في هذا الوقت العصيب الذي تمر به بلادنا ومختلف دول العالم، بسبب تداعيات انتشار فيروس كورونا، نحن في حاجة، أكثر من أي وقت مضى، إلى تكثيف التوعية والتثقيف في صفوف مواطنينا، لأن ما تابعناه نهاية الأسبوع الماضي من ممارسات، أبرزها التهافت على المواد الغذائية والتسابق نحو الأسواق الممتازة، لا يبشر بخير. إلى حد الآن، مازال المغرب في المرحلة الأولى من انتشار الفيروس، وإلى حدود صباح يوم أمس الاثنين سجلت 29 حالة، جميعها لأشخاص قادمين من الخارج، منها 20 حالة سجلت نهاية الأسبوع الماضي، وهذا تطور لافت، ومع ذلك لم نصل بعد إلى مرحلة العدوى الداخلية، وهي مرحلة ستكون خطيرة، لا قدر الله، لذلك، سارعت السلطات إلى اتخاذ سلسلة من الإجراءات الاحترازية نهاية الأسبوع الماضي، أبرزها توقيف رحلات الطيران مع العديد من الدول، وتوقيف الدراسة، ومنع المهرجانات والمواسم، وربما نصل إلى إغلاق المساجد. لكن، مع الأسف، خلفت هذه القرارات حالة من الهلع، وتسابق الكثير من المواطنين إلى الأسواق الممتازة، وهو سلوك ينم عن أنانية واستهتار في الوقت نفسه. أنانية، لأن التسابق إلى الاستئثار بالسلع دون مبالاة بحاجات المواطنين الآخرين يعد سلوكا يفتقر إلى حس المواطنة والتضامن. واستهتار، لأن التجمع في الأماكن المكتظة عدة ساعات يضاعف فرص انتشار الفيروس. فإذا كان هناك شخص واحد فقط مصاب في المكان المكتظ، فإن احتمال نقله العدوى كبير جدا، وحينها سيكون صعبا تتبع انتشار الفيروس، وهذا ما وقع في دول أوربية لها إمكانيات كبيرة جدا، ومع ذلك، أصبحت مغلوبة على أمرها، مثل إيطاليا وإسبانيا اللتين تضاعفت فيهما الإصابات كثيرا. هناك سلوكات أخرى أيضا لا تبعث على الارتياح، وتكشف حالة الاستهتار، مثل إصرار بعض الأسر في الأحياء الشعبية على تنظيم حفلات الأعراس، رغم منع السلطات التجمعات التي تصل إلى 50 شخصا، وتجاهل الشباب التحذيرات واستمرارهم في ممارسة كرة القدم في ملاعب القرب، رغم ما تتيحه هذه اللعبة من احتكاك بين اللاعبين وتسهيل تنقل العدوى. والأخطر هو تجاهل الكثير من الناس نصائح عدم المصافحة باليد، بل إن كثيرا من الأشخاص يواصلون عادات التقبيل لتحية بعضهم البعض، رغم ما في هذا السلوك من مخاطر، كما أن أشخاصا آخرين لا يجدون حرجا في الجلوس في المقاهي لتبادل أطراف الحديث أو للتدخين. وهذه ممارسات تتبعناها نهاية الأسبوع الماضي. وقد أمرت السلطات الاثنين بإغلاق المطاعم والمقاهي والحمامات والقاعات الرياضية وملاعب القرب. على المستهترين بخطورة الفيروس أن يدركوا أن الوضع خطير، وأن دولا مثل إيطاليا وإسبانيا كانت تعرف حالات محدودة من الإصابات في فبراير، تناهز عدد الإصابات التي تسجلها بلادنا حاليا، لكن، في شهر مارس، تضاعفت الإصابات كثيرا ووصلت إلى الآلاف، واضطرت إيطاليا إلى منع المواطنين من مغادرة بيوتهم، واعتقالهم في حال خروجهم دون عذر مبرر. هذه الدولة لها إمكانيات صحية كبيرة، ومع ذلك تعاني، أما نحن في المغرب فلا نتوفر إلى حد الآن سوى على 250 سرير إنعاش، أي أنه إذا تضاعف عدد الحالات التي تعاني أعراضا تنفسية، فإن عدد الأسرة لن يكون كافيا، وستكون الوفيات كثيرة، لا قدر الله، خاصة في صفوف الفئات الهشة من كبار السن والمصابين بأمراض مزمنة. وحتى الحالات غير الخطيرة، فإنه سيصعب التكفل بها في المستشفيات، لأن عدد الأسرَّة في المغرب يقل عن 40 ألفا، وهناك مرضى آخرون بغير كورونا. فماذا لو وصلنا إلى مرحلة الخطر؟ مؤكد سيقع ارتباك كبير وسيسقط ضحايا كثيرون.. إذن، ما علينا سوى تفادي انتقال الفيروس بيننا بتجنب التجمعات، والحرص على النظافة، والتنقل فقط للحاجة، واحترام التعليمات التي توصي بها مختلف المصالح.. أكيد أن إجراءات غلق الحدود ومنع التجمعات مهمة في محاصرة الفيروس، لكن سلوك المواطنين يبقى حاسما في منع العدوى، فلنكن في مستوى المسؤولية.. وقانا الله جميعا وسائر البشرية كل مكروه.