صادق المجلس الحكومي يوم 13 مارس 2020 على مشروع قانون 20.22 الذي قدمه وزير العدل محمد بن عبد القادر، والمشروع تم عرضه على لجنة تقنية لإعادة النظر فيه وتطويره، مجرد مسودة قابلة للتعديل والنقاش والنشر عندما تعرض أولا على رئيس الحكومة، ويحمل هذا المشروع مجموعة من المواد منها المادة 14 و15 حيث تنص هذه المواد على العقوبات السجنية في حق من قام بالتحريض علانية بالدعوة للمقاطعة الخاصة بمنتوج معين، وتحريض الناس على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان، وهذا يعرض المقاولات للخطر بفعل الدعاية والأخبار الكاذبة وغيرها من الأضرار المادية والمعنوية لهذه المؤسسات. مشروع القانون الذي يستهدف بالدرجة الأولى رواد شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح. فالقوانين النافعة تلك التي تصاغ من ذوي الخبرة والكفاءة في ميدان القانون أو من التقنين لإيجاد صيغة تحدد مساوئ الاستعمال، وفي الأمر كذلك مزايا للشركات ورواد الشبكات في تطوير الأداء وتحسين الجودة، وحماية المواطن من أخطار تهدد السلامة الصحية عند تعرية جشع الشركات بالنقد الصريح، ولا يعني تزكية المنتوج إذا كان ضرره بالغ على صحة الناس، ومن هنا يتحدد عمل الحكومة في تفعيل المساطر القانونية لأجل حماية المقاولات والأشخاص . مسودة القانون في مضمونها العام تتناقض مع الدستور في الفصل 25 الذي يكفل الحق في التعبير وحرية الفكر، قرارات ليس بالجديدة في ظل تصلب الحكومة وتشبثها بصيغ معينة دون مراعاة السياق الاجتماعي وليونة المساطر، ويضاف لهذا المشروع قرارات سابقة في التعليم والصحة والنقل وباقي القطاعات، لا تستند أحيانا على الدستور ولا تأخذ بموافقة المحكمة الدستورية، ولا تنطلق من النقاش العمومي، وتضارب الآراء بين وزراء الحكومة دليل على النوايا المبيتة التي تعني أولا التنصل من المسؤولية، وثانيا اعتبراها مسودة لازالت في بدايتها، والاهم عدم الالتزام بفلسفة حقوق الإنسان من خلال مصادقة المغرب على القوانين الدولية، وخيار الخطاب السياسي في بناء مغرب حداثي وديمقراطي، وما يتراءى للمغاربة الآن بداية الإجهاز على المكتسبات في ظل جائحة كورونا، وفي غياب رؤية تعيد النظر في القوانين وسياسة الخصوصية في استعمال شبكات التواصل، وهي تلك السياسة التي نجدها في الفايسبوك وكل المواقع التي تنص صراحة على حرية التعبير والقول وبدون عنصرية أو كراهية أو نشر العداء، وتحريض الناس على العنف، ومساءلة الأشخاص أو حذف مواقعهم من خلال عدم التناسب بين المضمون وسياسة النشر. سياسة الخصوصية تلزم الدولة تقنين الشبكات بالقوانين الممكنة بمنع الرداءة والتفاهة والكلام النابي والعمل بالتحذير والغرامات، وليس بالعقوبات السجنية، وسن قوانين في المراقبة لما يسمى بالجرائم الالكترونية، من التشهير والابتزاز والاحتيال على الأموال، والسطو على مواقع الأشخاص والمؤسسات، ومهما كانت درجة خطورة المشروع على حرية التعبير وعلى ما سمي الآن بسياسة تكميم الأفواه نعتقد أن النقد البناء للمقاولات في منتجاتها يزيدها حرصا على الجودة، وتحسين أدائها والحرص على رغبات الزبون في الشراء، وعدم ضرب قدرته الشرائية، وتعزيز منطق المنافسة بين الشركات. خطاب مصطفى