يتميز شهر رمضان في المغرب بخصائص تجعله يتسم بمظاهر حياة مختلفة عن بقية شهور السنة. كما يعتبر هذا الشهر مخلدا لأحداث كبرى عاشها المغاربة، من محاكمات كبرى، مثل محاكمة الضباط الذين تورطوا في الانقلاب على الحسن الثاني وحاولوا إسقاط طائرته، أو قضية محاكمة الكوميسير ثابت في رمضان، أو حملة التطهير التي تمت في مثل هذا الشهر، فضلا عن حصار قطر الذي ألقى بظلاله على علاقات المغرب مع الدول الخليجية… لكن رمضان هذه السنة سيكون قطعا مختلفا عن سابقيه، ففي بلد يمثل فيه القطاع غير المهيكل نحو 21 في المائة من الناتج الداخلي الخام تطرح تساؤلات عن مدى تأثير استمرار تدابير الحجر الصحي التي اعتمدتها السلطات العمومية على الدورة الاقتصادية في هذا الشهر، حيث تعرف نسبة المنخرطين في الأنشطة غير المهيكلة زيادة مهمة مع ظهور مهن كثيرة تعول عليها العديد من الأسر لتحسين دخلها ومواجهة ارتفاع المصاريف نتيجة تغير العادات الاستهلاكية. ففي وقت تشير أرقام وزارة المالية إلى استمرار اشتغال عدد من فروع النشاط الاقتصادي، خاصة الصناعات الاستخراجية والغذائية والكيميائية وقطاعات الاتصالات والخدمات المالية، ما يمثل نسبة 41 في المائة من الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي، كان التوقف مصير عدد كبير من القطاعات التي وجد العاملون فيها أنفسهم في وضعية توقف اضطراري عن الشغل بسبب التخوف الرسمي من تفشي جائحة كورونا، ومن ضمنها قطاعات تنتمي إلى القطاع غير المهيكل، وهو التوقف الذي قد يستمر إلى نهاية رمضان الذي يعرف عادة حركية كبيرة يعول عليها كثيرون لزيادة مداخيلهم. لكن الهاجس الأول في رمضان الحالي، يظل صحيا بالدرجة الأولى، حيث يجد المسلمون أنفسهم في قلب عاصفة من التساؤلات الصحية المرتبطة بتأثير الفيروس على الصائم، ومدى قدرة جهاز المناعة على مقاومة الوباء؟ ثم هل يجوز صحيا الصيام في زمن كورونا؟ وهل ستؤتي الحالات المصابة بالفيروس هذه الفريضة في ظل علاج الكلوروكين المتبع؟ جدل انطلق لأسابيع سبق قدوم الشهر المبارك، عقب تصريح إعلامي للأخصائي في علوم التغذية، محمد الفايد، قال فيه إن “صيام شهر رمضان بطريقة شرعية صحيحة، مع الاعتماد على الأطعمة الطبيعية من خضر وفواكه خلال الإفطار، من شأنه أن يطرد السموم من الجسم ويقضي على فيروس كورونا الذي يمكن طرده، أيضا، من الجيوب الأنفية عبر استنشاق بخار بعض التوابل مثل القرنفل والقرفة”، وهو ما فتح عليه وابلا من الانتقادات وجبهة حرب جديدة من طرف معارضيه الذين اعتبروا من جانبهم هذ التصريح “خطير جدا ويهدد سلامة المواطنين، نظرا لافتقاره للأسس العلمية والطبية وتنافيه مع توصيات الوزارة الوصية، ومنظمة الصحة العالمية”، على حد تعبيرهم. وبعد أكثر من شهر من الطوارئ الصحية، حل رمضان بينما تثير الكثير من الأسئلة حيرة المواطنين. فبعد ما كان لهذا الشهر عبادات خاصة، يستعد لها الناس في كل الدول العربية، من تغيير نمط الصلاة عن الأيام العادية، إذ تصبح صلاة التراويح التي ترافق صلاة العشاء أهم ما في اليوم لدى الصائم، إلى الصيام ساعات طوال وقراءة القرآن، بالإضافة إلى زيارة الأهل والأصدقاء والتجمع على مائدة الإفطار. اليوم، وفي ظل الحجر الصحي طفت تساؤلات حول الصيام وما يرافقه ومنها ما يلي: هل يؤثر الصيام على الشخص ويرفع من إمكانية إصابته بفيروس كورونا؟ وهل يمكن اعتبار أن العالم يعيش في ظروف استثنائية وإلغاء الصوم؟ وكيف يمكن أداه صلاة التراويح بعد إغلاق المساجد؟ وغيرها من الأسئلة. حتى المنفذ شبه الوحيد للترفيه والتسلية، أي القنوات التلفزيونية المحلية التي تعرف طفرة في المشاهدة خلال رمضان، لن يسلم من تبعات الجائحة. فقد تزامنت فترة استكمال تصوير عدد من برامج رمضان المعهودة وخاصة منها ذات الطابع الترفيهي، مع حالة الطوارئ وتمديدها، ووصول موسم المنافسة على المشاهدات وكسب الإشهار، دون تحقيق هذا الاستكمال، وأحيانا أخرى قبل حتى البدء في التصوير، تماشيا والقوانين المفروضة استثناء من أجل حماية النفس والآخر، (بعد هذا) اضطرت القنوات التلفزيونية المغربية العمومية إلى رسم خريطة برمجة جديدة أو معدلة نسبيا ومكيفة مع المرحلة. وهكذا كشفت قنوات الأولى والثانية والأمازيغية، متأخرة، خريطة شبكاتها البرامجية مستغنية عن بعض الأعمال التي كان يمكن أن يكون رهانها الأول لكسب متابعة أكبر، مراهنة على الأعمال الجاهزة دون الدخول في مرحلة الانتقاء التي كانت تمر بها في السابق.