أكدت التطورات الأخيرة في الكركرات أن الأحزاب الإسلامية المغاربية صارت أكثر ولاء لدولها وأنظمتها السياسية القائمة، وأكثر بُعدا عن مواقفها المبدئية حول الوحدة والأخوة والتضامن الإسلامي. هذه الدينامية تبرز بوضوح أكبر في مواقف الأحزاب التي جرى إدماجها في المؤسسات السياسية القائمة، مقارنة بمواقف الهيئات الإسلامية التي ظلت خارج تلك المؤسسات، كما هو الحال، مثلا، بالنسبة لجماعة العدل والإحسان في المغرب، والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر. في المغرب، مثلا، نلاحظ انخراط حزب العدالة والتنمية، كأي حزب مغربي آخر، في الدفاع عن مغربية الصحراء، صحيح أنه يؤكد أن حل القضية يوجد في تعميق الخيار الديمقراطي، لكنه تكتيكيا منخرط في الدفاع عن التدبير الجاري تنفيذه، ولم يعبر عن أي تقييم مختلف لما جرى في الكركرات وغيرها. على خلاف ذلك، التزمت جماعة العدل والإحسان، التي تشتغل من خارج المؤسسات، الصمت حتى الآن، وإذا كان معلوما أن الجماعة تنتصر مبدئيا لمغربية الصحراء وللوحدة الترابية للمغرب، فهي تختلف مع المقاربة المعتمدة في تدبير الملف ككل. وعليه، قد يكون للجماعة موقف مختلف مما جرى في الكركرات، من شأنه أن يزعج الدولة في حال جرى التعبير عنه حاليا، لذلك قررت الصمت حتى تفوّت على خصومها ما ترى أنها في غنى عنه، ما يعني أن الصمت موقف في حد ذاته. في الجزائر، يمكننا أن نقرأ التفاوت نفسه بين حزب حركة مجتمع السلم الذي يشتغل من داخل النظام الجزائري، وبين الجبهة الإسلامية للإنقاذ، فالأولى منخرطة بدورها في تبني رؤية النظام الجزائري، وللمفارقة اعتبر نصر الدين حمدادوش، برلماني وقيادي بالحركة أن تماهي موقف حركته مع مواقف النظام الجزائري "مؤشرا على النضج" في مراعاة خصوصية كل دولة، بالمقابل، طالما صدح عباسي مدني مؤسس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بمغربية الصحراء، ورفضه احتضان الجزائر لجبهة البوليساريو الانفصالية. يمكننا أن نلاحظ كذلك سعي إسلاميي موريتانيا إلى التماهي مع موقف النظام الموريتاني كذلك، الذي يشدد على تبنيه موقف الحيادي الإيجابي إزاء نزاع الصحراء. قبل عام، استقبل رئيس حزب "تواصل" الإسلامي أحد قيادات جبهة البوليساريو، ما أثار استغرابا في صفوف حزب العدالة والتنمية المغربي، ودفع قيادة "تواصل" إلى القول:" نحن في تواصل – وهذا موقف شبه إجماعي في موريتانيا – معنيون بعلاقة مع الجميع وندعو الجميع للبحث عن حل عادل ومنصف للقضية التي يسبب عدم حلها معاناة طالت أكثر من اللازم". لم يُعلق حزب "تواصل" الموريتاني على تطورات الوضع في الكركرات، والتزام الصمت، شأنه في ذلك شأن حزب حركة النهضة في تونس، الذي فضل الصمت كذلك، لكن المواقف السياسية لهذه الأحزاب تنحو أكثر إلى التماهي مع المواقف الرسمية لدولها، أي التزام الحياد، وهي مواقف أبعد ما تكون عن أرضيتها الفكرية والدينية التي تزعم الوحدة والتضامن ونبذ الفرقة والانفصال. الخلاصة أن مواقف الأحزاب الإسلامية المغاربية صارت تتماهى أكثر مع المواقف الرسمية لدولها، كلما جرى إدماج هذه الأحزاب في النظم السياسية القائمة. لكن هناك فرضية أخرى، أشار إليها نصر الدين حمدادوش، القيادي في حركة مجتمع السلم الجزائرية، تفيد أن تأثير هذه الأحزاب محدود جدا، لأنها لم تتجاوز بعد مرحلة الإشراك في المؤسسات، ما يجعل تأثيرها محدودا جدا على القرار السياسي، فبالأحرى القرار السيادي، وبالتالي لا يمكن تحميل هذه الأحزاب مسؤولية قرارات "لا تكافئ حجم تمثيلها"، لأنها مواقف تتجاوز السلطة السياسية، حسب تقديره، وتتداخل بقوة مع موقف السلطة العسكرية والأمنية. يريد حمدادوش القول بأن مواقف حزبه من مغربية الصحراء مرتبط بموقع حزبه في النظام الجزائري وكذلك حجم تمثيليته، فهو موقف مرتبط بالمعطيات القائمة في الجزائر، قد يتغير بتغيرها، وهي فرضية نتيجتها حزب برغماتي، يغلب مصالحه على مبادئه حين تتعارضان، ويُفضل الهروب إلى الأمام بدل تحمل المسؤولية الواجبة، وهو سلوك سياسي معهود، ويُعد من سمات الأحزاب السياسية بصرف النظر عن هويتها وإيديولوجيتها.