غرافيك: مروان نشيد رصد "اليوم 24′′، في الجزء الأول من تحقيق صحافي حول "الجائج في المغرب.. حقائق مخفية وجاهزية مفقودة"، والذي نشر أمس السبت، مؤشرات أكدت فرضية عدم كشف الأرقام الحقيقية المتعلقة بالجائحة، وأيضا اختلالات في مسارات تشخيص «كوفيد-19»، حيث وضعنا بروتوكول التكفل بمرضى «كورونا» في المغرب تحت المجهر، للتحقق من أنه تعرض للاختراق، ما تسبب في إخفاء الإصابات، وعرض حياة المرضى للخطر، لعدم جاهزية المستشفيات لتدبير الحرب ضد الجائحة. وفي هذ الجزء الثاني والأخير من التحقيق، نطرح السؤال التالي: هل المغرب جاهز لمواصلة الحرب ضد كورونا؟.. بأي "عتاد" يخوض المغرب الحرب ضد "كورونا"؟ هل المغرب جاهز لمواصلة الحرب ضد كورونا؟ الجواب عن السؤال يقتضي البحث في مؤشرات الجاهزية على مستوى معسكرات "الجيش الأبيض"، حيث تخوض الأطقم الطبية الحرب. فإذا كانت الحرب ضد كورونا تدور رحاها، أساسا، في أقسام الإنعاش الطبي، فإنه يمكن الحديث عن 4 مؤشرات، تحدد أفق المعركة، تتمثل في: عدد أسرة الإنعاش المتوفرة في مستشفيات المغرب، وعدد الأطباء الاختصاصيين في الإنعاش والتخدير، وعدد الممرضين المتخصصين في الإنعاش، ثم عدد أجهزة "السكانير" المستعملة في التشخيص الأولي لحالات المشتبه في إصابتهم بالفيروس. 4 جهات تستحوذ على 76% من أسرة الإنعاش حسب معطيات وزارة الصحة المحينة أربعة أشهر قبل وصول فيروس "كورونا" إلى المغرب، فإن عدد أسرة الإنعاش الموجودة في مختلف مستشفيات المغرب، بما فيها المراكز الاستشفائية الجامعية، يصل إلى 557 سرير إنعاش، بينما قالت الوزارة، في مارس الماضي، إن عدد الأسرة في المستشفيات العمومية يصل إلى 684 سرير إنعاش، أي بزيادة 127 سرير إنعاش خلال أربعة أشهر، وأضافت أن عدد أسرة الإنعاش في القطاع الخاص يصل إلى 504، بالإضافة إلى 70 في قطاع الصحة العسكرية، و132 مملوكة للمنظمات والجمعيات. وإذا كانت المستشفيات العمومية وحدها تخوض الحرب ضد كورونا حتى الآن، دون إشراك القطاع الخاص، فإن التوزيع الجغرافي لعدد أسرة الإنعاش، التي تم إحصاؤها حتى أربعة أشهر فقط، قبل وصول الجائحة إلى المغرب، سيعطي نظرة عن مدى جاهزية الجهات لمواجهة الجائحة. تحليل المعطيات الرسمية، التي حصلت عليها "اليوم 24′′، أكد أن 4 جهات من بين الجهات ال12 للمملكة، تستحوذ على أكثر من 76 في المائة من أسرة الإنعاش الموجودة في المستشفيات العمومية، بما في ذلك المراكز الاستشفائية الجامعية، ويتعلق الأمر بجهة فاس- مكناس (114 سرير إنعاش)، تليها جهة مراكش- آسفي (113 سرير إنعاش)، ثم جهة الرباط- سلا- القنيطرة (108 أسرة إنعاش)، تليها جهة الدارالبيضاءسطات (89 سرير إنعاش). المجموعة الثانية من جهات المملكة، يوجد فيها ما بين 10 و50 سرير إنعاش في كل جهة، ويتعلق الأمر بجهة طنجة- تطوان- الحسيمة (42 سريرا)، وجهة الشرق (36 سريرا)، ثم جهة سوس ماسة (25 سريرا)، وجهة درعة تافيلالت (14 سريرا). المجموعة الثالثة والأخيرة، وتضم الجهات الأربع المتبقية، من بينها جهات الصحراء الثلاث، يوجد فيها ما بين سرير واحد و6 أسرة في كل جهة؛ ففي العيون الساقية الحمراء توجد 6 أسرة للإنعاش، وفي جهة الداخلة وادي الذهب توجد 5 أسرة للإنعاش، وفي جهة بني ملال – خنيفرة توجد 4 أسرة للإنعاش، وأخيرا سرير إنعاش واحد في جهة كلميم- واد نون. وحسب إسقاطات عدد سكان المغرب، التي