أسماؤهم: أنتوني فاوتشي، ديديه راوولت، أنجيلو بوريلي، كريستيان دروستين، تشاو ليتاو، فرناندو سيمون. هؤلاء ليسوا أبطال رياضة، ولا نجوماً في سماء الفن، ولا حتى رجال سياسة لمعوا في زمن كورونا. إنها أسماء النجوم الحقيقيين الذين احتلّت صورهم شاشات التلفزات في بلدانهم، وألف الناس نبرات أصواتهم فتحوّلت مصدر سكينة وطمأنينة لكثيرين من مواطني بلدانهم، يثقون بهم أكثر مما يثقون بساستهم وزعمائهم. هي أسماء علماء لم يسمع بهم إلا قلة قليلة من الخبراء والمختصين، أخرجتهم أزمة كورونا من مختبراتهم وعياداتهم ومستشفياتهم، وبين ليلة وضحاها تحولوا إلى نجوم حقيقيين، يحظون باحترام شعوبهم وتقديرها، وأكثر من ذلك بثقتها. فجأة حلّ هؤلاء النجوم محل أسماء النجوم التي اختفت بدون سابق إنذار، بعدما ظلت تملأ دنيا الناس وتشغل بالهم بالتفاهات. وفي زمن وجيز استطاعوا كسب ثقة شعوبهم، في وقت فقدها فيه ساسة كثيرون في العالم، إما تواروا عن الأنظار مجبرين أو مضطرين أو سقطوا في أخطاء وتضارب تصريحاتهم المغالطة أو المنافقة أو الكاذبة. في أميركا، لمع نجم الدكتور أنتوني فاوتشي، الخبير في علم الأوبئة، بإطلالته إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونائبه مايكل بنس، في مؤتمرهما الصحافي اليومي تقريباً، منذ بدأ تفشي الوباء في الولاياتالمتحدة. في هذه المؤتمرات، كان صوت عالم الأوبئة السبعيني، على الرغم من البحّة فيه، هو ما يستأثر باهتمام الأميركيين، خصوصاً عندما كان يتدخّل، بهدوء لافت وبنبرة الواثق من معلوماته، لتصحيح أخطاء الرئيس ومغالطاته. يفعل ذلك، في بث مباشر، بتواضع العلماء وبدون ادّعاء، حتى وإنْ كان يعرف أنه يضع رئيس أكبر دولة في تناقض كبير وحرج شديد أمام ناخبيه. وفي فرنسا، تحوّل البروفيسور ديديه راوولت إلى أكثر شخصية مثيرة للجدل، ليس في فرنسا فقط وإنما في العالم، عندما نشر بحثه الطبي الذي يوصي فيه بوصفةٍ علاجيةٍ جرّبها في مختبره في مرسيليا جنوبفرنسا. وعلى الرغم من عدم مبالاة وسائل الإعلام في البداية بما كان يقوله، وهجوم بعض زملائه عليه، فقد نجح إصرار هذا العالم الستيني في أن يثبت نجاعة علاجه، حتى وصل صدى وصفته إلى إحدى “تغريدات” الرئيس الأميركي، واضطر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لزيارته في مختبره، للتأكيد على صوابية موقفه، وهو الذي سبق له أن انسحب من اللجنة العلمية التي شكّلها الرئيس حوله لإدارة الأزمة، عندما لم يتم الاستماع إلى رأيه منذ بداية تفشّي الوباء في بلاده. وفي ألمانيا، لمع نجم عالم الأوبئة كريستيان دروستين الذي لفت إليه الأنظار، منذ بداية الأزمة في بلاده، بفضل حصافة رأيه ونباهته، عندما فطن إلى أمريْن، كان لهما الدور الحاسم في تقليل نسبة الوفيات بين المصابين في ألمانيا: ضرورة تعميم الفحص الطبي المبكر، والتزام الحجْر الصحي والتباعد الاجتماعي. وعندما خضعت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، للحجْر الصحي، بقي هذا العالِم الأربعيني هو الرجل الوحيد الذي تُنصت ألمانيا إلى نصائحه، وتتبع الحكومة والمستشارة توقعاته. وصفته الصحافة الألمانية بأنه أصبح واحداً من أكثر الناس تأثيراً في ألمانيا، وتحدّث قسم الإعلام في وزارة الخارجية، على موقعه الرسمي، عن وجود انطباع داخل أوساط حكومة بلاده مفاده بأن الجميع “سعداء بأن لديهم هذا الرجل”. أما في الصين، الموطن الأول للوباء، فقد تحوّل عالم الأوبئة، الدكتور تشاو ليتاو، الذي تجاوز عقده الثامن، إلى الناطق الرسمي الوحيد الذي يثق الناس بكلامه، في عزّ حرب بلاده ضد الفيروس. ولهذا العالم يعود الفضل في تأكيد انتقال الفيروس بين الناس عن طريق العدوى، وهو أول من أوصى بسياسة “الحجْر الصحي” و”التباعد الاجتماعي” حلاً آنياً واحترازياً وضرورياً للحدّ من تفشي الوباء. حظي بعض هؤلاء النجوم بتعاطف كبير من مواطنيهم، خصوصاً بعدما أصيبوا هم أنفسهم بالفيروس اللعين، ومع ذلك استمرّوا في أداء واجبهم، على الرغم من إصابتهم، في توعية الناس وطمأنتهم، مثل حال الدكتورين، فرناندو سيمون عالم الأوبئة الإسباني الخمسيني، وأنجيلو بوريلي، خبير الكوارث الإيطالي، الخمسيني أيضاً. ففي كل مساء كان الإسبان والإيطاليون يتسمّرون أمام شاشاتهم الصغيرة لسماع ما يقوله الخبيران المتمرّسان اللذان كانا يعرفان كيف يهدّئان من روع النفوس التي سكنها الخوف والفزع والرعب، ويبعثان فيها، من محجريْهما الصحيين، الأمل في العيش، ويقويان إرادتها في الصمود والبقاء. أبطال زمن كورونا كُثر، في مقدمتهم الأطباء والممرضون وكل مقدّمي خدمات الرعاية الصحية والعاملون في مجال الإنقاذ والإسعاف. هم أيضاً منتسبو الأمن والإعلام وموظفو النظافة وشبكة كبيرة من جنود الخفاء في الصفوف الخلفية، من مزارعين وعمال المصانع ومستخدمي شبكات التوزيع الذين يوفّرون للناس المحتجزين في بيوتهم حاجياتهم اليومية الضرورية. وداخل كل فريق من الأبطال يوجد دائماً نجوم، وفي مقدمة هؤلاء لمع نجم الأطباء والعلماء الذين برزوا بقوة خلال هذه الأزمة، محللين وشارحين وباحثين ومخترعين ومطمئنين. وهذه فرصةٌ لإعادة الاعتبار إلى كل هؤلاء الأبطال والنجوم الذين يستحقون منا الاعتراف بهم وبعلمهم الذي ينفع الناس ويمكث في الأرض، أما الزبد، وما أكثره، فذهب جُفاء!.