إثر العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي وضع أوزاره فجر أمس الجمعة، أثيرت تساؤلات حول دور الجرائم التي ارتكبها الاحتلال (في فلسطين) في تأخير التطبيع مع المغرب، على غرار ما حصل قبل أكثر من عقدين. في 10 دجنبر الماضي، أعلنت إسرائيل والمغرب، استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد توقفها عام 2000. وأصبح المغرب بذلك رابع دولة عربية توافق على التطبيع مع إسرائيل، خلال 2020، بعد الإمارات والبحرين والسودان. وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس أمر في أكتوبر 2000 بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، المفتوح منذ 1994، وطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية، عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ومنذ 13 أبريل الماضي، تفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، جراء اعتداءات "وحشية" ترتكبها شرطة إسرائيل ومستوطنوها في مدينة القدسالمحتلة، خاصة المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، في محاولة لإخلاء 12 منزلاً فلسطينيًا وتسليمها لمستوطنين. وتصاعد التوتر في قطاع غزة بشكل كبير بعد إطلاق إسرائيل عملية عسكرية واسعة فيه منذ 10 ماي الجاري، تسببت في مجازر ودمار واسع في المباني والبنية التحتية. وبدأ فجر أمس الجمعة، سريان وقف لإطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، بعد 11 يوما من العدوان. وأسفر العدوان الإسرائيلي الوحشي على أراضي السلطة الفلسطينية والبلدات العربية بإسرائيل، عن 279 شهيدا، بينهم 69 طفلا، و40 سيدة، و17 مسنا، فيما أدى إلى أكثر من 8900 إصابة، منها 90 صُنفت على أنها "شديدة الخطورة". وكانت المملكة المغربية أدانت ب"أشد العبارات أعمال العنف المرتكبة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة"، معتبرة أن استمرارها "لن يؤدي سوى إلى تعميق الهوة، وتأجيج الأحقاد وإبعاد فرص السلام أكثر في المنطقة". وفي 14 ماي الجاري، أمر العاهل المغربي بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة لفائدة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. مغادرة رئيس البعثة الإسرائيلية وفي 15 ماي الجاري، أعلن رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط ديفيد جوفرين مغادرته المغرب لأسباب قال إنها تتعلق بصحة والده. وجاءت مغادرة جوفرين بالتزامن مع دعوات لطرده من الرباط وقطع جميع العلاقات مع إسرائيل، بسبب عدوانها على الفلسطينيين. وقال جوفرين على حسابه في "تويتر": إنه سيعود إلى المغرب "بعد عيد نزول التوراة (الشفوعوت في 7 يونيو"). وبحسب الإعلام المغربي، فإن الممثل الرسمي لإسرائيل يتخذ من فندق بالرباط مسكنا، ولم يتم افتتاح مكتب الاتصال الإسرائيلي في العاصمة المغربية حتى الآن. مطالب الشارع والبرلمان وخلال الأيام الماضية، ارتفعت الأصوات المطالبة بوقف مسلسل التطبيع مع إسرائيل وإغلاق مكتب الاتصال. وبدأت هذه المطالب من الشارع المغربي، خلال الوقفات الاحتجاجية المنظمة في أكثر من 40 مدينة، تضامنا مع الفلسطينيين، قبل أن يصل صداها إلى البرلمان. وفي 17 ماي الجاري، طالبت الكتلة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" (قائد الائتلاف الحكومي)، بالبرلمان، بإغلاق مكتب الاتصال، ردا على العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين. ودعا محمد الحمداوي، عن"العدالة والتنمية"، في كلمة له خلال جلسة للبرلمان، إلى "إغلاق مكتب الاتصال"؛ ردا على العدوان الإسرائيلي على غزةوالقدس. بدورها، طالبت مؤسسة "محمد عابد الجابري" (غير حكومية) ب "إغلاق مكتب الاتصال، وطرد رئيسه". وطالبت المؤسسة، ب "إلغاء كل أشكال التطبيع مع الصهاينة، وإلغاء كل الاتفاقيات المبرمة معهم". مراجعة قرار التطبيع قال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الأول (حكومية) بسطات، إن "التطبيع كان متفهما في البداية لارتباطه بالقضية الوطنية (إقليم الصحراء)، ولكن الرفض الشعبي ظهر بشكل أكثر وضوحا في تنديد المغاربة بجرائم الاحتلال الإسرائيلي". وأضاف اليونسي ل "الأناضول" أن "المغرب يدبر اليوم مرحلة ما بعد دونالد ترامب (الرئيس الأمريكي السابق)، والمؤكد أنه ستكون هناك مراجعة لقرار التطبيع". وتوقّع أن يستمر الرفض الشعبي للتطبيع، مستبعدا التراجع كليا عن العلاقات كما حصل في 2000، لكنه توقع "تباطؤا في وتيرة التطبيع". وتابع: "الواضح أن ما وقع في غزة من جرائم للاحتلال الإسرائيلي والاحتجاج الشعبي المندد بذلك، وجَّهَ إلى المتحمسين من داخل السلطة التنفيذية ودائرة صنع القرار رسالة واضحة بأن مصالح المغرب تمر أولا وأخيرا من خلال الارتباط بهموم الأمة والقدس، خاصة أن الملك يترأس لجنة القدس". العدوان وإبطاء التطبيع وفق سلمان بونعمان، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله (حكومية) بفاس (شمال)، فإن "العدوان الصهيوني وردود الفعل الفلسطينية كانت دائما تخرس الأصوات التطبيعية، ولو إلى حين". وقال بونعمان ل "الأناضول إن "العدوان الإسرائيلي الغاشم في قطاع غزةوالقدس سيؤخر تفعيل التطبيع، فضلا عن أنه سيُحرج النخب الإعلامية والسياسية والثقافية التي تسعى إلى ترويج الأطروحة الصهيونية في المنطقة". وأشار إلى أن "فداحة الجرائم الصهيونية ستحد من سقف وتيرة التطبيع، وستخفف الضغوط على المغرب للمضي قدما في الخطوات العملية للتطبيع". تأثير محدود أما خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول (حكومية) بوجدة، فاعتبر أن "التطورات الأخيرة في القضية الفلسطينية سيكون لها تأثير طفيف قد يؤجل أو يؤخر بعض المشاريع التي تدخل في إطار التقارب بين البلدين، لكن لن يلغي اتفاق التطبيع". وأضاف شيات ل"الأناضول": "قد تجمد بعض البرامج المتعلقة بالتطبيع، لكن لا يتصور قطع العلاقات". ولفت إلى أن "اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل له نسق موضوعي مرتبط بمصالح آنية ومستقبلية للرباط التي تتعرض لضغط من جيرانها الداعمين للانفصاليين؛ لذلك لن يتأثر بشكل كبير بالواقع والتطورات الحالية". (الأناضول)