اعتبر بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن نشر المجلس الأعلى للسلطة القضائية ل"مدونة أخلاقيات القضاة"، يعد من المؤشرات والمبادرات الإصلاحية التي "تُعَضِد الانتقال نحو مرحلة جديدة في الوقاية من الفساد ببلادنا ومحاربته"، باعتباره خيارا حتميا لإحداث "تغيير عميق في مستويات المنحنى الذي تعرفه هذه الآفة". وأشار إلى أن كل المعطيات التشخيصية، تشير إلى "التداعيات غير المسبوقة في جل الدول، لآفة الفساد على اهتزاز الثقة العامة في المؤسسات وفي مختلف الجهود المبذولة". وأشار الراشدي خلال مداخلة له في ندوة نظمها المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أمس بالرباط حول "مدونة الأخلاقيات القضائية" إلى أن "الإدراك العام" يتغذى على "الشعور بالتعرض للشطط، أو لاستغلال النفوذ، أو للظلم، أو للمحسوبية والامتيازات"، أو لمختلف "صور الفساد"، والمصحوب بالإحساس بعدم المساءلة إزاء سلوكات إجرامية وأخرى مخالفة للقيم وللمصلحة العامة، يُفاقِم انعدام ثقة المواطنين في ما بينهم، وثِقتَهُم إزاء المؤسسات. كما اعتبر أن نشر مدونة الأخلاقيات القضائية، التي ترمي إلى إشاعة وتعميم المبادئ الأخلاقية، والمعايير السلوكية والمهنية، والحث على احترامها داخل المنظومة القضائية، "يأتي في إطار تعزيز مسار الإصلاح الشامل لهذه المنظومة ذات الأهمية البالغة في إرساء قاعدة صلبة للنموذج التنموي المستهدف"، وذلك لما تمثله كعمود فقري لدولة الحق والقانون. وبخصوص الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي نشر قانونها الجديد بالجريدة الرسمية، أشار الراشدي إلى أن القانون الجديد خص الهيئة، بصلاحيات "تَلَقي ومعالجة التبليغات والشكايات والتصدي التلقائي" لأفعال الفساد التي تصل إلى علمها والبحث والتحري بشأنها، وتحويلها، بعد التأكد من صحة الأفعال المتعلقة بها، إلى قضايا قادرة على أن تأخذ طريقها نحو سلطة المتابعة التأديبية أو الجنائية. وذكر بأن المجتمع الدولي أَوْلى أهمية خاصة لهذا الموضوع، من خلال مختلف الإتفاقيات الدولية والإقليمية ذات الصلة بالوقاية من الفساد ومكافحته، والتي اعتمدها المغرب كاتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي تحث، على الخصوص، على وضع "مدونات ومواثيق لعمل المحاكم والقضاة"، من أجل إرساء الالتزامات الأخلاقية والقِيمِيَة التي يتعين اعتبارها مرجعا وإطارا عاما للسلوك المهني والشخصي . وأوضح أن الهدف الأساسي من وراء مدونات الأخلاقيات هو وضع مرجع واضح للمبادئ والقواعد التي يجب على القضاة الالتزام بها، للحفاظ على استقلاليتهم وتمكينهم من ممارسة مهامهم بكل نزاهة وتجرد ومسؤولية، مما يضمن صيانة وضعهم الاعتباري والمهني وصيانة هيبة الهيئة القضائية التي ينتسبون إليها، كما أن المدونة تسعى بالموازاة إلى حماية حقوق المتقاضين وسائر مرتفقي المنظومة القضائية، والسهر على حسن معاملتهم في إطار الاحترام التام للقانون. وشدد الراشدي على أن سلطة قضائية مستقلة ومحايدة "تعتبر ركنا أساسيا لحماية حقوق الإنسان"، كما أن نزاهة القضاء تشكل حجر الأساس في الأنظمة القضائية القوية "وشرطا مُسْبَقا وضروريا لسيادة القانون، والحق في محاكمة عادلة، وصيانة الحقوق، وكسب ثقة المرتفق في القضاء" .