اعتمدتها وزارة الصحة، في أكتوبر 2019، أي أربعة أشهر قبل الجائحة، يتضح أن المغرب كان يتوفر، آنذاك، على سرير إنعاش واحد لكل 63 ألفا و585 نسمة، ويتباين المعدل بحسب الجهات، حيث يقل عن المعدل الوطني في أربع جهات، بينما يصبح الوضع أسوأ في أربع جهات، يسجل فيها المعدل سرير إنعاش واحد لأكثر من 120 ألف نسمة، كما هو الشأن بالنسبة إلى جهة درعة- تافيلالت، الجهة الأولى من حيث معدل الوفيات حتى متم شتنبر. وتشير المعطيات نفسها إلى أن الوضع كان سيئا للغاية في جهة بني ملال- خنيفرة، حيث يوجد سرير واحد لكل 656 ألف نسمة. 439 طبيب إنعاش وتخدير فقط.. 66% منهم في 4 جهات حتى إذا تمكن المغرب من تعبئة موارد مالية مهمة لاقتناء أسرة إنعاش جديدة وتدارك النقص الحاصل، فإن ذلك لن يحل المشكلة سريعا، لأن التحدي الثاني يتعلق بعدد أطباء الإنعاش والتخدير، فماذا عن وضعهم في المغرب وخريطة انتشارهم؟ تشير المعطيات، التي حصلت عليها "اليوم 24′′، إلى أن المغرب دخل معركة مواجهة الجائحة بما مجموعه 439 طبيبا متخصصا في الإنعاش والتخدير، 66 في المائة منهم في 4 جهات من بين الجهات ال12 للمملكة، ويتعلق الأمر بجهة الدارالبيضاء- سطات ب81 طبيبا اختصاصيا في الإنعاش والتخدير، ثم 77 في جهة مراكش- آسفي، و73 في جهة فاس- مكناس، و60 في جهة الرباط- سلا-القنيطرة. وفي جهة الشرق، يوجد 48 طبيبا اختصاصيا في الإنعاش والتخدير، ثم 26 في جهة طنجة- تطوان – الحسيمة، و19 في جهة بني ملال- خنيفرة، ثم 16 في جهة سوس- ماسة، و15 في جهة درعة- تافيلالت. وأخيرا، يوجد حوالي 5 في المائة فقط من أطباء الإنعاش والتخدير في جهات الصحراء الثلاث، 11 في جهة كلميم- واد نون، و9 في جهة العيون- الساقية الحمراء، وأخيرا 4 أطباء اختصاصيين في الإنعاش والتخدير في جهة الداخلة- وادي الذهب. تحليل المعطيات، بالاعتماد على إسقاطات عدد السكان، التي حصلت عليها "اليوم 24" من المندوبية السامية للتخطيط، والتي تشتغل بها منذ يوليوز الماضي، يكشف أن المغرب يتوفر على 1,22 طبيب إنعاش لكل 100 ألف نسمة، وحدها جهات الصحراء الثلاث يتجاوز فيها المعدل طبيبي إنعاش وتخدير لكل 100 ألف نسمة. ويقترب المعدل المذكور في خمس جهات من المعدل الوطني، بينما يكون الوضع سيئا في الجهات الأربع المتبقية، حيث يقل المعدل عن طبيب إنعاش وتخدير لكل 100 ألف نسمة في كل من جهات درعة- تافيلالت (أكبر معدل إماتة حتى متمم شتنبر)، وبني ملال–خنيفرة، وسوس– ماسة، والشمال. 1992 ممرض وممرضة إنعاش.. 60% منهم في أربع جهات يوجد في المغرب 1992 ممرضا وممرضة، متخصصين في الإنعاش، وموزعين على مستشفيات المغرب العمومية، بما فيها المراكز الاستشفائية الجامعية، بينما يصل المعدل الوطني إلى 5,54 ممرضا متخصصا في الإنعاش لكل 100 ألف نسمة، بمعدلات تصل إلى 7 و8 و10 و15 ممرض إنعاش لكل 100 ألف نسمة، بينما يقل المعدل في خمس جهات عن المعدل الوطني، ولا يتجاوز الرقم 5 ممرضي إنعاش لكل 100 ألف نسمة. وتشير المعطيات، أيضا، إلى وجود حوالي 60 في المائة من الممرضين المتخصصين في الإنعاش في أربع جهات، وهي مراكش- آسفي، والدارالبيضاء- سطات، ثم الرباط- سلا- القنيطرة، وفاس- مكناس. 