عادل الكرموسي عطل وباء كورنا مساجد المملكة وأعقد القيمين الدينيين في بيوتهم، قبل أن تتخذ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قرارا باسئتناف الحياة الإيمانية بشكل جزئي وتدريجي، وافتتاح بيوت الله يوم 15 يوليوز الماضي، بعد أن دام إغلاقها لثلاثة شهور متتالية فرضته الإجراءات المتخذة من طرف السلطات للحد من انتشار جائحة هذا فيروس. لكن عودة النشاط الديني داخل المساجد والاقتصار على إقامة الصلوات الخمس فقط، أعادت سؤال دور الفاعل الديني من علماء ووعاظ وقيمين دينيين، إلى الواجهة بعد أن تواروا عن الأنظار، واكتفت المجالس العلمية المحلية ببث دروس وعظية محتشمة، حدت من تأثير وتفاعل العلماء مع محيطهم، وهو دور حد منه أيضا ضعف الانتشار الرقمي لأنشطة العلماء على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. فالشأن الديني لم يعهده المواطنون عن بعد، ولا جدوى من مجالس علمية كما يقول الباحث ادريس الكنبوري، من "تعيين أعضائها لكي يغلقوا على أنفسهم الباب وينعزلوا عن الناس، بل يجب الخوض في أزمات المجتمع"، ليبقى السؤال قائما هل ساهمت المؤسسة الدينية بدورها في الحد من التأثيرات السلبية لهذا الوباء وتحديدا على المستوى الاجتماعي والنفسي؟. لمعرفة الجواب عن هذا السؤال، نقلناه إلى العديد من الفاعلين والمهتمين وأجرينا مواجهة بينهم، على اعتبار أن حصيلة العلماء كانت متواضعة في زمن كورونا. فبعض المغاربة مازال صوتهم يعلو على منصات التواصل الاجتماعي، منتقدين استمرار إغلاق كثير من المساجد وتعطيل أدوارها الدعوية والتربوية، على الرغم من انتشار أدوات الوقاية الصحية واحترام التباعد الجسدي. مستنكرين استمرار عدم إقامة صلاة الجمعة، منذ ما يقرب ستة أشهر، خاصة بعد استئناف مجموعة من المرافق العمومية لنشاطها. لكن لأحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، رأي شرعي آخر، يتجاوز العاطفة، فهو يعتبر أن إقامة صلاة الجمعة حاليا متعذر لعدم ضمان احترام الشروط الصحية، خاصة شرط التباعد الجسدي. التوفيق قال في تصريح أخير، إن استئناف إقامة صلاة الجمعة في المساجد المفتوحة، مرتبط بزوال الجائحة أو انخفاض الإصابات إلى حد ترى فيه السلطات المختصة أن الأمر لا يشكل خطرا على الصحة العامة. ليبرر موقف الوزارة بأنه في حال وقع الشك في إصابة شخص بعدوى فيروس كورونا أثناء صلاة الجمعة وَجب إخضاع كل المصلين للفحص، منوها بأن الظرفية الراهنة ينتفي فيها أحد الشروط الشرعية الواجبة في الصلاة، وهو الطمأنينة. المؤسسة الدينية، التي يمثلها المجلس العلمي الأعلى، ترى في إحدى فتاويها في زمن كورونا التي تمت بناء على طلب موجه من الملك باعتباره أميرا للمؤمنين، أن "استمرار إقامة الصلاة في المنازل للضرورة لا يحرم المصلين من أجر إقامتها بالمساجد، لأن الأرض كلها مسجد، لقوله صلى الله عليه وسلم: وجُعلت لي الأرض مسجدا". المجلس العلمي الأعلى يعتقد أن "الضرورة تزول بزوال السبب، مما يعني أن الإغلاق المؤقت للمساجد سيرتفع عند عودة الحالة الصحية في البلد إلى وضعها العادي، فإعادة فتح المساجد ستتم، في الوقت المناسب، بتنسيق كامل مع وزارة الصحة والسلطات المختصة، مع أخذ تطور الحالة الوبائية ببلدنا بعين الاعتبار". رغم كل هذه التبريرات، فبعض المتتبعين للشأن الديني بالمغرب، لا يتفقون مع المؤسسة الدينية في استمرار تعطيلها لدور المساجد، فقد كتب إدريس الكنبوري، الباحث في الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي، أن استمرار إغلاق الكثير من المساجد "أمر مخيف"، لم يحصل أن تعطلت صلاة الجماعة في المغرب أو في بلد إسلامي كل هذا الوقت منذ نزول الوحي على النبي محمد في غار حراء قبل 15 قرنا"، ثمّ زاد: "مصدر الخوف أن يزداد البلاء. لقد أغلقنا المساجد خوفا من البلاء، ونخشى أن نفرّ من البلاء إلى الابتلاء". السؤال الذي طرح بإلحاح في زمن هذا الوباء هل أئمة المغرب وعلماءه، مارسوا أدوارهم كما يجب وبكل أمانة وبلغوا الرسالة في زمن الجائحة؟