مع ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس التاجي، لجأت السلطات الصحية إلى المستشفى الميداني الكبير على الصعيد الوطني والإفريقي، المقام بمكتب أسواق ومعارض الدارالبيضاء، لاحتضان الحالات النشطة غير الصعبة، والحرص على علاجها، غير أن الموجة العاتية للجائحة العالمية، غيرت مجموعة من تفاصيل المستشفى الميداني، حسب ما استقته "أخبار اليوم" من شهادات مرضى داخل المستشفى، وجعلته أشبه بسجن صغير، محاط بالحراسة الأمنية المشددة، ويجري التعامل مع المرضى كأنهم سجناء، يتلقون الطعام بانتظام، في غياب مراقبة طبية تستوجبها طبيعة فيروس غامض لم يعثر الأطباء والباحثون بعد على حلول لألغازه غير المنتهية. هزيمة في الأنفاس الأخيرة بعدما كان المغرب على وشك الانتصار على فيروس كورونا المستجد، إثر النتائج المستقرة والأرقام الصغيرة التي لم تتجاوز بضع عشرات في الأغلب، وتسجيل أيام متوالية بدون وفيات، إلا أن كل شيء انقلب مع حلول فصل الصيف، وقرار السلطات رفع قيود الحجر الصحي، ليحقق الفيروس التاجي "ريمونتادا" ويوجه للمغرب ضربات قوية وموجعة، رفعت حصيلته من الإصابات إلى المئات يوميا، وشارفت على تسجيل 2000 مصاب في اليومين الأخيرين، وهو ما أربك الحكومة ككل، وجعل وزارتي الداخلية والصحة، تتخذان قرارات بعضها غريب، وبعضها يتطلب وقوفا للتأمل وضبط التدابير للمرور من مرحلة حساسة جدا تسير بالمغرب حتما إلى الهزيمة أمام الوباء العالمي، وضرب جميع مكتسباته التي حققها طوال شهور من الصراع من الوباء اللعين إلى حدود يونيو المنصرم. وأمام ارتفاع عدد الإصابات، خاصة في جهة الدارالبيضاءسطات، اعتمدت السلطات المحلية والطبية على المستشفى الميداني المقام مقابل مسجد الحسن الثاني، لامتصاص الأعداد المهولة من المصابين، خاصة منهم أصحاب الأعراض الطفيفة، قصد إخضاعهم للعلاج الطبي وفق بروتوكول وزارة الصحة في التعامل مع الحالات المرضية حسب تطورها لدى المرضى، وبالتالي فقد شارفت أروقة المستشفى الميداني على الامتلاء، وظهرت مشاكل كثيرة، وتغيرت المفاهيم وترسخت انطباعات مختلفة لدى المرضى الذين أحس بعضهم أنه داخل سجن مشدد الحراسة، وليس في مستشفى لتلقي العلاج من عدو غزا العالم واقتطف آلاف الضحايا من بين أسرهم وعائلاتهم، ولازال يطلب المزيد. مستشفى أم سجن!!! "الحقيقة تقال، هناك جودة في الطعام المقدم لنا في ثلاث وجبات غنية ومتنوعة، ليس هناك من يعترض على ذلك، غير أن الهدف الأساسي الذي جئنا لأجله وهو التطبيب، ففيه مشاكل كثيرة، ويكفي أن أخبركم أن الطبيب لن تراه إلا بعد دخولك المستشفى في اليوم الموالي، ثم يختفي.."، وقطب حاجبيه امتعاضا، وواصل "ولن تجد أمامك إلا الأمن الخاص، إلى أن يخبروك بموعد خروجك من هذا السجن..". هكذا لخص أحد النزلاء الوضع داخل المستشفى الميداني بالدارالبيضاء الذي جرى تجهيزه في أبريل الماضي، على مساحة 20 ألف متر مربع في مدة لم تتعد أسبوعين، والذي بلغت كلفته المالية 45 مليون درهم، وأنجز في إطار تقوية الجهود الاستباقية والاحترازية التي تبذلها البلاد لمواجهة "كوفيد 19". وحسب الشهادات من نزلاء المستشفى