22% من عمالات وأقاليم المغرب تخلو مستشفياتها "السكانير" كشفت قاعدة البيانات التي حصلت عليها "اليوم 24′′، عن وجود 99 جهاز "سكانير" موزعة على مختلف جهات المغرب، ويرجح أن يكون المغرب قد اقتنى وحدات أخرى خلال فترة الحجر الصحي. المعطيات المتوفرة تشير إلى أن 17 عمالة وإقليم لا تتوفر مستشفياتها العمومية على جهاز "سكانير"، بما يشكل 22 في المائة من مجموع العمالات والأقاليم في المغرب. وتتوفر 56 في المائة من عمالات وأقاليم المغرب على جهاز "سكانير" واحد فقط، بالمقابل يوجد في الأقاليم ال17 المتبقية ما بين جهازين و8 أجهزة "سكانير" في كل إقليم. هل اقتربت الكارثة؟ الأسبوع الماضي، ودعنا شهر شتنبر، لتتشكل قناعة لدى العارفين بخبايا ما يجري في أرض المعركة، بأن الوضع ينحو من سيء إلى أسوأ؛ إنه الشهر الذي قتل فيه الفيروس 48 في المائة من مجموع القتلى، منذ دخول الوباء إلى المغرب في مطلع مارس الماضي (7 أشهر). المعطيات الإحصائية أكدت أن عدد وفيات "كورونا" بلغ، خلال شهر شتنبر الماضي، 1053 حالة، بارتفاع بلغ 33 في المائة بالمقارنة مع شهر غشت الماضي. وبلغ مجموع وفيات كورونا، خلال شهر شتنبر الماضي، 1053 حالة، بينما سجلت في شهر غشت 788 حالة وفاة، لتشكل وفيات "كورونا" في الشهرين الماضيين 84 في المائة من مجموع الوفيات المسجلة في المغرب منذ بداية مارس الماضي. ويظهر من خلال المعطيات الإحصائية أن الأسبوع الماضي سجل أكبر عدد للوفيات بكورونا، حيث توفي بسبب تداعيات الفيروس ما مجموعه 261 شخصا، بزيادة بلغت 9,2 في المائة مقارنة بالأسبوع الذي سبقه. ارتفاع مخيف لمعدلات الإماتة.. وجهة درعة- تافيلالت الأولى وطنيا شهدت معدلات الإماتة ارتفاعا متسارعا خلال الأسابيع القليلة الماضية، وظهر جليا مع بداية غشت الماضي، واستمر في الارتفاع حتى نهاية شتنبر الأخير، بحسب تحليل "اليوم 24" للمعطيات المتوفرة. وحتى متم شتنبر الماضي، بلغ معدل الإماتة على الصعيد الوطني 6,10 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة، مع الإشارة إلى أن خمس جهات تجاوز فيها المعدل الجهوي للإماتة المعدل الوطني. ويلاحظ أن جهة درعة- تافيلالت تعرف أكبر معدل إماتة على الصعيد الوطني، ويتجاوز المعدل الوطني بأكثر من 50 في المائة، ليستقر في 9,5 وفاة لكل 100 ألف نسمة، بينما تعرف جهة مراكش- آسفي ثاني أكبر معدل إماتة ب8,95 وفاة لكل 100 ألف نسمة، ثم جهة الدارالبيضاء- سطات ب8,18 حالة وفاة لكل 100 ألف نسمة. ويتضح من خلال إحصائيات الحالة الوبائية حتى متم شتنبر الماضي، وبعد إجراء عملية تقاطع مع معطيات مؤشرات جاهزية المستشفيات العمومية، أن جهة درعة- تافيلالت، التي تتصدر معدل الإماتة لكل 100 ألف نسمة منذ أيام، من بين الجهات الأكثر تضررا من التوزيع غير المتكافئ للأطر الطبية، والممرضين المتخصصين في الإنعاش والتخدير، وكذا توزيع أسرة الإنعاش على مستشفيات المغرب. وإذا كان المعدل الوطني يصل إلى طبيب إنعاش وتخدير لحوالي 63 ألف نسمة، فإن جهة درعة- تافيلالت أقل استفادة من الأطباء الاختصاصيين في الإنعاش والتخدير بحوالي 50 في المائة عن المعدل الوطني، ويبلغ فيها المعدل طبيب إنعاش وتخدير واحد لحوالي 120 ألف نسمة. جهة درعة تافيلالت، دائما، من بين أربع جهات تتوفر على أقل من طبيب إنعاش وتخدير لكل 100 ألف نسمة، وتصل فيها النسبة إلى 0,89 طبيب إنعاش لكل 100 ألف نسمة، مقابل معدل وطني يصل إلى 1,22 طبيب إنعاش وتخدير لكل 100 ألف نسمة، وعلى مستوى ممرضي الإنعاش، أيضا، يقل المعدل في جهة ما عن المعدل الوطني. وحول سبب