، لأن دورهم لا ينحصر داخل بيوت الله، فهوية المغرب يتبوأ فيها الدين الإسلامي الصدارة، في جميع الظروف التي من الممكن أن يمر منها المجتمع، فهم مجبرون بحكم أدوارهم الدينية، أن يبادروا باستئناف أنشطتهم الدينية بما يحقق مصالح العباد في دينهم ودنياهم على اعتبار الغياب الملاحظ للعلماء في العديد من القضايا. كان من الأولى حسب العديد من المهتمين، أن يتصدر علماء المغرب المشهد في زمن كورونا ليجيبوا عن تساؤلات الناس ويساهموا في التهدئة من روعهم إلى جانب ما قامت به هيئات أخرى في المجتمع. قبل أيام وجه المجلس العلمي الأعلى، إلى رؤساء المجالس العلمية المحلية، مذكرة تحثهم على التطرق إلى تدبير الأزمات من منظور شرعي، ولهذا الغرض عقدت اجتماعات عدة، لتنزيل هذه الخطة التي يبدو منها محاولة لإرجاع صوت العلماء الذي خفت. حسن الكتاني، الداعية السلفي، قال إن دور العلماء في أزمة كورونا كان "هزيلا وضعيفا ولَم يكن لهم آراء مستقلة، بل كانوا تابعين للآراء الرسمية، وعندما أمروا بأن يفتوا بإغلاق المساجد سارعوا إلى ذلك". وأوضح الكتاني، معلقا على أداء العلماء، "لَم نرى فتوى محررة، كما رأينا ذلك مع الفتاوى المشرقية..لم نرى فتوى مغربية محررة بهذا الشأن، وحين طالب الناس بفتح المساجد صدرت فتوى من المجلس العلمي الأعلى، لكنها كانت حقيقة فتوى هزيلة جدا دون المستوى، لم يكن فيها تحرير أو نقل لأقوال العلماء. الكتاني استدرك وهو ينتقد أداء المؤسسة الدينية، "نعم كانت بعض الفتاوى الجيدة لبعض المجالس العلمية المحلية، بشأن صلاة العيد وزكاة الفطر أثناء فترة الحجر الصحي، منه ما رأيته من المجلس العلمي المحلي لمدينة أكادير". لكن في اعتقاد الداعية الكتاني، ف"الكيفية التي تعامل بها العلماء من أساسها مع جائحة كورونا كانوا فيها مجرد منفذين لقرارات رسمية والآن بعد إغلاق المساجد والمطالبة بفتحها ليس هناك فتوى محررة لفتحها". بالنسبة للشيخ الكتاني،"لا توجد دراسات وأجوبة شرعية كما يوجد لعلماء آخرين في المشرق". مبادرة العلماء بالحديث عن تدبير الأزمات من منظور شرعي في منظور ادريس الكنبوري، الباحث في قضايا الفكر الإسلامي، "هي مبادرة مهمة وإن كانت قد جاءت متأخرة". فهو يعتقد أن صوت المجالس العلمية "ظل غائبا في مختلف الأزمات التي مرت ببلادنا، وكانت تتعرض للكثير من النقد والهجوم بدعوى أنها جامدة ولا تساير تحولات المجتمع. وعندما قام الجدل حول إغلاق المساجد بسبب كورونا لم نسمع صوت هذه المجالس، ما ترك الساحة فارغة لمن يريد الإساءة إلى العلماء المغاربة". ويشدد الكنبوري، "أنه آن الأوان لكي تنتقل المجالس العلمية إلى مرحلة جديدة في التواصل مع الرأي العام والإجابة الشرعية عن القضايا المثارة وسد الفجوة بين العلماء والمواطنين، فلا جدوى من مجالس علمية يعين أعضاؤها لكي يغلقوا على أنفسهم الباب وينعزلوا عن الناس، بل يجب الخوض في أزمات المجتمع". عبد الوهاب رفيقي أبو حفص، الباحث، في الشؤون الدينية والتي تثير مواقفه الكثير من الجدل في هذه الأيام بعد المراجعات الفكرية التي يقوم بها، يرى "أن أداء المؤسسات الدينية في تدبير أزمة وباء كورونا، هو مختلف تماما عن كل التفاعلات السابقة مع أحداث وقضايا مختلفة"، مؤكدا أن "أداء المجلس العلمي الأعلى، بخصوص أزمة كورونا، كان متقدما جدا مقارنة بما سبق، ومقارنة حتى بأداء المؤسسات الدينية في دول إسلامية أخرى، بحيث أن بلاغات وباليانات التي صدرت عن المؤسسة الدينية المغربية، كان لها دور كبير في المساعدة للحد من خطورة الموضوع ومساعدة الدولة على فرض الانضباط العام خلال فترة الحجر الصحي". فليس من السهل أبدا يضيف أبو حفص، "أن تقرر هذه المؤسسة إغلاق المساجد وتعطيل الجمعة والجماعات، وهو الأمر الذي لم يعهده المغرب، وبالتالي فالقرار كان صعبا جدا فتحمل المؤسسة، تبعات هذا الأمر كان متقدما". ويوضح رفيقي، أن "التعليلات الشرعية التي وردت في البيانات التي صدرت سواء بالنسبة لإغلاق المساجد أو صلاة التراويح أو صلاة الجمعة أو غيرها، هي تعليلات شرعية كانت عقلانية ومنطقية، ومصاغة بشكل مقنع، مما جنبنا كثيرا من اللغط، والفوضى التي كان يمكن أن تكون مقابل هذه القرارات، ومن تم كانت تعليلات حسمت الجدل، وأسكتت الأصوات التي لم تكن راضية عن مثل هذه القرارات".ليخلص أبو حفص أن "ما قامت به المؤسسة الدينية كان متوازنا وجاء بشكل متدرج، حتى بعد رفع الحجر الصحي فالعودة إلى صلاة الجماعة، تمت بشروط، لأن استمرار تعطيل الجمعة كلها قرارات لم يكن من السهل أن تتخذها المؤسسة الدينية لولا شجاعتها وجرأتها، ولذلك وبكل موضوعية، لايمكن أن أسجل على هذا الموقف المتقدم أي تقصير، لأن ما كان يصدر كان مصاغا بلغة شرعية متقونة ومضبوطة، وكاف للمؤسسة لكي تكون قد أدت مسؤوليتها كاملة خلال هذه الجائحة.