دفع الارتفاع اللافت في عدد الإصابات بفيروس كورونا منذ أسابيع في المغرب، السلطات الصحية إلى ربطه بزيادة عدد المختبرات والتحاليل اليومية، إلى جانب تخفيف إجراءات الحجر الصحي، في الوقت الذي لازالت الحكومة التي تلوح بتحكمها ب"الوضعية الوبائية"، مطالبة بتقديم تفسير علمي واضح لسبب ارتفاع الوفيات وتنامي الإصابات على شاكلة بؤر متفرقة في المدن الكبرى، بالرغم من البروتوكول العلاجي المعتمد، والذي "أثبت نجاعته"، على حد تعبير وزير الصحة في وقت سابق. خرجت وزارة الصحة، الثلاثاء الماضي، لتطمئن عموم المواطنين في تصريحها الصحافي اليومي بخصوص ارتفاع الحالات، مؤكدة أن المغرب يحتل المركز 35 عالميا والثاني إفريقيا، من حيث عدد التحاليل المخبرية للكشف عن فيروس "كورونا" المستجد، كما أنه يحتل المرتبة الخامسة على مستوى جهة شرق المتوسط، وهي إحدى الجهات الست لمنظمة الصحة العالمية التي تضم 22 دولة. وبحسب الترتيب العالم، فإن المغرب لايزال يحتل المرتبة 63 في مجمل الإصابات بفيروس كورونا المستجد، ما يجعله ضمن الحالات "الباردة"، وذلك استنادا إلى الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة التي لاتزال، حتى الآن، تسير في مسار يبعث على "التفاؤل" الذي عبر عنه، أيضا، رئيس الحكومة سعد الدين العثمان الثلاثاء الماضي في البرلمان . إنذار حكومي شدد العثماني ضمن جوابه عن أسئلة البرلمانيين حول السياسات العمومية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والرقمية، في ضوء الدروس المستخلصة من تداعيات "أزمة كورونا"، على أن المغرب مازال يخوض معركة مستمرة ضد وباء فيروس كورونا، في ظل حالة الطوارئ الصحية التي قررت الحكومة تمديدها للمرة الرابعة إلى غاية 10 غشت 2020. وأبرز المسؤول الحكومي أن نجاح السلطات الصحية في التحكم بالوضعية الوبائية، هو ما دفع المملكة إلى "المرور إلى مراحل متقدمة من تخفيف إجراءات الحجر الصحي، لمواصلة الاستئناف التدريجي للحياة الاجتماعية الطبيعية، وللأنشطة الاقتصادية بمختلف أنواعها، الخدماتية والتجارية والصناعية، مع استمرار اليقظة الوبائية، ومراعاة المعايير الصحية والتدابير الاحترازية المعتمدة من قبل السلطات المختصة". وعرج العثماني على البؤر المهنية والصناعية وكذا العائلية، التي أربكت المنحنى الوبائي منذ فترة، خاصة وأنها تظهر من حين لآخر وبشكل متفرق في بعض المدن الكبرى من قبيل طنجة ومراكش والدار البيضاء والقنيطرة التي تعرف حركية صناعية، ليجدد تأكيده على أن "السلطات تتدخل في كل حين لمحاصرة المرض وعزل المصابين ومخالطيهم عن العموم، وإلزام المؤسسات الصناعية باحترام القواعد الاحترازية". وتابع المسؤول الحكومي مخاطبا المواطنين: "كل التزام جماعي وصارم بالقواعد الاحترازية مصاحب بانخفاض في أعداد المصابين يعقبه تخفيف للحجر الصحي، وكل تهاون في الالتزام أو تراخ في اتباع القواعد الوقائية المسطرة، مع ارتفاع في عدد المصابين، يعقبه إبقاء أو بالأحرى تشديد إجراءات الحجر الصحي". معطيات "مبهمة" "تفاؤل" الحكومة بخصوص تحكمها بالوضعية الوبائية، المصاحب أيضا لإشهارها ورقة صفراء إنذارية في وجه المواطنين من إمكانية العودة إلى إجراءات الحجر الصحي، تأتي في وقت بلغ عدد الحالات المستبعدة، بعد الحصول على نتائج سلبية تهم التحاليل المختبرية، 1029064 حالة منذ بداية انتشار الفيروس على المستوى الوطني، بينما وصل العدد الإجمالي للمصابين بالفيروس إلى 17742 حالة إلى حدود صبيحة أول أمس. وبحسب المعطيات الرسمية التي أفادت بها وزارة الصحة، فإن نسبة الشفاء ببلدنا بلغت 86.74 في المائة، بمعدل 15389 حالة تعافت تماما من الجائحة، فيما وصل عدد الوفيات 280 حالة أي بنسبة 1.58 في المائة، أما الحالات النشطة ببلدنا، والتي تتابع علاجها منزليا أو في مستشفيات المملكة، فبلغت 2073 حالة. وفي تحليل هذه المعطيات، من الملاحظ أن عدد الوفيات في تزايد مستمر منذ أسابيع بمعدل 4 أو 5 إصابات في اليوم، بالرغم من كون نسبة 1.5 التي تمثلها نسبة الفتك هي أساسا "ضئيلة" عالميا، أو مقارنة مع الدول القريبة جغرافيا أو التي تعتمد نفس البروتوكول العلاجي المستند على الهيدروكسي كلوروكين. وفي وقت لم تكشف وزارة الصحة بعد عن نتائج الدراسة التي قامت بها للكشف عن طبيعة الفيروس على مستوى طنجة التي سجلت لوحدها 56 حالة وفاة، بالرغم من وعود وزير الصحة أن تصدر الدراسة الاثنين الماضي، لاتزال الأرقام والمعطيات بخصوص الوفيات محط شكوك وتساؤلات عن مكامن الخلل، خاصة في ظل التكتم الذي تنهجه مصالح الوزارة، ما فسح، أيضا، المجال للتأويلات أو التساؤلات حول ما إذا كان للأمر علاقة بالرعاية الصحية في المنطقة، أو الهرم السكاني للمواطنين في المنطقة، أو ما إذا كان للأمر علاقة بتأخر التشخيص أو ضعف التزويد بالعلاج. منظمة الصحة قلقة المعطيات التي يسجلها المغرب والارتفاع المستمر في عدد الحالات والوفيات، لا يمكن عموما سلخها عن سياقه الجغرافي، إذ إن إفريقيا لم تتأثر بشكل كبير في المراحل المبكرة من الوباء، ولكن الحالات بدأت في الارتفاع منذ أسابيع في المنطقة. ما جعل منظمة الصحة العالمية تعلن أنها "قلقة للغاية" بشأن وضع فيروس كورونا في إفريقيا، خاصة في جنوب إفريقيا، الذي يمكن أن يسبب في كارثة للقارة التي يعتبر المغرب جزءا لا يتجزأ منها. وقال الدكتور مايكل ريان، رئيس قسم الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، إن جنوب إفريقيا في خضم "حدث شديد الخطورة" ويمكن أن يؤدي إلى معاناة دول أخرى، خاصة مع ارتفاع الحالات بنحو الثلثين في أسبوعين فقط. وتقول منظمة الصحة العالمية الآن، إن الفيروس "يتسارع" في القارة الإفريقية، وثمة مخاوف من أن تنهار نظم الرعاية الصحية الفقيرة أو غير الموجودة في العديد من البلدان. ووفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية اليومية، تعد المنطقة الأمريكية هي الأكثر إصابة بحالات الإصابة بكورونا، حيث يصل عددها إلى 7376748 حالة حتى 19 يوليوز، فيما وخلال نهاية الأسبوع الماضي، ارتفع عدد الأشخاص الذين توفوا في جنوب إفريقيا لوحدها إلى أكثر من 5000 شخص. وقال دكتور رايان: "بينما تشهد جنوب إفريقيا حدثا شديدا للغاية، أعتقد أنه علامة على ما يمكن أن تواجهه القارة إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة لتقديم المزيد من الدعم"، مضيفا: "قد تكون جنوب إفريقيا، للأسف، مقدمة، وقد تكون تحذيرا لما سيحدث في بقية إفريقيا". وأشار ريان إلى أن تفشي جنوب إفريقيا بدأ في وقت مبكر من مثيله في عدد من الدول الإفريقية الأخرى، مشيرا إلى أن المرض انتشر أولا في المناطق الأكثر ثراء، ولكنه انتقل الآن إلى المناطق الريفية الأكثر فقرا..