من المفيد أن نستخلص من التمرين الذي عشناه كمغاربة هذه الأيام، ونحن نناقش مضامين الفقرات التي جرى تسريبها من مشروع القانون 22.20، أو ما عُرف عند رواد مواقع التواصل الاجتماعي بقانون «التكميم»، بعض الدروس: 1- لقد أوضح لنا النقاش المثار مؤخرا جزءا مهما مما يجري داخل «العلبة السوداء» لصناعة القرار، خاصة ونحن نكتشف الطريقة التي جرى من خلالها برمجة مشاريع القوانين داخل مجلس الحكومة في آخر لحظة، وبشكل استعجالي، وفي ظل غياب وجود أي مبررات تستدعي ذلك، ودون أن يجري منح الوزراء الوقت الكافي للإطلاع على تلك المشاريع. أنا هنا لست أتحدث عن وزراء التقنوقراط الذين لا يربطهم أي التزام سياسي، أو أولئك الذين يفتقدون في أدائهم للمسة السياسية، من المحسوبين على أحزاب أحدثت بقرار إداري من أجهزة الدولة، وبرعاية صناع القرار، وإنما عن الوزراء الذين يمكن القول إن لهم التزاما سياسيا، يتطلب منهم الحضور وإبداء الرأي والمناقشة. كما أن تغليف مشروع القانون بمبرر مواجهة كورونا «لإحراج» رئيس الحكومة، في الوقت الذي تضمن هذا المشروع مقتضيات خطيرة، ومفرطة في التشدد، تجاه رواد مواقع التواصل الاجتماعي، يوضح بجلاء مدى أهمية اختيار التوقيت في عملية صناعة القرار، وتمرير القوانين بما يخدم لوبيات ومصالح معينة داخل الدول. 2- في المجلس الحكومي المنعقد بتاريخ 19 مارس 2020، جرت مدارسة مشروع القانون 22.20، والمصادقة عليه «أخذا بعين الاعتبار الملاحظات المثارة بشأنه بعد دراستها من طرف اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المحدثتين لهذا الغرض». لكن الملاحظ، هو أنه بعد مرور أزيد من 40 يوما، على انعقاد المجلس الحكومي، لم تتم إحالة مشروع القانون المذكور على البرلمان، وهو ما يؤكد بأن هناك خلافا كان قد حدث داخل الحكومة، ونقاشا بين مكوناتها.. بين من يريد إخراجه بالصيغة «التراجعية» التي اكتشفناها جميعا وعبرنا عن رفضنا لها، وبين من يدافع عن احترام الوثيقة الدستورية والمواثيق الدولية على الأقل، ويقاوم بمختلف الوسائل لتحييد الصيغة الأولية، وهو ما أكدته المذكرات المقدمة من قبل بعض وزراء العدالة والتنمية، نذكر من بينهم مثلا: وزير الدولة المصطفى الرميد، الذي عبر في مذكرته المسربة، عن رفضه لبعض مقتضيات مواد مشروع القانون 22.20. إن وجود مناضلين بالتزامات سياسية واضحة في المؤسسات التقريرية، من شأنه أن يعمل على كبح حركة قوى الردة والنكوص، والدفع في اتجاه تدعيم مسار الانتقال الديمقراطي، وتعزيز ثقة المواطنين في الفاعل السياسي، ومحاربة تبخيس أدواره، كما يؤكد بشكل جلي صوابية منهج المشاركة السياسية والتدافع الديمقراطي من داخل المؤسسات. 3- من جهة أخرى، لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورا مهما في خلق رأي عام موحد حول هذا الموضوع، إذ بمجرد ما اتضح بأن مشروع القانون المراد تمريره، يمس الحريات العامة، ومكتسبات المغاربة الحقوقية، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات رفض وانتقاد واسعة لقانون «تكميم الأفواه»، أرغمت الأحزاب السياسية على الخروج من صمتها، وأحرجت الجميع، وحولت الموضوع إلى لعب مفتوح، بعدما كان مغلقا داخل مجلس الحكومة، ويتم بين تيارين في غياب ميزان القوى بينهما، حيث كان يمكن أن يحسم الأمر لفائدة الملياردير ومن معه. لكن لحسن النقاش المجتمعي، رجحت كفة الاتجاه الإصلاحي داخل الحكومة على كفة تجمُّع زواج المال والسلطة، بإعلان وزير حزب «إدريس لشكر» تراجعه عن مشروع القانون الخاص «بتكميم» الفايسبوك وما يشبهه من قنوات التواصل الاجتماعي، بطلبه من رئيس الحكومة تأجيلَ عمل اللجنة الوزارية المكلفة بمراجعة مشروع القانون 22.20. وهو ما يؤكد قوة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في صناعة القرار، أو فلنقل على الأقل توجيهه إلى وجهة مغايرة لتلك التي أُريدت له في بادئ الأمر. الآن، وبعدما انتصر دعاة حرية الرأي والتعبير، على دعاة التكميم والإسكات، ممن تزعجهم الأصوات المنتقدة، فليستخلص كل واحد الدروس التي تناسبه، ولنرجع لمواجهة «كورونا»، ولنطلق تفكيرا جماعيا في كيفية تجاوز آثارها الاقتصادية والاجتماعية بمؤسسات قوية تكون في مستوى تطلعات شعب الحقوق والحريات، الذي انتفض ضد مشروع قانون وزير الحزب الذي يكفله «مول البومبة»، ليسقطه في الأخير بالضربة القاضية.