ألقى إدريس الأزمي الإدريسي، باستقالته من رئاسة المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية وأمانته العامة، كرة نار ملتهبة في حجر سعد الدين العثماني وأمانته العامة، يمكن أن تنفجر في وجهه وتشعل النار الهادئة في أركانه طيلة السنوات الأخيرة. وانطلاقا من نص رسالة الاستقالة، فإن الأمر "جلل" داخل حزب رئيس الحكومة، إذ أن الأزمي يترأس أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر الوطني، وقال كلاما كبيرا يحمل فيه العثماني وفريقه مسؤولية القرار "الصعب" الذي اتخذه بعدما لم يعد يتحمل الاستمرار. وربما يعكس هذا المقطع من الرسالة "كان التأصيل والتقعيد والفعل والموقف يسبق الواقع ويؤطره ويتفاعل معه ويؤثر فيه، عوض اليوم الذي أصبح فيه الحزب يلاحق الواقع ويركض وراءه، ليس لأن الواقع أعقد وأسرع، ولكن لأن الحزب ربما ركن إلى الراحة وأعجبته الكثرة وخلد إلى الانتظارية وإلى الواقعية المفرطة وألبس كل هذا لبوسا يجعله مستعدا إلى قبول كل شيء، مسخرا ملكاته وقدراته ومؤسساته للتبريرات البعدية عكس ما يعتقد أو في الحد الأدنى بعيدا عما كان يدافع عنه بالأمس"، لب المشكلة والخلاف المتعاظم بين التيارين المختلفين حول طريقة تدبير المرحلة. قيادي بارز في حزب العدالة والتنمية، لم يستبعد، في حديث مع "اليوم 24′′، أن يكون قرار استقالة الأزمي من رئاسة برلمان الحزب، له علاقة بمشروع "قانون تقنين زراعة القنب الهندي"، الذي شرعت حكومة العثماني في مناقشته الخميس الماضي، تمهيدا لإقراره في اجتماع المجلس الحكومي المقبل. وقال المصدر، الذي لم يرغب في ذكر اسمه، إن الطريقة التي تعتمدها قيادة الحزب في تمرير بعض القرارات الحكومية "مستفزة، وتكون الطريقة التي يتم اعتمادها في تمرير القوانين هي توفير غطاء الشرعية لهذه القرارات ولا يسبقها أي نقاش أو تداول داخل الحزب ومؤسساته"، وهو الأمر الذي يثير غضب معارضي العثماني وتيار الوزراء داخل الحزب. وأفاد المصدر ذاته، بأن تصريحات عزيز رباح، التي عبر فيها عن موافقته المبدئية لزيارة إسرائيل بصفته وزيرا في الحكومة إذا عرضت عليه، كانت من ضمن النقاط التي "أفاضت الكأس ودفعت الأزمي لتقديم استقالته"، وهو الأمر الذي أشار له في رسالة استقالته. في تعليقه على الموضوع، يرى المحلل السياسي، عبد الرحيم العلام، أن استقالة الأزمي من رئاسة المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية هي "أقل شأنا مقارنة مع تأثير استقالة الوزير مصطفى الرميد على مجريات الدولة بشكل عام في موقف له تأثير كبير على الدولة". وأضاف العلام، في تصريح ل"اليوم 24′′، أن الاستقالة تؤكد أن هناك "أشياء تعتمل داخل حزب العدالة والتنمية لأن أشخاصا مؤثرين، مثل أبو زيد، الذي يتمتع بشعبية كبيرة داخل الحزب وحركة التوحيد والإصلاح، قرر تجميد عضويته داخل هياكل الحزب بسبب التطبيع، وهناك الكثير من الاستقالات على المستوى المجالي لم يعلن عنها". واعتبر العلام أن هذه الاستقالات ستحدث "رجة قوية" داخل حزب العدالة والتنمية، مؤكدا أنها "إما ستقسم ظهره أو تقويه"، وهو ما ستحدده طريقة تعاطي العثماني وأمانته العامة مع الموضوع. وتساءل العلام عما إذا كانت الأمانة العامة ستقدم على "خطوات ترضي الغاضبين أم أنها ستقويهم ويستمر العثماني في استكمال ولايته تحت أي وجه كان، حتى لا يقال إنه لم يكمل ولايته". وأضاف "أعتقد أن رهان العثماني فقط هو إكمال الولاية، ويوقن بأن مستقبله السياسي بعد هذا المنصب وأسهمه ضعيفة داخل الحزب والحركة ورهانه على الدولة، وربما يراهن على علاقة جيدة مع القصر على أمل أن يبوأ بشيء من المسؤوليات، كباقي رؤساء الحكومات السابقة باستثناء بن كيران". وأوضح العلام أن إقدام الأمانة العامة على خطوات تواصل السير في مسارها "سيؤثر على الحزب بشكل سلبي انتخابيا"، واستدرك "إذا استغلت هذا الوضع واتخذت مواقف تساير ما ينادي به الأزمي وأبو زيد من مواقف سيكون له عائد شعبي ويلتقطه الرأي العام بنوع من الإيجابية وليس السلبية". وشدد العلام على أن تعاطي العثماني وأمانة الحزب مع هذه الاستقالات "سيقوي أسهم الحزب، وإذا استغل هذا الأمر سيجر الرأي العام نحو الحزب، وقد يفلت بذلك من الدورة الحزبية المعروفة، (معارضة/شعبية/حكومة/تراجع/موت) مثل ما حدث مع الاتحاد الاشتراكي والاستقلال". ولفت العلام إلى أن الوضع الذي يعيشه الحزب، يمكن أن يمهد لعودة عبد الإله بن كيران إلى الواجهة مرة أخرى"، وأضاف "ليس لديهم شيء إلا أن يعيدوا بن كيران إلى الواجهة مرة أخرى وهذا الأمر ممكن لأنه ليس هناك بديل آخر في الحزب لبن كيران"، واستدرك "رغم ذلك، وانطلاقا من موقف الرميد واستقالته الأخيرة، يمكن أن تجعله رجل المرحلة المقبلة لقيادة الحزب".