سألت سعيد عويطة، وهو بطل مرموق جدا في عالم ألعاب القوى العالمية، مرة، عن أفضل إنجاز رياضي على الإطلاق، فرد على الفور بالقول: «إنه الإنجاز الأولمبي. كل الإنجازات الأخرى جيدة، لكن الأفضل على الإطلاق هو الإنجاز الأولمبي، لأن له طعمه الخاص، ويحظى باعتراف دولي لا يقابله أي اعتراف آخر». وهذا صحيح بالفعل. ففي سنة 1960، وكانت سنة أولمبية، ستشارك الرياضة المغربية في أولمبياد روما بوفد رياضي كبير ومتنوع للغاية. وهكذا، سنقرأ في كتاب «السجل الذهبي للحركة الأولمبية المغربية» عن منتخب الجمباز، ومنتخب الرماية، ومنتخب رفع الأثقال، ومنتخب المبارزة، فضلا عن منتخبي ألعاب القوى والدراجات، ومنتخب الملاكمة، وغيرها من الرياضات الفريدة. ومع مرور الوقت، وبينما كان المنتظر أن تحافظ تلك الرياضات على حضورها الأولمبي المستمر، وتنضم إليها أخرى، في عملية تطور وارتقاء طبيعية تقاس بها «حرارة الجسم الرياضي المغربي»، إذ ببعضها يتبخر تماما، دون أن تنجز التي حلت محلها، مثل كرة القدم وكرة السلة، أي إنجاز يذكر، باستثناء مشاركتها يوما ما باسم المغرب في الألعاب الأولمبية الصيفية. لماذا حدث ذلك؟ بغض النظر عما إذا كانت هناك دراسات علمية موثوقة تطرقت إلى الموضوع، ووصلت إلى خلاصات مفيدة، فإن الواضح، من خلال المتابعة الميدانية لأكثر من عشرين سنة، أن عنصرين أساسيين أسهما في تخلف الرياضة المغربية، وانتكاستها؛ أولهما غياب رؤية استراتيجية مؤسساتية، وثانيهما تفشي التسيير العشوائي للجامعات. فمن ناحية، ظلت الرياضة المغربية تسير وفق «أفكار ومقترحات»، وهذه لا ترقى، مهما كانت ذات قيمة، إلى الاستراتيجية. ومن ناحية أخرى، لم تهدأ «الحروب» على المصالح وسط الجامعات، إلى أن صارت عبارة عن بنيات جوفاء بلا معنى. وأنى لرياضة أن تتطور وترتقي دون استراتيجية تهديها إلى الطريق، وجامعات تطبق المخططات على أرض الواقع؟ يفترض في الاستراتيجية أنها تنطلق من واقع معين، بمواصفات محددة، وإمكانيات بينة، لتصل إلى واقع آخر مغاير، بمواصفات أفضل، وفي زمن محدد. ويفترض في الجامعات؛ باعتبارها وسيطا بين الجهاز الحكومي والأندية، مكلفة بالتنفيذ، أن تنبني على أساس ديمقراطي، وشفافية في التسيير، وحكامة في التدبير، لإنجاز ناجع وفعال. غير أن ما وقع للرياضة المغربية، على مدى سنوات طويلة جدا، هو أنها ظلت تسير بلا رؤية، فضلا عن أن الجامعات؛ بل وحتى الأندية أيضا، لم تكن في مستوى اللحظة. وهكذا جاءت النتيجة وفق الواقع والوقائع، فكان طبيعيا أن يصبح التمثيل الأولمبي المغربي ضعيفا، ولا يؤمل منه أن ينافس الكبار. أما الاستثناءات، فكانت تؤكد القاعدة في كل مرة. أي نعم، فقد تميز عدد من العدائين في بعض الدورات، مثلما تميز بعض الملاكمين، ورياضيون آخرون حسب النوع الرياضي وقيمة المنافسين. غير أن ذلك كله لم يكن وفق خطط واضحة، وتحضير علمي دقيق. وبالنتيجة، لم يكن ممكنا البناء عليه في التطوير والارتقاء. والدليل على ذلك أن ألعاب القوى والملاكمة المغربيتين عاشتا على وقع الانتكاسة عوض أن تعيشا على وقع التفوق. ومما زاد الطينة بلة أن عدد الوزراء الذين تعاقبوا على تسيير الشأن الرياضي حطم الرقم القياسي العالمي، فضلا عن أن كلا منهم ظل يبادر، حال جلوسه على كرسي الجهاز الوصي على الرياضة، بإنهاء العمل بخطط سابقه، لينطلق من الصفر. وحيث إن الانطلاق المستمر من الصفر يشبه عمليات الضرب به، فإن النتيجة ظلت صفرا. ما المطلوب، إذن، لكي ننجح رياضيا؟ يتعين تأكيد، أولا، أن المغرب يملك مواهب رياضية متنوعة. ويشهد على ذلك تاريخه الحديث في المجال. غير أن هذا وحده لا يكفي. ذلك أن التميز الأولمبي يحتاج إلى النفس الطويل والقوي لمقارعة الكبار، وفي مستويات ممتازة. فقد يعبر رياضي مغربي إلى الأولمبياد، ويقصى بسرعة، بالنظر إلى ضعف التنافسية والجاهزية البدنية والذهنية، والنفسية أيضا. وهكذا، ففوق الحاجة إلى استراتيجية وطنية (تمخضت المناظرة الوطنية لأكتوبر 2008 عن توصيات مهمة لم تطبق)، فإن انخراط التعليم يبدو ملحا جدا، إلى درجة تفوق كل تصور. ذلك أنه دون تعليم يعطي الرياضة قيمتها، ويدمجها في برامجه من البداية، ويسهل للمتعلم ممارستها (الحاجة إلى استعمال زمن مواتٍ)، ستسقط كل استراتيجية في الهباء. صحيح أن دور الإعلام، مثلا، مهم للغاية في هذا الباب؛ على اعتبار أنه شريك أساسي في تطوير الرياضة والرقي بها، غير أنه لا يرقى إلى دور التعليم وقيمته. فحين يؤدي التعليم ما يتعين عليه، ويهيئ جيلا يرى في الرياضة ممارسة واجبة، ويحولها إلى ثقافة يومية، سيجد الإعلام، لاحقا، نخبة رياضية يواكبها، ويحتفي بها وبإنجازاتها. في الجمع العام الأخير للجنة الوطنية الأولمبية، قال فيصل العرايشي، رئيس اللجنة، إن المغرب بحاجة إلى توسيع قاعدة الممارسة الرياضية أكثر من حاجته إلى الميداليات الأولمبية، وزاد: «ليسعَ كل مسؤول رياضي من ناحيته، قدر جهده، إلى أن يوسع قاعدة الممارسة. لسنا بحاجة إلى ميداليات الآن -وإن جاءت فإننا سنفرح بها- بقدر ما نحن بحاجة إلى ممارسين. وحين يصبح لدينا عدد كبير من الممارسين، سيحدث يوما ما أن تأتي الميداليات». باختصار، الرياضة المغربية، التي نشأت في خمسينيات القرن الماضي، لم تتطور طبيعيا، ووفق المعايير المتعارف عليها. لقد ضلت الطريق، في غياب استراتيجية، وبفعل عشوائية التسيير. وبعد ما يزيد على خمسين سنة، تكاد تتحول إلى مجرد أسئلة. أسئلة فقط، بلا أي إجابات.