بعد أربعة أيام، من استنشاقه نسيم الحرية، تمكنت إسرائيل مساء الجمعة من القبض على محمود العارضة، الذي تنسب له قيادة عملية "الهروب الكبير"، من سجن جلبوع شديد التحصين، والتي أصابت إسرائيل بالصدمة. ونجح العارضة، برفقة 5 معتقلين آخرين، جميعهم من سكان محافظة جنين شمالي الضفة الغربية، بالفرار من السجن، يوم الإثنين الماضي. وتقول سلطة السجون الإسرائيلية إن الأسرى استخدموا نفقا، حفروه من داخل زنزانتهم للخروج من السجن. وأعلنت الشرطة الإسرائيلية، الجمعة، أنّها ألقت القبض على اثنين من الأسرى الفلسطينيين الستة الفارين، وهما محمود العارضة (46 عامًا) ويعقوب قادري (49 عامًا). وذكرت الشرطة، في بيان، أن "أفراد شرطة لواء الشّمال ألقوا القبض عليهما في جبل القفزة في مدينة الناصرة". والأسرى الأربعة الذين ما زالوا فارين، هم: زكريا الزبيدي، عضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، ومناضل نفيعات، ومحمد العارضة، وأيهم كمامجي، وجميعهم من حركة "الجهاد الإسلامي". ومحمود العارضة، هو ابن بلدة عرّابة إلى الشمال من مدينة جنين (شمالي الضفة الغربية)، وأحد قيادات حركة "الجهاد الإسلامي"، وتصنفه مصلحة السجون، والمخابرات الإسرائيلية، كأحد أكثر الأسرى "خطورة". وقضى العارضة، في السجون الإسرائيلية نحو 28 عاما، منها 25 عاما بشكل متواصل، منذ العام 1996 وحتى الآن. وفي العام 2014، حاول العارضة، مرتين الفرار من السجن، وفي إحداها حفر نفقا أسفل سجن "شطّة" (المجاور لسجن جلبوع)، غير أن أمره كُشف، وعاقبته السلطات الإسرائيلية بالسجن الانفرادي لأكثر من عام. ويقول مقربون من العارضة، إنه "مثقف، ورياضي، وعنيد، وحَسن الخُلق، ويمتلك علاقات جيدة مع جميع الأسرى من كافة الفصائل السياسية الأخرى". وأطلقت حركة الجهاد الإسلامي، على العارضة لقب "قائد عملية التحرر وانتزاع الحرية". ** من هو العارضة؟ تقول والدته فتحية العارضة (73 عاما)، إن نجلها "حَسنُ الخُلق، طيب، يحب الجميع، ومناضل منذ صغره، حيث اعتقل للمرة الأولى وهو في سن ال 14 عاما". وقبل ساعات قليلة من إعادة اعتقاله، قالت والدته لوكالة الأناضول إنها "فرِحة وقلِقة على حياته". وتقول الفلسطينية المسنّة، الذي تحوّل منزلها وجْهة للمتضامنين ووسائل الإعلام نهارا، ولقوات الاحتلال الإسرائيلي ليلا، إن الأخير اعتقل كل أبنائها، عقب فرار نجلها من السجن، وبقيت وحيدة. وتضيف "يبحثون عن محمود، ويحققون مع إخوانه". ولاحقا، أفرجت القوات الإسرائيلية عن اثنين من أبناء العارضة، بعد التحقيق معهم لعدة ساعات. وتتنهد السيدة، وتضيف "الله يحميه ويحمي جميع الشباب". ولم يتسنَ للأناضول، الحصول على تعقيب من والدة "العارضة" على نبأ إعادة اعتقاله. ووُلد العارضة لأسرة فلسطينية فقيرة، في منزل يقع على أطراف بلدة عرّابة إلى الشمال من مدينة جنين. وتقول والدته، إن عائلتها كانت إبان الانتفاضة الأولى (1987-1994) توفر الحماية لمجموعات مقاوِمة مسلحة. وتضيف "وفرنا الطعام والمأوى للمقاومين، وكان ابني الآخر، أحمد، مقاوما نفّذ عملية أصيب بها مستوطن إسرائيلي". واُعتقل محمود العارضة في العام 1991، وكان عمره 14 عاما، بتهمة إلقاء عبوات حارقة "المولوتوف" على قوات الاحتلال الإسرائيلية. وأُفرج عنه بعد ثلاث سنوات ونصف، ليعود من جديد لمقاومة الاحتلال. واستطاع العارضة بعد تحرره، تنفيذ عمليات مسلحة ضد إسرائيل، إحداها أسفرت عن مقتل مستوطن إسرائيلي. وفي عام 1996، اعتقل العارضة، وأصدرت محكمة إسرائيلية بحقه حكما بالسجن المؤبد مدى الحياة. وفي سجنه، بات "العارضة" أحد أبرز قيادات أسرى حركة الجهاد الإسلامي، وانتخب عضواً في الهيئة القيادية العليا لأسرى الحركة، ونائبا للأمين العام للهيئة. ** المثقف المؤلف وتنقّل العارضة بين مختلف السجون الإسرائيلية، واستثمر سنوات الاعتقال بالعلم والدراسة، وتمكن من حفظ القرآن الكريم، كاملا. ويقول مقربون منه، إنه يتمتع بثقافة واسعة، رغم أنه لم يتمكن من الدراسة الجامعية بسبب عمله المقاوم وسنوات اعتقاله الطويلة. وألّف العارضة، عددا من الكتب، ويُعرف بحبه للقراءة والاطلاع. ومن بين مؤلفاته "فقه الجهاد"، و" تأثير الشيخ الغزالي على حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، منهجا وفكراً". وحضّر العارضة، لنشر كتب أخرى لم ترَ النور، بعد. ** قائد وحدوي يقول ابن بلدته، والقيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خضر عدنان، إن "محمود" مثال "للرجل المقاوم الذي لم تهزمه سنوات الاعتقال، ولا السجان". وأضاف عدنان لوكالة الأناضول، قبل ساعات قليلة من إعلان نبأ اعتقال العارضة "بالرغم من السنوات الطويلة التي أمضاها العارضة في السجن، بقي كأنه ابن الأمس، لم تترك سنوات السجن عليه أية آثار، فلم يستطع الشيب أن يغزو فروة رأسه، وهو صاحب بُنية جسدية قوية، ورياضي من الدرجة الأولى". وتابع عدنان "لم يتسلل اليأس لقلب ووجدان محمود، اشتاق للحرية، ونالها بعزيمته وقوته، حفر النفق بملعقة بل بأظافره". ويشير عدنان، إلى أن العارضة، "وحدوي يحبه كافة الأسرى من مختلف التنظيمات، لديه علاقات واسعة، ورفقته للقيادي بحركة فتح زكريا الزبيدي في عملية الفرار، خير دليل". وعقب إعلان نبأ اعتقاله، برفقة "قادري"، قال عدنان، في تصريحات صحفية إن إعادة اعتقالهما "لن يكسرهما، وهما أحرارٌ وسيبقون أحرارا".