ارتفاع نسبة الإماتة، وما إن كانت لذلك علاقة بضعف جاهزية مستشفيات البلد في مواجهة الجائحة، قال البروفيسور محمد شكيب بنجلون، رئيس مصلحة الأمراض التنفسية في المستشفى الجامعي الحسن الثاني في فاس، في جوابه عن سؤال لمُعد هذا العمل الاستقصائي، إن "مؤشر الإماتة يتعلق بأمرين، الوفيات والتشخيص"، وأوضح أن "التأخر في التشخيص يتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى المريض، الذي لا يذهب مبكرا إلى المستعجلات، ويختار التشخيص الذاتي، ثم المنظومة الصحية". المنظومة الصحية، بحسب بنجلون، الذي كان يتحدث في ندوة علمية قبل أيام، "لها علاقة بمعدلات الإماتة المرتفعة، وتتحمل (المنظومة الصحة) مسؤولية تأخر التشخيص، الناتج عن تأخير إجراء الاختبارات وانتظار النتائج". طبيب: أزمة "كورونا" عرت الواقع المؤلم لقطاع الصحة يرى محمد زيزي، دكتور مختص في جراحة المسالك البولية والكلي في الراشيدية، والذي وجد نفسه في قلب المعركة، منذ بداية الجائحة، أن "أزمة جائحة كورونا عرت وكشفت واقعا مؤسفا æمؤلما يعيشه قطاع الصحة في بلادنا، نتيجة تراكمات سنوات من سوء التدبير، وغياب قواعد الحكامة، خصوصا فيما يتعلق بالنقص المهول في الأطر الصحية، نتيجة فقدان قطاع الصحة لجاذبيته، ما سبب في عزوف الأطباء عن الالتحاق بأسلاك الوظيفة العمومية". وأضاف زيزي أن "الدولة بكل أجهزتها مدعوة إلى التفكير في إيجاد خطة صحية أكثر نجاعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والأمن الصحي متعلق، أساسا، بمدى مراقبة وتتبع الوضع الصحي بشكل أساسي". وقال المتحدث نفسه: "دون أن ننسى أن العمل بغرف الإنعاش يتطلب ساعات طويلة ومتواصلة، وبذل مجهود كبير، في ظل ظروف صعبة، تقتضي أخذ احتياطات وإجراءات وقائية، فللأسف نتيجة لهذا الوضع، كل الطواقم الطبية الصحية وجدت نفسها منهكة مع ارتفاع عدد المصابين في أقسام الإنعاش، ولا نعلم ما هي قدرة تحمل الكوادر الصحية على قلتها للضغط الاستثنائي، الذي تعيشه منذ بداية الجائحة، وهذا ما يفسر ضعف أداء الفرق المكلفة برعاية المرضى في أقسام الإنعاش". وشدد زيزي على أن هناك "أرقاما مقلقة تتطلب تدخل الجهات المسؤولة للبحث عن الأسباب الرئيسية، خصوصا ما يتعلق بارتفاع حالات الوفاة في جناح العزل، أو في انتظار إجراء "السكانير"، بعيدا عن قاعات العناية المركزة أو غرف الإنعاش". وسجل زيزي "تأخرا في وصول المرضى إلى المستشفى، نتيجة التخوف، ورفض المريض أو عائلته الذهاب إلى المؤسسات العمومية قصد الاستشفاء، بالإضافة إلى النقص الحاد والمهول في الأطر الصحية". وحول ما إن كانت الأرقام المعلنة تعبر عن حقيقة الوضع، قال زيزي: "في الحقيقة هذا من أهم الأسئلة المحورية خلال الموجة الثانية، فالإحصائيات اليومية لا تعكس واقع عدد المصابين، لكنها في المقابل تمكن من تحديد الوضع الوبائي لاتخاذ الإجراءات اللازمة". ودعا المتحدث نفسه إلى "تظافر الجهود، والمساهمة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بوضع اللبنات الأولى لبناء منظومة صحية قادرة على مواجهة الجوائح والكوارث، تجنبنا الانهيار المحتمل"، كما طالب ب"مراجعة سياسة إجراء التحاليل بعد تسجيل بعض التراخي، والتأخر في ظهور النتائج، وكذا صعوبة الولوج لإجراء التحاليل، بسبب إنهاك الفرق الطبية العاملة في أقسام "كوفيد-19". لتحميل نسخة من التحقيق PDF أنقر هنا