الميداني، فإن المريض يجري تسجيله، ثم تمكينه من غرفة مجهزة بسرير ومنضدة، وأضواء كاشفة لا تنطفئ ليل نهار، وكاميرا مراقبة مثبتة في كل غرفة، كما يمكن للمريض اللجوء للترويح عن نفسه إلى فضاء مخصص للطعام والجلوس بعيدا عن الغرف الكئيبة، مع الإشارة إلى أن الاحتياطات بين المرضى تقريبا منعدمة، في حين أن المراقبة الطبية، لن تتعدى يوم الإقامة الأول، الذي يحصل خلاله المريض على الدواء، ليتناوله بنفسه إلى أن يحين موعد رحيله دون إخضاعه لتحليلة أو لفحص طبي، ويسارع المسؤولون لإخلاء الغرف قصد استقبال مرضى جدد. وربط المرضى علاقات مع رجال الأمن الخاص الذين يعتبرونهم بمثابة المشرفين المباشرين على المستشفى الميداني، ويجدون فيهم الأذان الصاغية التي افتقدوها في الأطقم الطبية التي سبق الإعلان أنها ستشرف على العلاج داخل المستشفى الميداني، الذي تحول إلى سجن صغير بمواصفات إنسانية. غموض الأدوية والمراقبة الطبية المستشفى الميداني الذي هلل الجميع بمواصفاته ومدة إنجازه تيمنا بمستشفى "ووهان" الصينية، الذي أنجز في 10 أيام، ارتفعت وتيرة نشاطه في الأسابيع الأخيرة، مع الارتفاع الصاروخي للحالات النشطة الحاملة لفيروس كورونا المستجد، وتحول إلى مشفطة كبيرة للحالات داخل مدينة الدارالبيضاء، لكن الأفواج التي تستفيد من التطبيب هناك، جعلت البرنامج الطبي يعرف تغييرات كثيرة، فعوض التتبع الدقيق لكل حالة ومراقبة مسار تطور العلاج، صار الأطباء بالمستشفى الميداني يكتفون بإخضاع المريض لفحص أولي شامل ضمنه تخطيط القلب، ثم تمكينه من مجموعة أدوية، دون تفسير مفصل لطريقة استعمالها، وهو ما جعل البعض يعيش مشاكل كثيرة إثر هذا الأمر. يقول نزيل خرج للتو من المستشفى بامتعاض كبير: "كان رجل ينزل بغرفة في جانبي، قد اختلط عليه أمر استعمال الدواء المقدم من الطبيب، وحين توجه إلى المسؤولين للاستفسار، جرى قمعه وصده، فعاد حزينا، وصار يتناول حبتين من الكلوروكين عوض واحدة، ولما أتعبه المرض صار ينتحب كالطفل الصغير..". قصة هذا الرجل انتهت بتدخل مجموعة من المرضى الآخرين، وخلق بلبلة انتبه لها المسؤولون وقدموا على عجل، وهو ما مكن الرجل الذي أصابه اليأس، من تلقي العلاج بطريقة سليمة. نبيلة الرميلي، المديرة الجهوية لوزارة الصحة بجهة الدارالبيضاءسطات، سبق وأشارت أثناء تدشين المستشفى الميداني في شهر ماي المنصرم، إلى أن 320 ممرضا، و80 طبيبا، سيسهرون على علاج المرضى الوافدين على المستشفى، مؤكدة أنه مخصص فقط لاستقبال الحالات الخفيفة، وغير الصعبة، بينما سيتم نقل الحالات التي تتطلب العناية المركزة، إلى المستشفيات العمومية الأخرى، غير أن المرضى لا يشاهدون أطباء مشرفين ولا أي شيء، باستثناء الحراس الخاصين، والعاملين في توزيع الطعام. كاميرات المراقبة هل تشتغل؟ أسئلة كثيرة وعلامات استفهام كبيرة تدور حول كاميرات المراقبة المثبتة في جميع غرف المستشفى الميداني، والتي تشفع للأطباء بالاختفاء عن الأنظار، وتتبع الحالات عن طريق الكاميرات المثبتة في كل الغرف، وكل مكان، غير أن أحداثا وقعت جعلت الشك يتسرب إلى المرضى داخل المستشفى الميداني، كاكتشافهم لموت محتمل لأحد المرضى داخل غرفته، "كان مسنا هرما، جسمه تراخى وانقطعت أنفاسه، سارع الشباب إلى إخراجه وارتفع الصراخ لاكتشاف الأمر، وهو ما دفع طاقما طبيا إلى الهرولة واستقدام سرير متحرك، مطمئنين المرضى الآخرين بأنه لازال على قيد الحياة، بينما جميع علامات الموت كانت بادية عليه، عشنا تفاصيل مؤلمة جدا.." بنبرات حزينة تحدث النزيل السابق للمستشفى، وهو يشيح بوجهه ويركز نظراته الهائمة إلى الأفق، وكأنه يناجي ربه برفع هذا البلاء الذي يبدو أنه تطور بشكل كبير وصار فوق سيطرة المسؤولين بالمغرب. الأمر نفسه تقريبا وقع الأسبوع المنصرم، حين أحس أحد المرضى بتعب مفاجئ، وهو داخل المقصف، وأغمي عليه، دون أن ينتبه الطاقم الطبي المفروض أنه يتابع حركات وسكنات المرضى عن طريق كاميرات المراقبة، غير أن تطوع مرضى آخرين وتنبيههم للمسؤولين، جعل المريض يتلقى الإسعافات الأولية، ولو بعد مضي حوالي ربع ساعة، حيث حضر طاقم طبي ونقله إلى غرفة مجهزة وسارعوا في فحصه وإنقاذ حياته، ليعود إلى وعيه، ويطمئن باقي المرضى على حالته الصحية. حالات كثيرة وأحداث وقعت داخل الغرف وخارجها، وحتى في المقصف المجهز كفضاء وحيد للترويح عن النفس بعيدا عن الغرف الكئيبة، تثبت أن خللا ما وقع في منظومة المراقبة بالكاميرات، وتتبع المرضى، وهو ما يثير القلق حول مستشفى ميداني كلف 45 مليون درهم، بتمويل مشترك من جهة الدارالبيضاءسطات وجماعة الدارالبيضاء ومجلس عمالتها. سؤال التحليلات المستبعدة الحكايات التي يتم سردها من مرضى مروا من المستشفى الميداني تدعو إلى الغرابة، وأكثر ما يثير الدهشة، قرار الاستغناء عن التحليلة التي سبق للوزارة أن أخبرت الجميع في ندوات صحافية وإخبارية متعددة أن المريض بفيروس كورونا لن يتم الإعلان عن شفائه التام إلا بإجراء تحليلتين متتاليتين تفصل بينهما مدة 48 ساعة، ثم إخضاعه بعدها لأسبوعين من الحجر الصحي قبل عودته إلى نشاطه الطبيعي، وضمان عدم نشره للعدوى بين الآخرين، لتتبدد كل تلك الأمور، ويصير الوضع مقلقا أكثر ومثيرا لعلامات استفهام لا تنتهي. قبل أيام وقع احتجاج داخل المستشفى الميداني بعد حضور طبيبة من الطاقم المشرف، حيث استنكر المرضى عدم إجراء التحليلات الطبية للكشف عن زوال الفيروس من أجسادهم قبل مغادرتهم المستشفى، غير أن الأخيرة، حسب مرضى عايشوا الواقعة، أفهمتهم أن قرارا صدر من وزارة الصحة بعدم إجراء التحليلات النهائية للمرضى، والاكتفاء بإمضائهم أسبوعا واحدا داخل المستشفى الميداني، مع التشديد على ضرورة عزل المريض لنفسه داخل بيته أسبوعا إضافيا، يواصل خلاله مرحلة العلاج، مما أثار استياء العديد من المرضى، ويتخوفون من نشر الفيروس اللعين بين أفراد عائلاتهم وأسرهم بطريقة رسمية، خاصة وأنهم سيصبحون يتقاسمون مع الأصحاء من عائلاتهم جميع المرافق بما فيها المراحيض والأواني المنزلية وكل شيء بالبيت، مما يهدد برفع عدد المصابين إلى الآلاف يوميا عوض المئات المسجلة حاليا، بعدما مكنت العناية المكتملة في السابق من تسقيف عدد الإصابات في العشرات فقط، بالتتبع السليم والوقوف على أدق التفاصيل، بالعناية الطبية اللازمة.