الرميد تهدئة للخواطر والتقليل من الاحتقان. يحمل هذا المشروع بصمة الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، لكن خروج إدريس لشكر في نقد المزايدات السياسيوية إيمانا منه بالمرجعية الحقوقية التي يدافع عنها الحزب ودون توضيح فكرة الرفض أو القبول من أساسه للمشروع . موجة الغضب التي اجتاحت مستعملي الشبكة، وكل مدافع عن حق الإنسان في التعبير وحرية الفكر المكفولة بالدستور، بعدما أحس المغاربة بعودة الدولة إليهم أكثر من خلال حرصها على صحتهم وتضحياتها بالاقتصاد، وكل الخسائر الناجمة عن كورونا، فجأة تعود القرارات من جديد بعفوية وارتجالية وبدون نقاش بناء عن الممكن فعله، في إلجام بعض المواقع من نشر محتوى لا أخلاقي أو مضمون يسئ للآخر، ويحرض على العنف والكراهية، والأحرى تحفيز الشبكات المساندة للمجتمع المدني المراقبة لديناميته، والقنوات التي تكشف عن الظواهر السلبية التي تمس وحدة المجتمع، إنها السلطة الخامسة التي أعلنت عن نفسها في تقديم محتويات غنية، بالنقل المباشر، وخروج الناس للتعبير عن آرائهم في قضايا معينة، وتعميم الفكر الحقوقي يخدم بناء دولة القانون والمؤسسات، والشركات التي لا تطور من عملها هي المستفيد الأكبر من مشروع القانون، والخاسر بالطبع الحرية . أحس المغاربة في زمن كورونا بقرب الدولة منهم في تضحيتها بالاقتصاد في سبيل السلامة، لكن السياسي بدأ يتوارى ويعود للخلف، لم يعد الإعلام يهتم بأخباره وأقواله، تعطلت نوعا ما المؤسسات، وبقي رجال الأمن والأطباء ورجال التعليم وقوى المجتمع المدني في الريادة، وبات رجل السياسة خارج معركة الإعلام، الذي كان مركزا عليه فتحولت الأنظار لفئات أخرى من المجتمع. فالمواطن المغربي يتابع الأخبار الواردة من تقارير وخرجات وزارة الصحة، والتحليل من الخبراء وذوي التخصص في ميدان الطب، والدراسة عن بعد في ميدان التعليم، أصيبت الحياة السياسية ببرودة من خلال صمت الكل في مواجهة فيروس كورونا، حتى شعر الناس بالعمل الممتاز للدولة بأجهزتها الأمنية وأطرها، وتراجع السياسي للوراء، فالسياسة تنتعش قي واقع الضجة الإعلامية، وبناء على مراسيم القوانين وفي الحملات الانتخابية . مشروع القانون الحالي عبارة عن مسودة كما يقول مصطفى الرميد لا زالت في الكواليس، ولم تعرض على البرلمان أو لنقل صراحة إنها خرجت بهدوء حتى يتم قياس درجة القبول أو الرفض، من قام بصياغتها ؟ وما هي خلفيات المشروع ؟ هناك أقوال عديدة من قادة الأحزاب السياسية تبرأت من القانون واعتبرته صياغة لتكميم الأفواه، والإجهاز على الحرية والمكتسبات التي ناضل من أجلها المغاربة، وهناك من اعتبر المشروع خرقا للقوانين الدستورية، ولكل المواثيق التي التزم بها المغرب في مجال الحقوق والحريات، وهناك من اعتبر القانون صياغة تخدم أجندة الشركات، وأنها لا تعدو أن تكون سوى انتقام من المقاطعة، التي كانت نتائجها سلبية على بعض المنتجات. يخرج علينا وزيرة العدل ويقر صراحة بهذا المشروع الذي ينم عن الثغرة التي يعاني منها القانون المغربي في مجال تنظيم شبكات التواصل الاجتماعي، مشروع بأهداف بعيدة المدى في إلجام الفاعل الجمعوي والسياسي، والقوى الحية في المجتمع المدني من التعبير والمراقبة للشأن السياسي