في الوقت الذي تتحدث فيه مصادر من داخل المكتب الشريف للفوسفاط عن سياسات الانفتاح الجديدة التي يمضي فيها مصطفى التراب، المدير العام للمجمع الشريف للفوسفاط، والتي تهدف إلى كسر قاعدة “شبه المؤسسة العسكرية” نسبة إلى درجة خنق المعلومة والتكتم عن الأرقام وعدم الانفتاح عن المؤسسات التشريعية، فإنّ “إمبراطور” الفوسفاط المغربي بلغَ مستوى غير مسبوق في تجنيد “صحافيين” ومؤسسات إعلامية كبرى لتلميع صورة مؤسسته القوية، التي وقفَ إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات: “لا نستطيع نشر التقرير المتعلق بالافتحاص الخاص ب(ل OCP) كاملا.. هو شركة والشركة تخضع لمنطق المنافسة”. وأن تلك المعطيات هي “معلومات ذات حساسية عالية”. رؤية مصطفى التراب الجديدة، غير المعلن عنها سلفا تجاه الصحافة المغربية، مكنته من فرض هيمنة “الافتتاحية الأولى”، حينما يتعلق الأمر بتلميع صورة مؤسسته أو “الخط الأحمر”، حينما يتعلق الأمر بالنقد من طرف الصحافة المغربية. اهتمام التراب بفرض “هيمنته” على “سوق الصحافة بالمغرب” أثار، أيضا، اهتمام الصحف الدولية التي كتبت متسائلة عن “الصمت المطبق لصالح مكتب التراب من قبل الصحافة المغربية”. قبل ذلك بكثير، بلغَ انشغال مصطفى التراب بالإعلام درجات غير مسبوقة، ففي الوقت الذي ضم إلى مكتبه مدير موقع “لوديسك” علي عمار، كانَت أعين التراب على صحافيين معينين آخرين، سبق أن اشتغلت مؤسساتهم الإعلامية التي كانوا يُديرونها مع الOCP في مجال “الإعلان” وتلميع صورته تحديدا. وفي مقابل ذلك، ضرب التراب حصارا غير مسبوق على مؤسسات إعلامية أخرى، أبرزها “أخبار اليوم” رافضا أداء حتى مستحقات هذه الجريدة بتماطله في تنفيذ بنود عقد يربط المكتب بهذه الجريدة، يعود إلى سنة 2017. في مقابل ذلك، تتهاطل أموال الإشهار على مؤسسات إعلامية بعينها. وعلمت “أخبار اليوم” أنّ مصطفى التراب يُخطط لإخراج أكبر مشروع متعلق بإنشاء أكاديمية تدريب للصحافيين في مدينة بنجرير، وأنّ المشروع سيجري إخراجه بميزانية ضخمة. التقرير البريطاني أثارت صحيفة “middleeasteye” البريطانية، في تقرير أصدرته ثلاث منظمات سويسرية، بعنوان: “الأسمدة الخطيرة والتجار السويسريون وانتهاكات حقوق الإنسان في المغرب” حول المكتب الشريف للفوسفاط، جاء فيه: “إن مصنعين للأسمدة تابعين لشركة OCP “آسفي والجرف الأصفر”، على الساحل الأطلسي للمغرب، ينفثان كميات كبيرة من الغازات السامة ويلوثان الهواء وينتهكان الحق في صحة العمال والسكان المجاورين لهذين المصنعين”. وخلص التقرير إلى أن “العديد من العمال يعانون من أمراض الجهاز التنفسي والسرطانات نتيجة التعرض لفترات طويلة للملوثات والغبار الناعم والخشن. وكشفَ التقرير عن العديد من حالات وفيات العمال نتيجة لهذه الأمراض”. وأضافت الصحيفة أنّ وسائل الإعلام المغربية، مثلا، تجاهلت فعليا هذا التقرير، إذ وجدت أنّ المكتب الشريف للفوسفاط هو أحد أبرز المعلنين عند عدد كبير من الصحف المغربية البارزة التي تجاهلت التقرير الذي كانت “أخبار اليوم” قد انفردت بنشر تفاصيله كاملة، وتعرّضت إثر ذلك لضغوطات شديدة. وعلاقة بالمعطيات الواردة في تقرير صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية، فقد روت كيف جمع مصطفى التراب من حوله عددا كبيرا من الصحافيين المغاربة ومنحهم أجورا عالية للغاية، مقابل العمل في “ديوانه الخاص” وتنفيذ خططه. أجور مغرية تقول صحيفة “ميدل إيست آي” إنّ مدير أكبر شركة مملوكة للدولة (OCP) أحاط به جيشا من الصحافيين، مقابل أجور مغرية جدًا، مقابل خدماتهم لتلميع صورة المكتب الشريف للفوسفاط، ويتعلق الأمر بسمير شوقي، الرئيس التنفيذي السابق ل”أوريزون بريس”، والذي بقي في هذا المنصب منذ أكثر من عشرة سنوات على رأس المجموعة الإعلامية التي تضم يومية “Les Inspirations éco” وHorizon TV وموقع leseco.ma. وأكدت الصحيفة البريطانية، أنه في شتنبر عام 2019 تركت مديرة نشر مجلة “تيل كيل” مهمتها نهائيًا والتحقت بديوان مصطفى التراب لتشغل مهمة مستشارة إعلامية. وقبل خمسة أشهر، جرى تعيين نادية لمليلي، المديرة السابقة المسؤولة عن قسم المغرب العربي والشرق الأوسط في موقع Jeune Afrique ومقره بباريس، كمدير للمشاريع داخل لOCP. ويضاف إلى هذه الأسماء سليمان بن الشيخ، وفقا للمصدر ذاته، وهو رئيس التحرير السابق لمجلة “زمان” الشهرية والمراسل السابق لمجلة L'Express الفرنسية. ومؤلف كتاب “معضلة الملك” أو “الملكية المغربية في الاختبار” منذ ماي 2019 مديرَ مشروعٍ داخل لOCP. وقالت الصحيفة البريطانية إنّ سليمان بن الشيخ سيتكلف بتحضير الذكرى المئوية لOCP، وهو الحدث الذي سيجري الاحتفال به هذا العام. وأفادت الصحيفة البريطانية ذاتها أن موجة توظيف الصحافيين أصبحت تتم بشكل خاص، بفضل الرواتب التي يمنحها لOCP، إذ تختلف عن الأجور التي يتلقاها الصحافيون في المنابر التي كانوا يشتغلون فيها. وقال صحافي مغربي لم يكشف عن اسمه لmiddleeasteye: “لقد عُرض عليّ ثلاثة أضعاف راتبي للانضمام إلى ل OCP، وقد قبلت لأنني بحاجة إلى الاستقرار”، وتابع “من الأفضل الخروج من حالة عدم الاستقرار”. وقالت الصحيفة البريطانية، إن مثل هذا الصحافي عرضَ على لOCP عشرات الصحافيين الآخرين من أجل الاشتغال في مناصب معينة، وهذه المناصب لا صلة لها بالمجلة الداخلية لشركة OCP، والتي لديها فريق يضم خمسة صحافيين على الأقل. وقال المصدر ذاته، إنّ عملية تجنيد الصحافيين تُرافقها استراتيجية أوسع لتلميع صورة مكتب التراب. وفي شتنبر الماضي جرى إطلاق عملية مناقصة لاختيار “شركة واحدة أو أكثر” لإجراء دراسات “تحديد أهداف OCP الداخلية وتلميع صورته داخليا وخارجيا”، وفقا لوثيقة سرية حصلت عليها MEE البريطانية.