أشياء كثيرة تحدث أثناء الليل بمدينة البوغاز، منها ما أصبح أمرا عاديا، ويحدث في كل ليلة، كانتشار بائعات الهوى والمتسولين وقطاع الطرق، و هناك أشياء أخرى، قلما تحدث، وبالتالي تشكل حالات استثنائية، كالقتل أو الانتحار، أو غير ذلك من الحوادث التي تسجلها المصالح يسود اعتقاد كبير بين الناس أن ليالي طنجة مختلفة عن ليالي باقي المدن المغربية، نظرا لمجموعة من الاعتبارات، أبرزها أن عاصمة البوغاز، التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن اسبانيا، وأنها مدينة سياحية يزحف إليها الآلاف من الزوار في مختلف فصول السنة، وقبل هذا وذاك، إنها المدينة التي صنفت في المرتبة العاشرة على مستوى السياحة الجنسية، وفق تقرير نشر في إحدى المجلات البريطانية السنة الماضية. أشياء كثيرة تحدث أثناء الليل بمدينة البوغاز، منها ما أصبح أمرا عاديا، ويحدث في كل ليلة، كانتشار بائعات الهوى والمتسولين وقطاع الطرق، و هناك أشياء أخرى، قلما تحدث، وبالتالي تشكل حالات استثنائية، كالقتل أو الانتحار، أو غير ذلك من الحوادث التي تسجلها المصالح الأمنية المداومة. بيد أن الأمر المثير الذي تسجله ليالي طنجة وقد تختلف فيه عن باقي مدن المملكة، هو انتشار الشواذ، بشكل غريب وسط أبرز شوارع المدينة، إنهم يصنعون حكايات ومشاهد فريدة، لكنها مضحكة في نفس الوقت. مشاهد حزينة وأخرى مرعبة، في الملاهي، وأمام مقر المداومة الأمنية، وداخل أوكار الشواذ، وفي المحطات الطرقية ، إنها مشاهد قلما تحدث في النهار، تنقلها "أخبار اليوم" في هذا الاستطلاع الليلي من داخل عاصمة البوغاز، إنه ليل طنجة كما لم تعرفوه من قبل ! الليل يبدأ عقارب الساعة تتجه نحو الحادية عشر قبل منتصف الليل، الحانات، والمراقص، وأوكار الدعارة، بدأت تستعد لحل أبوابها. محلات "الكوافور" الشهيرة بالمدينة بدت مليئة بالزبائن، إنهم زبائن مختلفون، لا يأتون إلا في ساعات متأخرة من الليل، يقول أحد حراس هذه المحلات، ويضيف، " أغلبهن من بائعات الهوى يأتين إلى هنا بشكل مستمر، ولما ينتهين من صف الشعر، يجدن "الطاكسيات" في انتظارهن لنقلهن إلى الحانات والملاهي الليلة. بداية الليل بالنسبة لهؤلاء تكون غالبا بمحلات "الشيشا"، أو الحانات التابعة للفنادق، التي تغلق أبوابها مبكرا، مع الإشارة هنا إلى أن محلات "الشيشا" بدأت تشهد تزايدا كبيرا داخل المدينة، وإن أصحابها عادة ما يحصلون على رخص المطاعم أو المقاهي، لكنهم يحولونها إلى أوكار لتعاطي "الشيشا" كما أنه يظل فضاء مناسبا لاصطياد العاهرات.
مشهد من داخل ملهى ليلي أمام إحدى الملاهي الليلة المشهورة يقف رجلان طويلان، رغم تزايد قوة المطر، فإنهما ظلا متسمرين في مكانهما يستقبلان رواد الملهى، ورغم أن الساعة تبدو متأخرة نسبيا فإن الملهى بدا غير مليئ كالعادة بالزبناء. بعد لحظات، وصل وفد أجنبي إلى الملهى يتكون من خمسة أفراد، فيما صخب الموسيقى بدأ يتعالى شيئا فشيئا، أما الفتييات فهن الغائب الأكبر خلال هذه اللحظات، يتساءل أحد الرفاق، أين الفتيات فيجيب صديقه "دبا يظهرو". بعد قليل يدخل فوج من الفتيات بلباس محترم، لكنهن سرعان ما سيغبن لفترات عن الأنظار، يعود الرفيق ليسأل زميله أين ذهبن؟ فيجيبه سول "الكماريرو" بمعنى النادل. هذان الرفيقان، لا يبدو أنهما يرغبان في قضاء ليلة من الرقص والمرح، بقدر ما حلا بهذا الملهى لاصطياد الفتيات، أما التفاصيل فلا تهمهما. فجأة تخرج فتيات من مرحاض الملهى غير أولائك اللواتي دخلن من بابه الرئيس، شكلهن يبدو مختلف، إنهن يرتيدن تنورات قصيرة تكاد تكشف عوارتهن، أحد الرفاق الذي كان يسأل عنهن لم يفهم شيئا، وبدا للحظة وكأنه يريد الارتماء على إحداهن، لكن صديقه يطالب بضبط نفسه، مؤكدا له أن الليل مايزال طويلا. يضبط هذا الرفيق نفسه، لكن نظرات لم تتوقف شمالا ويمينا، تبدأ السهرة، وينطلق الرقص المثير، وتتعالى معه أصوات الموسيقى الصاخبة، التي لن تتوقف فيما يبدو إلا عند الخامسة صباحا.