والحقوقي بالمغرب، العودة للماضي في تقييد الحريات وتوسيع هامش السيطرة . هناك أطراف لا تريد صناعة الرأي العام من خلال التشارك بين مختلف القوى، محمد بن عبد القادر وزير العدل والمحسوب على الاتحاد الاشتراكي في حكومة العدالة والتنمية يعرف بالتمام معنى الحرية التي خبرها بالدراسة والتدريس في درس الفلسفة عندما كان أستاذا ومفتشا للمادة، يعرف السيد الوزير الحرية في بعدها الميتافيزيقي وفي بعدها السياسي، عندما كان يناقش في الفصول الدراسية الحرية عند كانط وروسو وسارتر وهيجل…وفي بعدها السياسي عندما تمرس في العمل الحزبي وطموح الحزب في دولة القانون والمؤسسات، ولا أحد يشك في التاريخ النضالي للحزب ورموزه . لا حل هنا في إعادة الاعتبار للسياسة والسياسي إلا بالتماهي مع فكرة الحرية وبناء أسس الدولة المدنية بكل مضامينها، لا يخرج البناء عن أصالة القيم المغربية الأصيلة، أما فرض القوانين وتكميم الأفواه تحت التهديد بالحبس والغرامات فإننا نعتقد أن الظرفية الآن ليست مناسبة لإصدار قرارات ارتجالية واستباقية، والإعداد لمسودة القوانين يجب أن تكون مصاغة من قبل الحكماء في القانون، وأصحاب الذوق العالي في التشريع، بل القوانين مصدرها البرلمان وليست نتاج لأهواء القوى الاقتصادية أو مبنية وفق خواطر المنتفعين وأصحاب المصالح، فمن ايجابيات شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها سلطة خامسة إلزام الفاعل بأداء سياسي، وإلزام الشركات وللمقاولات للحذر في إنتاجها والزيادة في جودتها، وعلى الدولة صياغة القوانين التي لا تبيح لمستعملي الشبكات عدم الإساءة والتحريض على العنف والكراهية وتسويق الأفكار دون حجج وسند قانوني، من هنا يجب تفعيل المساطر المرنة التي تضمن السلامة للكل، ولا تمنح الحرية المطلقة أو الامتيازات لطرف معينمن السابق لأوانه الحكم على مسودة لازالت في طريقها قبل أن تصبح مشروعا كما قال إدريس لشكر، ربما في القول نوع من التخفيف عن اعتراف محمد بن عبد القادر الذي ساهم في صياغة المشروع مع أطراف معينة لا نعرفها، ولم يكشف عنها مما زاد من التكهنات والتخمينات، ومنصات التواصل الاجتماعي والرأي العام المغربي يريد الحقيقة دون التنصل منها لان الإقرار بالاعتراف يلقي اللوم على حزب الاتحاد الاشتراكي، ولا يزيل الاتهام عنه في تنفيذ املاءات لا نعرفها . فالمعركة هنا سياسية ولا تمس بالوحدة المغربية أو تزعزع عمل الحكومة بل ما يراه بالفعل النشطاء وقادة بعض الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية أن مسودة المشروع وهي في طريقها لا تستند على مرجعية دستورية ولا حقوقية ، ولا تأخذ نصيبها داخل الإجماع العام، وليست صيغة عقلانية في بناء دولة الحق والقانون، نريد من الحكومة صياغة قوانين ضد التفاهة وضد المحتويات الجوفاء والفارغة التي تسئ لصورة المغرب كوجهة سياحية، عندما يريد السائح الأجنبي التعرف على بلدنا من خلالها –اليوتيوب مثلا- فلا يجد برامج مفيدة، حيث الفوضى وهيمنة الروتين اليومي، وبرامج التفاهة، وكثرة التافهين بدون محتوى حقيقي، وهذا يستلزم ضرورة تقنين الشبكات في وضع قوانين صيانة الكرامة للرفع من مستوى الوعي الجمعي دون اللجوء لسياسة التكميم ومصادر الحرية .