لست من الذين ينحازون إلى نقاش محدد ويستنكرون باقي النقاشات الأخرى، بل أرى، إذا جرى تصويبها ستتكامل، لأنها تتناول القضية من زوايا متعددة. القتل الوحشي لعدنان، أثار نقاشات متنوعة: هناك من فتح نقاش الإعدام، وهناك من راح يتحدث عن المنظومة القضائية، وهناك من ركز على الجهود الأمنية في محاربة اغتصاب الأطفال، وهناك من طالب بتدريس التربية الجنسية.. يتكرر باستمرار طلب تدريس التربية الجنسية، وأغلب من يطالب بذلك، لا يعلم أن هناك مواد تعليمية، تتقاطع مع التربية الجنسية، نذكر منها، على سبيل المثال للحصر: مادة التربية الإسلامية. في السنة الأولى باكالوريا، هناك درسان لهما علاقة بالموضوع، وهما: العفة والحياء؛ وقاية المجتمع من تفشي الفواحش. والدرسان تؤطرهما سورة يوسف، المُقرّر حفظها، واستيعاب مفاهيمها. يستثمر أستاذ المادة في نصوص الانطلاق، النص الذي يحكي مشهد مراودة امرأة العزيز ليوسف، حين بلغ أشده، فأتاه الله حكما وعلما. وينطلق غالبية الأساتذة من وضعية مشكلة، ترتبط بالواقع المعيش للشباب غير المتزوج، فهم بين نارين: نار شهوته؛ ونار الواقع المغري. ماذا سيفعل هذا الشباب المسلم، الذي يعتقد بحرمة الزنا، ولا قدرة له على الزواج؟ إذا كان التلميذ في الثانوي، يدرس العفة والحياء، والأمراض المنقولة جنسيا، فإن التربية الجنسية حاضرة، منذ السنة الأولى ابتدائي في مادة التربية الإسلامية. يتعلم الطفل في هذا المستوى طريقة الاستنجاء. أستاذالمادة يقارب الموضوع فقهيا، لكن بطريقة غير مباشرة، فهو في صميم التربية الجنسية، فيكون الموضوع الجهاز التناسلي للطفل ذكرا أو أنثى. هنا، نحتاج إلى التجديد، عبر استعمال رسوم موضحة ذات أبعاد تربوية، وبالموازاة يتعلم الطفل فقه الاستنجاء، ليستعد للوضوء، ثم الصلاة. في السنة الخامسة ابتدائي، يدرس التلميذ فقه الغسل، وهذا موضوع من صميم التربية الجنسية، إذا ما جرى تدريسه بوسائل حديثة وبرؤية مستوعبة. يشرح الأستاذ للتلميذ موجبات الغسل، فيذكر منها، خروج المني. هذه المسألة ليست قضية فقهية فقط، بل هي مسألة في التربية الجنسية، لأن الطفل مقبل على اكتشاف ما سيخرج منه، وينبغي تأطيره تربويا. في هذا السياق، يغرس الأستاذ في الطفل، فهما طبيا لجهازه التناسلي، ويفقهه في أسلوب تعامله معه. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الطفلة، المقبلة على أول تجربة، في اكتشاف دم الحيض، فيأتي الأستاذ بما تيسر من الوثائق المرئية الشارحة، والتي تكون مناسبة لإدراكها. كل هذه التفاصيل التي يدرسها التلميذ في الابتدائي، جُمعت في درس واحد، بعنوان فقه الطهارة، في السنة الأولى إعدادي، كما يوضح ذلك منهاج التربية الإسلامية، الذي جرى تجديده في يونيو 2016. ويمكن لهذا الدرس، أن يستنبط منه، في مدخل الحكمة، الرؤية المعرفية للإسلام في موضوع الجسد عامة، والجنس خاصة، لتكون تمهيدا لدرس العفة والحياء في الثانوي. هناك انفصام نكد بين المواد المعرفية التي يدرسها التلميذ، فيتلقى من أستاذ العلوم الطبيعية درسا في التناسل بمقاربة مادية جافة، ويتلقى من أستاذ التربية الإسلامية درسا في فقه الطهارة بمقاربة فقهية جامدة، ويتلقى من أستاذ الفلسفة درسا حول فرويد بمقاربة اختزالية. وبهذا نُخرّج تلاميذا، تتشاكس في وعيه معارف متناقضة. وللخروج من هذه الورطة، لا بد من التأكيد على "التكامل المعرفي". يمكن لأستاذ التربية الإسلامية في درس الغسل، أن يستدعي أستاذ العلوم الطبيعية، لا لخلق جدل وهمي بين تناقض الدين والعلم، وفي درس العفة يستضيف أستاذ الفلسفة، لا لخلق جدل غير علمي بين الدين والفلسفة، بل لتنوير التلميذ بمقاربات متنوعة. هذا التشاكس في وعي التلميذ، سببه المرجعيات أو الإيديولوجيات التي تتصارع على اختطاف المواد التعليمية، فلا يتصور التلميذ أستاذ الفلسفة إلا ملحدا، وأستاذ التربية الإسلامية إلا عابدا. أرى أن مادة التربية الإسلامية، يمكن لها أن تنفتح على علوم كثيرة، وتدمجها في تقديم مضمون مركب للتلميذ، والمادة بحسب منهاجها، لها هذه الإمكانية، لكن التحدي يتمثل في الأستاذ المدرس، هل يمتلك معرفة مركبة تتقاطع مع موضوعات التربية الإسلامية؟ وهناك بعض التجارب النموذجية المتميزة في المجال. يقترح علينا الفقه الإسلامي في التربية الجنسية، قيمة تعبدية، وهي الطهارة بمعناها المادي والمعنوي. إن الذين يطالبون بتدريس التربية الجنسية، بعضهم لم يقرأ المناهج التربوية. هذه التربية مدمجة في مواد تعليمية أخرى، ويمكن للأستاذ أن يبدع في مجاله، ويستحضر تحديات واقعه، وما يعرفه من جرائم الاغتصاب والتحرش.. ومن يصر على هذا الاقتراح، فإنني أذكره بمصير مادة التربية الموسيقية. وهناك من يمتعض تدخل التربية الإسلامية في التربية الجنسية، ويريد إبعادها منها، برؤية علمانية، تفصل الجنس عن الدين. وهذا نقاش آخر.