من الملهى إلى المخفر لم تكن أكثر ممتهنات الدعارة تشاؤما تعتقد أن هذه الليلة ستقضي نهاية الليل بمخفر الأمن، فعناصر الأمن قامت بحملة مفاجئة شملت مختلف الحانات والمراقص والعلب الليلية بالمدينة ، وأسفرت عن إيقاف في ليلة واحدة حوالي 55 فتاة يمتهن الدعارة ، أعمارهن تتراوح ما بين 20 و43 سنة ، ويتحدرن من مختلف المدن والقرى المغربية. ورغم أن نفس الحرفة جمعتهن، كما حملتهن نفس سيارة الأمن في اتجاه كوميسارية طنجة، فإن بعضهن تم إخلاء سبيلهن ، دون إحالتهن رفقة باقي زميلاتهن على النيابة العامة من أجل التحريض على الفساد. مجموعة من الفتيات اللواتي ألقي القبض عليهن في تلك الليلة تفاجأن حين تم إطلاق سراح حوالي 9 من الموقوفات بمجرد وصولهن إلى مقر الديمومة، وتسائلن حول عدم بقائهن تحت الحراسة النظرية، لكنهن كن يعتقد أن سؤالهن لن يكون له جواب، وإن إلحاحهن على السؤال قد يؤدي بهن إلى عواقب وخيمة. تقول إحداهن إن هناك مومسات " محميات " ، يتم إشعارهن بتوقيت الحملات الأمنية ، كما يتوفرن على أرقام الهواتف الخاصة لبعض المسؤولين من مختلف الأجهزة ، كما أنهن يجدن أنفسهن في مواجهة تهمة التحريض على الفساد لعدم ارتبطاهن بزبناء من " العيار الثقيل " أوعدم قدرتهن على المنافسة من حيث مستوى " الشكل والخبرة " أمام ارتفاع العرض على الطلب. وتشير الإحصائيات المتعلقة بشهر مارس الماضي إلى توقيف حوالي 70 فتاة يحترفن ممارسة " مهنة " الدعارة ، وقد تم عرض ملفاتهن على القضاء، وتقول ولاية أمن طنجة إن هذه الحملة تأتي في إطار محاربة ظاهرة الفساد الأخلاقي بالشارع العام.
حين ينافس الشواذ العاهرات "ساحة الأمم" الثانية إلا الربع من نفس الليلة، إنها الساحة التي تشهد كل يوم تقريبا وقفات احتجاجية وتنتهي فيها مسيرات "حركة 20 فبراير" والعدل والإحسان، وحركة "أطاك" اليسارية، تتحول هذه الساحة في الليل إلى فضاء من نوع خاص، إنه المكان التي ينظم فيه شواذ طنجة وقفاتهم، لكن ليس للاحتجاج، فالاحتجاج يكون في النهار، أما الليل فهو لجلب زبناء "خاصين" لأشخاص "غير عاديين". هذه الشريحة، لا يوجد لها أثر في النهار، حتى إن الحديث عن وجود شواذ كثر في مدينة البوغاز، يتحول إلى ضرب من الخيال، وحتى الحملات الأمنية ضدهم قليلا ما تحدث، لذلك وجدوا أنفسهم وقد تحولوا إلى فرقة "سرية" تتجول في هذه الساحة وفي جوانب المحكمة، في انتظار "عشيرهم" كما يحلو لهم تسمية الزبون. "أخبار اليوم" اقتربت من أحدهم، وسألته عن سبب وجوده، في مثل هذه الساعة من الليل، فأجاب قائلا:" ونتا أش كتعمل هنا ؟ ربما كان يعتقد أنني أبحث عن "عشير"؟ يتحدث هذا الشاب العشريني بلغة الفتيات، وكلامه لا يخلو من المداعبة، وأحيانا يخيل لك وكأنه يريد احتضانك وسط الشارع. لم يكد ينته الحديث مع هذا الشاب أو "الفتاة"، حتى يقترب زميله منه يسأله عن سبب تأخر أصدقائه الآخرين، فيجيبه بأنه قادمون في الطريق. حاول هذا الشاب بكل الطرق إيجاد طريقة لإبعاد صديقه الذي يقول إنه جاء في وقت غير مناسب. إنه مازال يعتقد أنني سأكون خليله هذه الليلة. سألناه حول ثمن قضاء ليلة معه فأجاب، بأنه لا يحب قضاء الليل كله، بل إنه يكتفي فقط بتحقيق متعة زبونه وهذا ثمنه 500 درهم كأدنى مقابل. يحكي