حفرت اسمها بأحرف من ذهب في تاريخ الفن المغربي، وسجلت حضورا لافتا للانتباه على خشبة المسرح، وفي الأعمال التلفزية، السعدية قطيطيف، الملقبة فنيا بثريا جبران، رحلت عن عالمنا، ليلة أمس الاثنين، عن عمر ناهز 68 سنة، بعد معاناة مع مرض السرطان. النشأة في درب السلطان والخيرية ولدت ثريا حبران، في أكتوبر من عام 1952، في مدينة الدارالبيضاء، ونشأت في درب السلطان، أحد أعرق أحياء المدينة، وذاقت طعم اليتم في سن صغيرة بعد فقدان والدها. عاشت الراحلة ثريا جبران في دار الأطفال عين الشق، ليس كنزيلة دائمة، وإنما كزائرة مواظبة على الحضور في فضاء يجمع أفرادا من عائلتها، إذ إن والدتها التحقت بالمؤسسة الخيرية لتشغل مهمة مربية. وتكلف بتربية السعدية قطيطيف زوج أختها، محمد جبران، وانطلقت علاقتها بالمسرح بتوجيهات منه، ومنحها اسمه العائلي لتستعمله فنيا، فاشتهرت بلقب ثريا جبران. مسار مسرحي غني مسار ثريا جبران مليء بالعديد من الأعمال المسرحية، والسينمائية، والتلفزية، وكان تكوينها بعد حصولها على شهادة الباكالوريا في المعهد الوطني، التابع لوزارة الشؤون الثقافية، ومنه حصلت على دبلوم التخصص المسرحي، لكن بدايتها الأولى كانت في سن العاشرة، إذ انضمت إلى فرقة "الأخوة العربية"، التي كان يترأسها الفنان المخرج، عبد العظيم الشناوي، وشاركت في مسرحية "أولاد اليوم". الراحلة ثريا جبران أسسست، وترأست فرقة "مسرح اليوم"، التي انبثقت عن تجربة مسرح الهواة بالمغرب، كما كانت جزءً من نجاح مجموعات عديدة، منها "الشهاب"، و"المعمورة"، و"القناع الصغير"، ومسرح الرائد الطيب الصديقي، قبل أن يرتبط اسمها بتجربة "مسرح اليوم". شاركت ثريا جبران مع الطيب الصديقي عام 1985 في المسرحية العربية التاريخية "ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ"، في إطار فرقة الممثلين العرب، التي أسسها الصديقي رفقة الفنانة اللبنانية نضال الأشقر، وبمشاركة ممثلين من العراق، وسوريا، والأردن، وفلسطين، والمغرب. تجربة "مسرح اليوم" بقيت لصيقة بالراحلة ثريا جبران، التي قامت بجولات رفقة أعضائها في مهرجان بغداد المسرحي، وفي مهرجان دمشق للفنون المسرحية عام 1988. استمر عطاء ثريا جبران في المسرح إلى سنوات الألفين، واشتغلت على نصوص الأدب العربي، والعالمي، من خلال مسرحية ديوان الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي "الشمس تحتضر". من أشهر الأعمال التلفزية للفنانة الراحلة ثريا جبران مسلسل "جنان الكرمة"، رفقة الراحل البسطاوي، وسجلت، أيضا، حضورها في عدة أعمال تلفزية، غير أن قوة حضورها تجسدت على منصة أعمال مسرحية، من بينها "الشمس تحتضر"، و"بوغابة"، و"امتى نبداو"، و"امرأة غاضبة"، و"حكايات بلا حدود"، و"النمرود في هوليود"، و"الجنرال"، .. وغيرها. اختطاف وحلق شعر رأس ثريا جبران! ثريا جبران كانت بطلة واقعة خلقت ضجة، في تسعينيات القرن الماضي، إذ تعرضت للاختطاف، وحلق شعر رأسها لمنعها، وفق عدة مصادر، من المشاركة في برنامج حواري على القناة الثانية، وهو الحادث، الذي ربطه كثيرون بالمواقف السياسية الجريئة، التي كانت تعبر عنها، من خلال أعمالها المسرحية. استوزار أصبحت ثريا جبران أول فنانة مغربية، وعربية تتولى منصبا حكوميا، إذ عينت عام 2007 وزيرة للثقافة، عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وظلت في منصبها إلى غاية عام 2009، التي قدمت فيها استقالتها لأسباب صحية. أوسمة نالت الراحلة ثريا جبران وسام الاستحقاق الوطني من الملك الراحل الحسن الثاني، ووسام الجمهورية الفرنسية للفنون والآداب من درجة فارس. ووسمها أهل الفن بمنحها لقب "سيدة المسرح المغربي"- وفازت بجائزة الشارقة للإبداع المسرحي العربي في دورتها الثانية عام 2008. السرطان ينهي حياة سيدة المسرح وفي بداية شهر غشت الحالي، اشتدت معاناة الراحلة ثريا جبران مرض السرطان، واضطرت إلى الدخول إلى مصحة الشيخ زايد بالدارالبيضاء. وتكفل الملك محمد السادس بمصاريف علاج الفنانة الراحلة ثريا جبران، لكن الموت كان أقوى منها، وخطفها من كل المغاربة، ليلة أمس.