يعيش الحزب الاشتراكي الموحد على وقع خلافات حادة في الآونة الأخيرة بسبب ظهور تيار جديد سمى نفسه "اليسار الوحدوي"، يقوده كل من محمد الساسي، محمد حفيظ، ومحمد مجاهد وغيرهم، يعبر عن معارضته لتوجهات الأمينة العامة نبيلة منيب. هؤلاء كانوا أصلا ضمن تيار "الأفق الجديد" الذي تقوده نبيلة منيب وفاز ب80 في المائة من أصوات المؤتمرين في آخر مؤتمر، فما الذي جعل هذا التيار يعبر عن نفسه الآن؟ لابد من الإشارة إلى أن هذا التيار لم يتم تأسيسه بعد، لأن الاعتراف به داخل الحزب يتطلب احترام مساطر تتعلق بتنظيم ومأسسة التيارات. لكن الذين يقفون وراء محاولة تأسيس "اليسار الوحدوي"، شرعوا في مسطرة تأسيسه، من خلال إيداع وثيقة من 40 صفحة لدى سكريتارية المجلس الوطني للحزب، على أساس أن تتم برمجتها في اللقاء المقبل للمجلس، والتصويت عليها، فإذا حصلت على 5 في المائة، فإنه يعلن عن ولادة التيار. لكن الوثيقة قوبلت برفض شديد قبل مناقشتها. فما هي دواعي ظهور هذا التيار المثير للجدل؟ أحد هذه الأسباب شرحته وثيقة التيار كما يلي: "لقد استشعر عدد من مناضلي ومناضلات الحزب ضرورة تكوين تيار جديد، داخل حزبنا، جواباً على مظاهر وأوضاع قائمة في الحزب الاشتراكي الموحد، ومن أجل العمل الجماعي الجاد والهادئ حتى لا تعصف هذه الأوضاع برصيد الحزب". ومن الانتقادات التي جاءت في الوثيقة، أن الأرضية التي صادق عليها المؤتمر الوطني تم التخلي عنها عملياً، مقابل "تطبيق أرضية أخرى". وجاء في الوثيقة "هناك وضع غير طبيعي في الحزب، فقد صَوَّتَ المؤتمر الوطني الرابع لحزبنا على أرضية الأفق الجديد التي حازت 80 في المائة من الأصوات، ولكننا نلاحظ، في الواقع العملي، أن المضامين التي يجري تصريفها، في الخطاب والممارسة، هي تلك التي وردت، صراحة أو ضمنا، في أرضية رفاقنا في تيار اليسار المواطن والمناصفة، والتي حازت 16 في المائة من الأصوات". ويتعلق الخلاف هنا أساسا بموضوع الاندماج مع حزبي المؤتمر الوطني الاتحادي، وحزب الطليعة. وجاء في الوثيقة "إننا نحترم هؤلاء الرفاق ونقدر المجهود الكبير الذي بذلوه والجرأة التي أبدوها في الدفاع عن أطروحتهم بصدد قضية الاندماج، فلقد أبدوا، دائماً، ما يشبه التحفظ المبدئي على الاندماج، ولكن المؤتمر حسم الأمر وكان يتعين، بالنسبة للقضية المشار إليها، اعتماد المقاربة التي تبنتها الأرضية التي حظيت بتصويت أغلبية المؤتمرين". في موضوع الاندماج، تشير الوثيقة إلى أن هناك اختلاف بَيِّنٌ بين الأرضيتين: هناك أرضية تدعو إلى "التريث" في مواجهة ما تعتبره رغبة في الاندماج الفوري (الاندماج هنا والآن…)، وهناك أرضية تدعو إلى تسريع وتيرة العمل المفضي إلى الاندماج. هناك أرضية تتبنى فكرة الاندماج "النابع من القواعد"، وتطالب "بالعودة إلى هذه القواعد"، من أجل الانطلاق من الصفر تقريباً، وهناك أرضية تُوكل إلى الهيئتين التنفيذية والتقريرية أمر إتمام البرنامج المسطر، وذلك من منطلق أن القواعد المتحدث عنها، قد انتخبت المؤتمرين الذين قرروا بإرادتهم الكاملة، في مؤتمرات الأحزاب الثلاثة، تكليف هياكل الفيدرالية بضبط خطوات الاندماج. هناك أرضية لا تحفل بعنصر الزمن، وهناك أرضية تقدم تقديراً للمدى الزمني الذي سيتطلبه مسلسل الاندماج. هناك أرضية تربط بين معالجة السؤال المتعلق بإعادة تقييم مدى إيجابية الصيرورة الاندماجية للفصائل التي شكلت الاشتراكي الموحد، وموضوع الاندماج المرتقب، وهناك أرضية لا تقيم مثل هذا الربط، ولا تدعو إلى تقييم الاندماجات السابقة لاقتناعها، ربما، أن اتخاذ قرار الاندماج يَنِمُّ عن شعور بأن هذا المسار الوحدوي، عموماً، كان إيجابياً، ولهذا تقرر المضي فيه والإقدام على خطوة أخرى في نفس المسار. هناك أرضية تبدي نوعاً من التخوف والقلق على مصير العملية الاندماجية وتخشى أن تؤدي إلى انتكاسة على الوضع ببلدنا إن لم تتوفر شروط "الوحدة الحقيقية" أي "الوحدة من تحت"، وهناك أرضية تعتبر أن مسألة "التمايزات" القائمة بين الأحزاب الثلاثة هي إجمالاً في طريق الحل، ولا يمكن أن تشكل عائقاً، وما بقي منها ليس عصياً عن المعالجة. وحسب وثيقة التيار "لقد تَمَّ التصويت على أرضية "الأفق الجديد" بأغلبية ساحقة وارتضى المؤتمرون، بذلك، اعتمادها كمرجعية وحيدة. والتصويت على الأرضية هو تصويت على قرار الاندماج، ومهمتنا، بعد المؤتمر، هي تدبير القرار. وهذا التدبير يتعين أن يجري وفق السيناريو الذي وضعته الأرضية والتي جاء فيها: "سيكون علينا، في المدة المتبقية، تسريع وتيرة التنسيق والعمل الوحدوي بين تنظيمات وهياكل الأحزاب الثلاثة، وطنياً وإقليمياً ومحلياً وقطاعياً، طبقا للبرنامج المسطر، وخوض حوارات ولقاءات تحضيرية للحدث السياسي النوعي، وأنشطة عمومية تعبوية مشتركة في مختلف مناطق المغرب، وتنظيم الجامعات الموضوعاتية من طرف الفيدرالية بمعدل جامعة كل 6 أشهر، لتيسير شروط الاندماج، وتجسير العلاقات الرفاقية بين المكونات، وتُدمج، في هذه الجامعات، الفعاليات التي يمكن أن تسهم في بناء الاندماج مع تحبيذ تنويع مدن وجهات تنظيم هذه الجامعات.."