعاون في مجال مكافحةالإرهاب في المنطقة المغاربية–الساحلية. رابعًا: ثقل المخاوفالأمنية المترتبة على حالة عدم الاستقرار الإقليمي المتنامي شرقًا(ليبيا) وجنوبًا (الساحل). كانت هذه المسائل الأمنية الإقليميةموضوع زيارة قائد أفريكوم، تاونساند، للجزائر (آخر زيارة لقائدأفريكوم لهذا البلد كانت في 2018) ولقائه الرئيس، تبون، وقائدأركان الجيش، الجنرال سعيد شنقريحة، ووزير الخارجية، صبريبوقادوم، وذلك قبل أسبوع فقط من زيارة أسبر. من هذا المنظور،يمكن القول: إن محادثات أسبر في الجزائر كانت سياسية أكثرمنها أمنية–عسكرية، لاسيما أن زميله وزير الخارجية، مايكبومبيو، الذي زار المغرب نهاية العام الماضي لم يزر الجزائر. أما فيما يتعلق بالبُعد الدولي الاستراتيجي، فإن المراهنة الأميركيةعلى تونس للمساهمة –على محدوديتها– في مواجهة النفوذالروسي في ليبيا يصعب استنساخها في الجزائر، لأن الحالةالجزائرية هي الأعقد بالنسبة لأميركا؛ فالجزائر تقيم علاقاتوطيدة مع روسيا (مزودها الأساسي بالأسلحة) ومع الصين(شريكها الاقتصادي الأساسي فضلًا عن التعاون العسكريوالتوافق السياسي حول العديد من القضايا). وبالنظر للعلاقة معأميركا، فإن هذه الأخيرة لن يمكن لها أن "تُبعد" الجزائر عنشريكيها خاصة أنها لا تطرح نفسها بديلًا للشريك الروسي، هذاإذا افترضنا أن الجزائر ترغب في المزيد من التقارب مع أميركا. الحقيقة أن التقارب الاستراتيجي ليس في سلم أولويات البلدين؛فتطوير الجزائر علاقاتها مع أميركا لن يتم على حساب روسيا،فرغم مرور عقدين على بدء تطوير هذه العلاقة فإن مكانة روسيافي علاقات الجزائر الدولية لم تتزعزع قيد أنملة. وإذا كان منالصعب معرفة ما إذا كان الأمر مجرد صدفة في برمجة الزيارات،فإن زيارة ديمتري شوغايف، مدير المصلحة الفيدرالية للتعاونالعسكري والتقني الروسي، للجزائر ولقاءه شنقريحة بعد يومينفقط من زيارة أسبر رسالة سياسية لمن يهمه الأمر. لذا، منالمستبعد في الراهن أن ترقى العلاقات الجزائرية–الأميركية إلىمصاف علاقات أميركا مع المغرب وتونس، إلا إذا حدث تحولجذري في عقيدة الجزائر الأمنية والسياسية، التي تقوم، فيماتقوم، على عدم الانخراط في التحالفات، ما يعني استبعاد منحهامثلًا صفة الحليف الأساسي لأميركا خارج الناتو، خاصة أن مثلهذا القرار الأميركي –المستبعد– يعني عمليًّا إفقاد المغرب الميزةالتي يتمتع بها مقارنة بالجزائر. كيف يمكن النظر لهذه الزيارة من حيث موقع المغربالعربي في الاستراتيجية الأميركية؟ تحدد حسابات أميركا، في سياق دولي وإقليمي مضطربوتنافسي، أهمية المغرب العربي في استراتيجيتها، فلولا ولوجتركياوروسيا الساحة الليبية بقوة والتنامي المتواصل للنفوذالصيني على مستوى القارة الإفريقية، لما تقدم موقع المغربالعربي نسبيًّا في سلم أولوياتها الاستراتيجية. فما تعتبرهاالسرديات الرسمية في واشنطن وفي العواصم المغاربية "شراكةاستراتيجية" لا تكاد تكون مجرد توظيف تكتيكي لهذه الدوللخدمة مصالح أميركية محددة وفقًا للسياق. هذا لا يعني أن الدولالمغاربية لا تخدم مصالحها، بالعكس فهي توظف "التوظيف" الأميركي لها لتحقيق مآربها السياسية والأمنية (شرعنة دوليةللأنظمة القائمة ولسياساتها المحلية والدولية، وتعاون عسكريوأمني من خلال التدريب والحصول على الأسلحة بالنسبةلبعضها، ومساعدات مالية، وتبادل تجاري). فضلًا عن بُعديالنرجسية السياسية والرمزية. فلا توجد دولة في العالم يمكنها أنتترفع عن "شراكة استراتيجية" مع القوة الأولى في العالم، حتىوإن كانت هذه الشراكة بدون مضامين استراتيجية حقيقية. لذا،فلا غرابة في أن تعتبر الدول المعنية مجرد الإعلان عن هذه"الشراكة الاستراتيجية" مكسبًا سياسيًّا وتشيد به وتثمِّنه موظفةًإياه في علاقتها مع جيرانها أيضًا. ما الجديد الذي يمكن أن تأتي به هذه الزيارة؟ باستثناء تعزيزوتطوير التعاون في مكافحة الإرهاب (بالنسبة للدول الثلاثة)،والتسليح (تونس والمغرب)، فإن المسائل السياسية الأخرى ذاتالأبعاد الأمنية والسياسية لا يبدو أنها ستشهد تحولًا. فمخاوفأميركا من إمكانية تناغم المواقف المغاربية مع موقفي تركياوروسيا بشأن الأزمة الليبية غير مبررة؛ لأن الدول الثلاثة (تونسوالجزائر والمغرب) غير راضية عن التدخلين، الروسي والتركي،بحكم المبادئ المؤسِّسة لمواقفها من هذه الأزمة، فمن المستبعد أنتستميلها تركياوروسيا. زيادة على ذلك، فإن التصور الأميركيللمشهد الإقليمي عمومًا ولمحددات السلوك السياسي لدول المنطقةخاطئ على الأقل جزئيًّا، ويمكن توضيح ذلك من خلال مثالين: أولًا: الجزائر تربطها علاقات استراتيجية، وتحديدًا في مجالالتسلح، مع روسيا، لكن هذا لا يجعلها تدعم التدخل الروسي فيالمنطقة، فهي رافضة لأي تدخل أجنبي في ليبيا مهما كانتالجهة. فلا حاجة إذن لمحاولة إقناعها بعدم التعامل إيجابيًّا معالدور الروسي في ليبيا، والشيء نفسه يقال عن موقفها حيالالدور التركي. لكن مع ذلك، ليست مستعدة للدخول في مواجهةسياسية مفتوحة مع روسيا بسبب الأزمة الليبية. ثانيًا: يقيم المغربعلاقات تحالفية مع أميركا وهو رافض أيضًا للتدخل الأجنبي فيليبيا لكنه غير مستعد للخوض في مواجهة سياسية مفتوحة معروسيا بشأن هذه الأزمة ولا لتعريض مصالحه الاقتصادية معالصين للخطر إرضاء لحليفه الأميركي، ناهيك عن الجزائر التيتربطها علاقات اقتصادية وثيقة مع الصين. فالحسابات السياسيةمعقدة والمصالح متشابكة في سياق تعمل فيه الدول المغاربية علىتنويع الشراكات تحديدًا لتعظيم هامش مناورتها السياسية وليسلتعزيز شراكة على حساب أخرى. فهي على عجزها، تحاولالتحرك للاستفادة قدر الإمكان من البدائل المتاحة، وعلى رأسها"توظيف" التوظيف الأميركي لها.