تمكن فيروس كورونا المستجد من تحقيق ما لم يحققه السياسيون والأمنيون المغاربة والإسبان والأوروبيون في معركتهم ضد شبكات تهريب البشر من الجنوب إلى الشمال منذ ظهور ظاهرة قوارب الموت سنة 1988؛ إذ لم تتوقف الجائحة عند حد شل حركة قوارب الموت تقريبا انطلاقا من السواحل المغربية صوب نظيرتها الإسبانية، منذ إعلان حالة الطوارئ في منتصف مارس المنصرم، بل أدت إلى بروز ظاهرة الهجرة العكسية للمغاربة من الشمال إلى الجنوب. هذا ما كشفه تقرير سري للاتحاد الأوروبي نشرت صحيفة «إلباييس» الإسبانية بعض تفاصيله، والذي أكد أن الشبكات الإجرامية المتخصصة في تهريب المهاجرين تأبى الخضوع للحجر الصحي، حيث تحاول التأقلم مع الوضع الحالي. في هذا الصدد، يقول تقرير الاتحاد الأوروبي: «يُظْهِرُ مهربو المهاجرين مرونة كبيرة وأَقْلَمَة لمشاريعهم الإجرامية على الأوضاع الحالية، حيث إنهم أصبحوا، اليوم، ينظمون، أيضا، رحلات للمهاجرين المغاربة غير نظاميين الفارين من كوفيد-19 في الاتجاه المعاكس، بمعنى من إسبانيا إلى المغرب». ونقلت صحيفة «إلباييس» عن مصادر أمنية أن تقرير الاتحاد الأوروبي يتحدث عن مجموعة مكونة من 100 مغربي خرجوا، في أواخر مارس المنصرم، من السواحل الإسبانية صوب ساحل العرائش بالمغرب بطريقة غير قانونية على متن قاربي موت. وأشار المصدر ذاته إلى أن كل مهاجر دفع للشبكة الإجرامية التي نقلتهم إلى المغرب 54 ألف درهم، ما يعني أن سعر «الحريك العكسي» يضاعف خمس مرات «الحريك» المعروف من المغرب إلى إسبانيا، والذي يتراوح في الأيام العادية بين 4000 و10 آلاف درهم. ورغم أن التقرير الأوروبي يشير إلى أن الأمر يتعلق بمهاجرين مغاربة غير نظاميين في إسبانيا اختاروا العودة إلى المغرب هربا من الفيروس مقابل 54 ألف درهم، فإن بعض المهتمين بقضايا الهجرة والمهاجرين غير النظاميين، والذين تواصلت معهم الجريدة في إسبانيا، يشككون في هذه الرواية، مبررين ذلك بصعوبة توفر مهاجر غير نظامي في هذه الظروف العصيبة على مبلغ 5 ملايين سنتيم لدفعه لشبكات تهريب البشر. ويرجح بعض من تواصلت معهم الجريدة فرضية أن يكون الأمر يتعلق ب«مغاربة كانوا يوجدون بطريقة قانونية في إسبانيا، وقرروا العودة بطريقة غير قانونية إلى المغرب للالتحاق بأسرهم هربا من الفيروس». وتدعم هذه الفرضية الأخيرة حالة الهجرة العكسية المؤكدة من سبتة إلى الداخل المغربي، إذ إن 19 مغربيا من بين العالقين في سبتة منذ إغلاق الحدود تمكنوا من العودة سباحة بطريقة غير قانونية إلى الجانب المغربي في رحلات متفاوتة زمنيا. وأوضح أحد العالقين المغاربة بسبتة ل«أخبار اليوم» أن المغاربة ال19 الذين عادوا سباحة إلى الداخل المغربي كلهم من العالقين، ولا يوجد بينهم أي مهاجر غير نظامي أو قاصر غير مصحوب. وعلمت الجريدة أن الذين تمكنوا من العودة إلى داخل المغرب يجري إيواؤهم مؤقتا لقضاء فترة الحجر الصحي في دار الطالب بالفنيدق. بدورها، أوردت صحيفة «إلفارو دي سبتة» أن مجموعة من المغاربة العالقين في سبتة هربوا من مركز «لاليبيرتاد»، الذي كانوا يخضعون فيه للحجر الصحي مؤقتا، ليلة السبت-الأحد، في محاولة للعودة إلى المغرب ربما سباحة، لكن الأمن الإسباني أوقفهم وأعادهم إلى المركز ذاته. 1.5 مليون أجنبي غادروا إسبانيا والمغاربة ينتظرون تنفس المغاربة العالقون في سبتة، الذين تواصلت معهم الجريدة، الصعداء بعد الحديث عن قرب ترحيلهم، حيث من المرجح أن تفتح الحدود، أولا، في وجه 300 مغربي عالقين في سبتة، و350 آخرين في مدينة مليلية المحتلة، علما أن هناك 22 ألف مغربي تقريبا عالقين في الخارج. وفي الوقت الذي لايزال 22 ألف مغربي ينتظرون إعادتهم إلى المملكة، تستعد السلطات الإسبانية لترحيل من تبقوا من الإسبان في المغرب بعدما رحلت في مناسبات سابقة 9000 إسباني تقريبا، علما أن إسبانيا رحلت منذ تفشي الوباء 24 ألف إسباني كانوا عالقين في مختلف بلدان العالم. وإذا كان ما يقل عن 1000 مغربي عالقين في إسبانيا لا يستطيعون العودة إلى المملكة رغم القرب الجغرافي ووجود معابر حدودية برية، فإن نحو 1.5 مليون أجنبي غادروا إسبانيا في الأسابيع الأخيرة، وفق ما صرحت به وزيرة الخارجية الإسبانية، آرانتشا غونثاليث لايا، في الساعات الماضية في البرلمان الإسباني. وعادت الوزيرة الإسبانية، أيضا، لتؤكد، في حوار لها مع صحيفة «إلموندو»، يوم أمس الأحد، أنها ستقوم بترحيل دفعة جديدة من مواطنيها من المغرب ودول أخرى، لكنها لم تفصح هل الرحلة ستشمل المغاربة الحاملين للجنسية الإسبانية أم لا، وفي هذا الصدد قالت: «في الأيام المقبلة سنقوم بالمزيد من الرحلات من الأرجنتين والبيرو والباراغواي وكولومبيا والمغرب…»، ولم تحدد عدد الذين سيرحلون انطلاقا المغرب، بل اكتفت بالقول إن عدد المرحلين في هذه الدفعة من مختلف الدول سيصل إلى 2000 شخص.