لشهر رمضان في المغرب أجواء خاصة، لا تنحصر في العادات الغذائية والاستهلاكية، بل تمتد إلى الطقوس التي ترافق صيام الأطفال للمرة الأولى. ويتوارث المغاربة عادات وطقوس عصية على الاندثار لتشجيع ومكافأة الأطفال عن أول صيام لهم، والذي عادة يكون ال27 من رمضان، الذي يشهد "ليلة القدر" في عرف المغاربة. هذه الطقوس الخاصة خالدة من وحي الذاكرة التراثية الشعبية، التي أبدعها المغاربة منذ مئات السنين. ** الصيام تزامنا مع ليلة القدر وفي ظل سعي الأسر المغربية بشتى الوسائل لتحبيب الأطفال في الصيام وربطهم بهذا الركن الديني، تختار يوما مميزا في رمضان ليكون أول يوم صيام للطفل، في ال27 منه الذي يشهد ليلة القدر التي يحييها المغاربة في أجواء خاصة. وليلة القدر في المغرب ليلة مباركة ومقدسة، يتم فيها تعطير البيوت بالبخور، وإخراج الصدقات ونشر الفرح. واحتفت رجاء السايسي بأول صيام لابنها ياسين (10 سنوات) السنة الماضية، لكنها تنتظر هذا العام بفارغ الصبر حلول يوم ال 27 لتحتفل بصيام ابنتها هبة (7 سنوات) للمرة الأولى. وتقول رجاء للأناضول إنها "أعدت قفطانا (زي تقليدي نسائي) خاصا لابنتها لترتديه في يوم صيامها الأول، كما حجزت موعدا مع مختصة لتنقش يديها بالحناء". وتضيف: "أريد لصغيرتي أن تتذكر تفاصيل هذا اليوم أولا بأول، لأنه حدث نادر". الأمر نفسه بالنسبة لنجلاء العروسي التي تُعد العدة للاحتفاء بأول صيام لطفليها خنساء (7 سنوات) ووليد (9 سنوات). وتروي نجلاء للأناضول، أنها حرصت منذ بداية رمضان على تعويد طفليها على الصوم بأن شجعتهما على صيام نصف النهار بشكل متكرر. وتابعت: "صيامهما اليوم كله سيكون حدثا خاصا داخل الأسرة، وسأحرص أن ترافقه كل العادات الأصيلة المتوارثة جيلا بعد جيل". ** زي تقليدي وأطعمة خاصة ويرافق أول صيام للأطفال عادات تبدأ باختيار الزي الذي يرتدونه، وينتهي بأخذ صورة خاصة للذكرى، مرورا بنوعية الأطعمة التي تقدم لهم خلال مائدة الإفطار الرمضانية بعد صيامهم الأول. ويشترك الذكور والإناث الصائمون للمرة الأولى في ارتداء الزي التقليدي الأصيل. بالنسبة للطفلة الصائمة فإنها ترتدي ملابس تقليدية مثل "القفطان" (لباس تقليدي تلبسه المرأة في المناسبات والأعراس والأمسيات الاحتفالية) أو الجلباب (المغربي) التقليدي، كما ترتدي في رجليها "الشربيل" (نعل تقليدي مصنوع من الجلد) وتنقش يديها بالحناء. أما الطفل الذكر فيلبس جلبابا تقليديا أو "جبادورا" (لباس تقليدي يتكون من فوقية تشبه القميص وسروال وعباءة تشبه الجلباب)، ويضع "طربوشا" أحمر على الرأس تتدلى من الخلف حزمة من الخيوط الحريرية السوداء. ولا يكتمل المظهر الجمالي للطفل الصائم إلا مع "البلغة" (نعل تقليدي يصنع من الجلد)، فيما تزين راحة يده بدائرة من الحناء كنوع من الفأل الحسن، حسب العادات المغربية. ولا يقتصر الاحتفاء بصيام الأطفال على اللباس، بل يشمل تحضير أطعمة خاصة. وهكذا تملأ ربة البيت المائدة الرمضانية ب"الشهيوات" (أنواع من الطعام المغربي، يقصد به بعض الأكلات الإضافية كالحلوى والسلطات التي تقدم بجوار الوجبات، كالمقبلات أو المنكهات الأولية للمائدة) المفضلة للطفل أو الطفلة الصائمة للمرة الأولى، لكن جرت العادة أن يحظى الطفل الصائم ببيضة خاصة يُقشرها بنفسه ويُفطر عليها، ويستتبعها بحليب وتمر. وبعد انتهاء الإفطار يجود كبار العائلة على الطفل أو الطفلة الصائم بأوراق نقدية تضفي مزيدا من الاحتفاء وتحبب الطفل أكثر في الصيام. ** صورة ذكرى لا تنسى ومن العادات المميزة التي ترافق أول صيام للأطفال، أخد صورة للطفل أو الطفلة عند مصورين خاصين ينتشرون في الأحياء الشعبية، وذلك في جو يشبه تقاليد عرس مغربي. وكانت أغلب الأسر تقوم بتأريخ هذه الذكرى ليلا بعد صلاة التراويح، غير أن حظر التنقل الليلي هذا العام بسبب جائحة "كورونا" ابتداء من الساعة الثامنة مساء وحتى السادسة صباحا، جعل الآباء يرافقون أبناءهم إلى استديوهات التصوير خلال النهار. وفي 7 أبريل الماضي، أعلنت الحكومة توسيع حظر التجوال الليلي في رمضان، في جميع أنحاء البلاد، من الساعة الثامنة مساءً إلى الساعة السادسة صباحاً، للحد من تفشي كورونا. وخلال التقاط الصورة، يركب الطفل فوق جواد، فيما تتربع الطفلة على "العمارية" (هودج منمق بالفضة أو النحاس) في جو احتفالي بهيج يأخذ فيه الأطفال دورهم ليحظى كل منهم بلقطته الخاصة التي تؤرخ لصيامه الأول.