كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحا من يوم الخميس الفائت، أول أيام الإفراج عن سكان مدينة الرباط وعدد من المدن الأخرى. كانت شوارع حي أكدال ممتلئة عن آخرها. فتحت أغلبية المقاهي أبوابها لاستقبال الزبائن مجددا بتباعد بين الطاولات.. تزين محلات بيع الملابس والأحذية واجهتها الزجاجة بإعلانات عن تخفيضات، كما أن حركة السيارات عادت إلى سابق عهدها. يمر الترامواي كل عشر دقائق بصوت إنذاره الذي أصبح من الذكريات الجميلة لدى سكان مدينتي الرباط وسلا خلال الحجر الصحي. انفجرت الحياة في المدينة فجأة بعدما كانت قد تحولت إلى مدينة أشباح بسبب فرض الحجر الصحي ومنع التجول والتنقل إلا للضرورة. نساء ورجال أطفال وشيوخ ومراهقون... الكل تحرر من ورقة «المقدم» التي منحت للمحظوظ في العائلة، وكان في كل مرة يخرج ليستنشق الحرية، ويعود إلى البيت الذي تحول إلى سجن بعد تجاوز فترة الحجر الصحي ثلاثة أشهر. الكل كان ينتظر شروق الشمس للعودة إلى الحياة. كان مظهر الناس في الشارع بأعداد كبيرة يشبه الملحمة، لم يضربوا موعدا مسبقا مع بعضهم البعض، لكن جميعهم ضربوا موعدا مع الحياة والحرية. يلعب الأطفال ويركضون في كل اتجاه، وعيون الآباء والأمهات ترقبهم باندهاش وانشراح كأنهم يشاهدون أولى ضحكاتهم بعد الولادة.. ضحكات وقفشات أصدقاء لم يلتقوا منذ أزيد من ثلاثة أشهر كانت تهز الشارع، تلك الحميمية بين زوجين بلغا من العمر عتيا وهما يتمشيان ببطء ويتكلمان بهدوء تارة وينظران إلى السماء وما حولهما تارة أخرى، كل هذه المشاهد تجعل كل من يراها يقول: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة». منظر المقاهي وهي مفتوحة ورائحة القهوة التي تعم الشوارع كانت، قبل أيام فقط، مجرد حلم. كانت المقاهي ممتلئة عن آخرها، نادرا ما تجد طاولة فارغة، فلكل مقهى زبناؤه الأوفياء الذين كانوا ينتظرون هذه اللحظة، ليجلسوا إلى طاولتهم المفضلة وبين أيديهم تلك السوداء معشوقة الجماهير. في أغلب المقاهي كان هناك تباعد لا بأس به بين الطاولات، لكن حسب ما عاينا ليس كل المقاهي تشتغل بسعة 50 في المائة، هناك من تعداها بقليل، ويباعد بين الطاولات بمتر واحد. مرتادو المقاهي بعضهم يضع الكمامة والبعض الآخر دونها، فيما النادل، الذي عاد أخيرا إلى عمله بعد جلوسه أزيد من ثلاثة أشهر دون دخل، ينتقل مثل نحلة نشيطة بين الطاولات ينظفها بعد مغادرة كل زبون وهو يرتدي الكمامة. عبر أحمد (اسم مستعار) نادل في أحد مقاهي بالرباط، عن سعادته بعودته إلى العمل مجددا، فقد كان من المحظوظين، فلم يستغنِ عنه صاحب المقهى كما فعل مع زملائه الآخرين، وتابع: «عانينا خلال هذه الفترة بشكل كبير، فجزء منا لم يحالفه الحظ للحصول على الدعم الذي خصصته الدولة، كنا نعيش على مدخراتنا القليلة وبعض عطايا المحسنين، فحتى الاقتراض لم يكن ممكنا، فالحي الذي أعيش فيه الكل متضرر فيه». غير بعيد عن المقاهي، هناك إقبال كبير على محلات بيع الملابس والأحذية، فأغلب هذه المحلات أعلنت تخفيضات في الأسعار، وهو ما جعل الناس يستغلون الفرصة لاقتناء ملابس الصيف والبحر، وهناك من يقتني ملابس الشتاء التي بدورها خضعت لتخفيضات كبيرة. تقول إحدى العاملات في محل لبيع الملابس: «منذ الساعات الأولى هناك إقبال كبير من الشابات على اقتناء الملابس». في باب بعض المحلات يوجد رجل أمن يقيس درجة الحرارة للزبونات، وبعدها يسمح لهن بالدخول. العدد المسموح به للدخول يختلف من محل إلى آخر. أما في محل إحدى العلامات المعروفة للأحذية، فكان المحل شبه فارغ، حيث إنهم لم يستطيعوا جلب سلع جديدة خاصة بالصيف، وقالت المسؤولة عن المحل إنهم لم يغامروا بجلب سلع جديدة وهم لا يعرفون الوقت الذي كان سيرفع المغرب فيه الحجر الصحي، مشيرة إلى أنه في الأيام القليلة المقبلة سيجلبون «new collection». ويعرف المركز التجاري للرباط إقبالا كبيرا من الزوار، حيث شهد خلال نهاية الأسبوع ازدحاما كبيرا، إذ إن أغلب زواره من الشباب، فالبعض يذهب لاقتناء الملابس، والبعض الآخر للأكل في المطاعم الموجودة هناك، والبعض الآخر للعب، وآخرون للجلوس مع أصدقائهم في الفضاء الكائن في الطابق الأخير، والمفتوح أمام العموم. وتشهد مطاعم الأكلات السريعة إقبالا كبيرا من المواطنين، إذ تجد المطعم ممتلئا عن آخره، وهناك زبائن آخرون يقفون في الباب ينتظرون أن تخلو طاولة ليجلسوا إليها، وبعض هذه المطاعم لا يحتم سعة 50 في المائة، حيث إن الكراسي بعضها ملتصق ببعض، والناس قريبون من بعضهم البعض دون وضع كمامات. في الشوارع، هناك من يرتدي الكمامة ويحافظ على مسافة الأمان، والبعض الآخر غير آبه، يضعها في عنقه ويسير بين الناس بشكل عاديّ كأن فيروس كورونا قد انتهى. وتزعج هذه السلوكات البعض، إذ يعلق أحد المارة بأن «استهتار البعض يمكن أن يؤذي الآخرين، لذا، يجب الإكثار من التوعية وتحسيس الناس بخطورة الوضع إذا لم يحترموا الإجراءات الاحترازية». رد فعل البعض وهو يحاول الهرب وتجنب الناس الآخرين القادمين من الاتجاه المعاكس، يعكس مدى خوف الناس من بعضهم البعض، وأن هناك فئة تعتبر خلال هذه الجائحة أن «الجحيم هو الآخر»، لذا، يجب عدم الاحتكاك به حفاظا على سلامتهم الصحية.