هذا الشاب بكثير من الجرأة، ويقول إنه كانت تربطه علاقات جنسية مع مختلف شرائح المجتمع، الأغنياء والفقراء والمسؤولون، يقول إنهم يأتون بسيارتهم عند حوالي الثالثة بعد منتصف الليل، ويوقفونها أمام إحدى المقاهي القريبة من محكمة الاستئناف في انتظاره. لا يختلف الشواذ عن العاهرات كثيرا بخصوص المكان المفضل لتحقيق المتعة، بيد أن الشواذ عادة ما يفضلون تحقيقها داخل السيارات، فيما العاهرات يفضلن الفنادق أو المنازل المفترشة المخصصة للدعارة. وفي ظل غياب إحصاءات دقيقة حول عدد الشواذ الموجودين داخل المدينة فإن تقارير غير رسمية تؤكد أنهم بالالاف أغلبهم وافدون من مناطق قريبة من طنجة ، كما أن الحملات الأمنية الاستثنائية التي تخصهم، سرعان ما يتم الإفراج عنهم، ليعودوا إلى ساحتهم ينتظرون الزبنان.
وللمتسولين نصيب من ليل طنجة المكان: محطة المسافرين بطنجة، الساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل اكتئاب فظيع يصيب المسافر وهو يخطو نحو مدخل المحطة الطرقية بطنجة. روائح البول تزكم الأنوف، والأوساخ والأوحال تثير الاشئمزاز، لدرجة يتخيل المسافر نفسه وكأنه يدخل إلى زريبة الحيوانات وليس إلى مرفق عمومي حيث يتوجه إليه العشرات من المسافرين كل يوم. في شمال المدخل الرئيس للمحطة يوجد ممر ضيق يؤدي إلى المسجد، يقف شاب ثلاثني متسخ الوجه، مقطّع الثياب يحمل بيده اليسرى قنينة مليئة ب"السيليسيون"، أما اليد اليمنى فيحاول بها نزع سرواله من أجل التبول على الحائط الذي لا يبعد عن المسجد إلا خطوات قليلة. يخرج متسكعون آخرون من ممر معاكس يؤدي إلى مقهى المحطة، يتجهون نحو زميلهم الذي شرع في التبول، وبدئوا ينهالون عليه بالضرب من الخلف، وكاد أحدهم أن يكسر قنينة من زجاج فوق رأسه لولا تدخل أحد الأشخاص الذي منعه من شق رأس زميله. "إنه مشهد يتكرر كل ليلة" يقول أحد بائعي السجائر داخل المحطة، ويضيف:" إنهم يجتمعون في هذا المكان كل ليلة ورغم وجود عناصر أمن داخل المحطة فإنهم لا يحركون ساكنا اتجاههم". يحكي نفس الشخص بأن اعتداءات خطيرة وقعت على المسافرين من قبل هؤلاء "الشمكارة" ومع ذلك فإنهم مازالوا يرتادون على المحطة بكثرة بعد منتصف الليل. عند مدخل المحطة ينتصب مركز الأمن، إنها بناية تبدو بئيسة مظلمة وكأنها لا تتوفر على الإنارة، رجل الأمن الذي يحرس المكان يبدو وكأن النوم غالبه، وساعده على ذلك الهدوء غير المعهود داخل هذه المحطة. في بهو المحطة يوجد مسافرون يفترشون الأرض رفقة متسولين في مشهد غريب وغير بعيد عن مركز الأمن، وهناك مسافرون آخرون يجافيهم النوم فوق الكراسي المهترئة للمحطة، ينتظرون الصباح للسفر نحو مدينتهم. هناك مسافرون فضلوا انتظار حافلتهم داخل مقهى المحطة، بينما فضل مسافرون آخرون الدخول إلى المسجد وأخذ قسط من الراحة، لأنهم يعتقدون بأنه مكان آمن لهم ولمتاعهم. داخل مقهى المحطة يبدو الأمر مختلفا، فالمسافرون هناك يقضون أوقاتهم في الأحاديث الثنائية التي يتغلبون بها على النوم، بالإضافة إلى كؤوس القهوة، التي تساعدهم على اليقظة، وهناك مسافرون آخرون اختارون مشاهدة أفلام الرعب الأمركية المترجمة التي تبتها بعض القنوات الفضائية، من أجل تسلية ما تبقى من ساعات هذا الليل الطويل.